تتردّد الطفلة المصابة بمرض الثلاسيميا فاطمة ناجي (8 سنوات) مرّة كل أسبوع على مشفى بَيْحان الذي يبعد 25 كيلومترا عن منزلها في قرية وادي اَلْنَحَرْ بمحافظة شَبوة (شرقي اليمن).
وتفتقر قرى وادي النحر بمديرية بَيحان شمال عَتَق المركز الإداري للمحافظة إلى وجود وحدات ومراكز صحية، وإلى غياب الصحة الإنجابية وصحة الطفل والتغذية، الأمر الذي يسبّب أعباء كبيرة على السكان في ظلّ الظروف الاقتصادية المزرية.
ويقطع عشرات من المواطنين هذه المسافات وأكثر، ويتحمّلون تكاليف النقل التي تتجاوز 50 إلى 80 ألف ريال (الدولار 1600 ريال)، من دون تكاليف الغذاء والدواء والإقامة إذا كانت الحالة تستدعي ذلك.
وصلت تلك المعاناة إلى حدّ وفاة مواطنين بسبّب تأخر نقلهم للمشفى، نتيجة المسافة الطويلة ووعورة الطرق، في حين تضاعفت حالات أخرى كانت في الحدود الصحية الأمنية.
ولا توجد إحصائية دقيقة بعدد الحالات التي توفيت جراء تأخير نقلها إلى المستشفى الحكومي، لكن الدكتور حسين كَرْنُوْن رئيس قسم العمليات الجراحية في المستشفى أكّد على وفاة حالتين تأخرتا عن الوصول في الوقت المناسب نتيجة البعد.
ويشير الطبيب كَرْنُوْن لمنصة “ريف اليمن”، “أن أحد المتوفين في عمر 41 عاما، وتوفي بسبب مسّ كهربائي، وطول المسافة تعد سببا لفقدان الحياة، والآخر كان طفلا بعمر 13 عاما، وتوفى قبل 3 أشهر بسبب عدم القدرة على وقف النزيف وسرعة إيصاله للمشفى”.
صعوبات التنقل
يذكر الحاج محمد الفقير بالحميات – وهو من سكان قرية اَلْقُلِيتَه بوادي اَلْنَحَرْ – وقال: “إنه أصيب بحميات والتهابات، الأمر الذي جعله يتحمل عبء الانتقال نحو مركز مُوْقِسْ الصحي الذي يبعد عن منطقته 22 كيلومترا قاطعا مسافات وعرة لإجراء فحوصات طبية وشراء بعض الأدوية؛ إذ لا يوجد في قريته مختبر أو صيدلية دوائية”.
وأشار الفقير في حديث له إلى منصة “ريف اليمن” أنه يضطر أحيانا للانتقال للمركز عبر صعود أعلى سيارة العبور (الكبوت) بين الرياح والشمس، ويعرض حياته للخطر، لعدم قدرته على دفع تكلفة أجرة السيارة، فهو يحاول توفيرها كي يدفع المبلغ للفحوصات وشراء الأدوية.
واستغرب مِن عدم التفات الجهات الحكومية أو المنظمات العاملة في البلد إلى هذه المعاناة في قرى ريف وادي اَلْنَحَرْ التي تواجه المعاناة منذ زمن، وقد طالب بالعمل على توفير بعض الخدمات الصحية أو بناء مراكز صحية لتخفيف معاناة السكان.
تكاليف كبيرة
رئيس جمعية اَلْنَحَرْ التنموية الخيرية، صدام حسين، قال إن بعض قرى الوادي تبعد عن مستشفى بيحان بمسافات ما بين 20 و30 كيلو، وهو ما يزيد من معاناة المواطنين الذين يعمل أغلبهم بالزراعة والرعي ويفتقرون إلى الدخل الثابت.
ويضيف حسين لمنصة “ريف اليمن” قائلا: “يتحمّل المواطنون تكلفة مالية تتراوح بين 50- 80 ألف ريال للانتقال نحو مشفى بيحان، وهي مبالغ مرتفعة بالنسبة لسكان المناطق الريفية في هذه القرى التي يتاخم بعضها خطوط المواجهات العسكرية”، ويلفت إلى أن قريته لم تنل زيارة العربة المتنقلة ولو ليوم واحد كل ثلاثة أشهر أو حتى كل عام.
ومما يضاعف المعاناة بحسب صدام أن هذه القرى يفصلها عن المشفى عدد من الوديان التي تصبّ فيها سيول الأمطار، وهي تؤدي إلى انقطاع الخطوط وتوقف المواصلات في مواسم الأمطار، فضلا عن المواجهات العسكرية بالمنطقة، وهو ما يجعل الوصول بالمريض إلى المستشفى أشد صعوبة.
يطالب رئيس جمعية اَلْنَحَر من السلطات “إيجاد سيارة إسعاف لتلك القرى، أو بناء مركز صحي قريب” ويحتاج تمويل طبي من منظمة الصحة العالمية أو الهلال الأحمر اليمني أو الصليب الدولي، وأن يُشرك كوادر المنطقة الطبية للتدريب معاهم.
معاناة النساء
ليست وحدها الخدمات الصحية التي تغيب عن تلك القرى، بل حتى القابلات لا تتوفر فيها، الأمر الذي يزيد من معاناة النساء الحوامل، ويعرض حياتهن للخطر والموت.
ويذكر المواطن محمد حسين أنه عانى العام الماضي عندما نقل زوجته لمشفى بيحان في مركز المديرية ليتفاجأ بسيول جارفة في الطريق، منعهم من المرور بالوادي.
ويضيف: “في تلك اللحظة الصعبة، أشار علينا أحد المواطنين بالمرور عبر طرق وعرة، واضطررنا لعبورها رغم طول المسافة، ووصلنا بعد أربع ساعات من الألم والمعاناة”.
وطالب حسين مكاتب الصحة بالمحافظة والمديرية والمنظمات الدولية بالعمل على بناء مراكز صحية في هذه القرى، وتدريب قابلات وفتح مراكز قبالة وتوليد لتخفيف العبء على النساء، ووقف نقلهن إلى خارج هذه القرى الريفية إلا في الحالات الحرجة التي تستدعي التدخل.