يتعين على بشير محسن قطع مسافات طويلة بالسيارة إذا أراد الوصول إلى الخدمات الصحية في أقرب مركز صحي لقريته بمديرية السياني جنوب مدينة إب، وهذا حال معظم أبناء ريف المحافظة الذين يفتقرون للرعاية الصحية الأساسية.
تشير التقديرات الرسمية وتلك التي توردها منظمات دولية مثل الصحة العالمية إلى وجود ٣٢١ منشأة صحية في عموم المحافظة تتوزع على ١٦ مستشفى و١١٨ مركز صحي و١٨٧ وحدة صحية، ولا يُعرف عددها على وجه التحديد في الأرياف رغم محاولة الحصول على الأرقام من الجهات المختصة لكنها رفضت الإفصاح.
وتشترك هذه المنشآت في الافتقار للعديد من الخدمات مثل العجز في الكوادر المتخصصة والأجهزة الطبية والأدوية الكافية وقد تفاقم هذا الوضع منذ بدء الحرب التي ألحقت تدميرا كبيرا في القطاع الصحي للبلاد إلى حد شبه الانهيار؛ إذ لم يعد يعمل إلا بنحو نصف طاقته، بحسب المعطيات الواقعية.
معاناة مضاعفة
وبالنسبة لبشير البالغ من العمر ٦٠ عاما، والذي أنهكته الأمراض المزمنة، فإن بُعد المركز الصحي عن منطقته يمثل تحديا يتجاوز المسافة ورداءة الطريق إلى ارتفاع تكاليف المواصلات ذهابا وإيابا من خلال السيارات الخاصة.
يقول لمنصة “ريف اليمن” إن المركز “يفتقر للأطباء المتخصصين وأجهزة الفحوصات وبعض الأدوية ومع ذلك ندفع فلوس أكثر مقابل الخدمة. المرض في هذه الأيام معاناة أكثر مما كنا نعرفها”، في إشارة إلى التداعيات السلبية للحرب على أوضاع الناس ماديا ومعيشيا ونفسيا فضلا عن تردي الخدمات الصحية التي كانت متواضعة أصلا.
يعكس تدني الخدمات الصحية في ريف المحافظة كما في غيرها مؤشرات الإهمال الحكومي الطويل تجاه سكان الريف وعدم توفير الخدمات الأساسية لهم على الرغم من أنهم يشكلون أكثر من ثلث السكان.
قد يبدو حال بشير أقل سوءا على الرغم من أنه ليس كذلك؛ إذا قورن بمواطنين آخرين يكابدون مشقة السفر لمدن بعيدة وبعضهم خارج المحافظة بحثا عن خدمة أفضل وهذا تكاليف مالية أكبر للسكن والتغذية والمواصلات مع فاتورة العلاج.
في بعض المديريات لا يتوفر فيها سوى مستشفى حكومي واحد ومع ذلك يفتقر لأبسط الإمكانيات لتقديم الخدمة المناسبة، ما يجعل خيار اللجوء للمستشفيات الخاصة هو المتاح رغم الثمن الباهض للخدمة.
ويرجع عمران هلال، المتحدث الرسمي باسم مكتب الصحة بالمحافظة تدني وغياب الخدمات الصحية في الريف إلى “الحرب وتدهور الأوضاع الاقتصادية وتدهور القطاع الصحي ، بالإضافة إلى نزوح الأطباء والكوادر الصحية للخارج أو للعمل في المستشفيات الخاصة وكل ذلك أدى إلى تدهور غير مسبوق في المناطق الريفية “.
من جهته، يلفت الدكتور نشوان الحسامي، الانتباه إلى مشكلة أخرى في المنشآت الصحية في الريف على قلتها، وهي أن غالبيتها “تفتقر إلى وجود الأطباء من ذوي الخبرة، والذين يعملون فيها هم من أصحاب الخبرات الحديثة وحديثي التخرج وهم لا يزالون بحاجة إلى تطوير في مهاراتهم التخصصية”.
وعلاوة على ذلك، يضيف الحسامي في حديث لـ “منصة ريف اليمن“، أن “المراكز الصحية المتواجدة ببعض الأرياف لا تلتزم بادنى المعايير الطبية في تقديم الخدمات، بالإضافة لغياب وسائل تشخيصية كالطبقي المحوري والرنين المغناطيسي وكل ذلك ينعكس سلباً على حياة المواطنين وحدوث الأخطاء الطبية”.
أخطاء طبية
خلال السنوات الماضية تزايدت ظاهرة حوادث الاخطاء الطبية في المراكز الصحية في المدن والأرياف على حدٍ سواء، وتسببت في حالات وفاة وإعاقات دائمة، وقد كان لنصيب ريف المحافظة كما مدنها حالات من ذلك.
في مطلع العام الجاري تعرّض رضوان قاسم( 40 سنةً) لوعكة صحية وعلى إثرها تم نقله لتلقي العلاج في المركز الصحي في قريته التي يعيش فيها مع أسرته في منطقة السياني جنوب محافظة إب ، لتبدأ بعد ذلك رحلته في المعاناة على غرار المئات من المرضى الذين يعيشون معاناة مضاعفة بفعل الأخطاء الطبية في المراكز والمستشفيات.
يروي أحد أقربائه لـ “منصة ريف اليمن” تفاصيل ما تعرض له فيقول: “عقب وصوله إلى المركز قام المختص بحقنة بعدد من الإبر و المغذيات لتخفيف الألم الذي لحق به لكن دون إجراء فحوصات فهو يعاني من الضغط منذ فترة طويلة”.
ويتابع “بعد عودته إلى المنزل لم يلبث سوى ساعات قليلة حتى تدهورت حالته الصحية وكاد أن يفارق الحياة، وفي ساعات متأخرة من الليل تم نقله إلى إحدى المستشفيات الخاصة في مدينة إب، وكانت المفاجأة بأنه مصاب بالفشل الكلوي حيث قام الأطباء بإجراء غسيل كلوي له ومكث أسابيع في المستشفى مع خسائر مالية باهظة “.
ولفت إلى أن “الأطباء قد أكدوا أن سبب تعرضه للإصابة بالفشل الكلوي كان نتاج تداخلات الأدوية التي تناولها في المركز الصحي إلا أنهم حتى اللحظة لم يقدموا أي دعوة قضائية ضد العاملين في المركز الصحي خوفاً من خسارة الأموال في المحاكم بلا فايدة “.
وبسبب هذا الخطأ، أصبحت أسرة رضوان في مواجهة ضغط مالي كبير لتأمين جلسات الغسيل الأسبوعية له وبما يرتبط بها من تكاليف التنقل والعلاجات وغيرها، وكل هذا يفوق قدراتها المادية فتضطر طلب مساعدة المغتربين من أبناء المنطقة.
وتعتبر الأخطاء الطبية في القانون اليمني جريمة جسيمة إذ تنص المادة (241) لقانون العقوبات بأنه إذا توفي المريض تكون العقوبة بالدية المغلظة أو السجن لمدة خمس سنوات لمن اعتدى على سلامة جسم غيره بأية وسيلة ولم يقصد من ذلك قتلًا ولكن الاعتداء أفضى إلى الموت. أما في حالة عدم الوفاة تكون العقوبة بالسجن سنتين أو غرامة مع الأرش وفقاً لنص المادة (245) من قانون العقوبات.
ومن وجهة نظر الطبيب الحسامي فإن “عدم وجود وسائل تشخيصية ومراجع علمية مثل استشاريين يستطيعون الرجوع إليهم في حالة عدم الوصول الى تشخيص الحالات المرضية بالشكل الجيد يؤدي إلى حدوث أخطاء طبية فادحة سواء كانت هذه الأخطاء في صرف أدوية لها تأثيرات ساّمة على المرضى والبعض الآخر منها يكون لها مضاعفات على الحالة المرضية للمريض”.
ويواصل حديثه لـ “منصة ريف اليمن“، “أما الاخطاء الجراحية فتعود لعدة أسباب من بينها عدم وجود استشاريين متخصصين في الجراحة حسب الحالة المرضية، وعدم وجود استشاري تخدير وعناية مركزة لتقييم الحالة قبل دخولها الى غرفة العمليات وهذا يؤثر سلبا على الحالات المرضية وتنتج هنا المضاعفات قد تكون الاعاقه او اخطاء طبية مثل دخول المريض في مضاعفات بتر او التصاقات أو مشاكل أخرى”.
وحيال ذلك، ما دور مكتب الصحة بالمحافظة، يجيب ناطقه الرسمي لمنصة “ريف اليمن“، قائلا إنهم “يبذلون جهوداً كبيرةً في الرقابة والتفتيش وتأهيل الكوادر حيث تم تفعيل برنامج الإحالة إذ يتم من خلاله تحويل الحالات المرضية الصعبة من المراكز الصحية في الأرياف إلى المستشفيات الحكومية التي يتوفر فيها الأجهزة والمعدات الطبية والكادر المؤهل “.
ويشير إلى أن “هناك رقابة ونزول ميداني للمراكز الصحية الخاصة والحكومية وتعيين مدى كفاءتها وجودة العمل فيها ومعرفة توفر الكادر الطبي ومؤخراً عمل مكتب الصحة في المحافظة على تصحيح أوراق الكوادر الصحية عبر اختبارات مزاولة المهنة ومن شأن ذلك أن يساهم في تحسين جودة العمل والحد من حدوث الأخطاء الطبية وتخفيف معاناة المرضى”.