مع بداية العام الدراسي الجديد في اليمن، أجبرت الظروف المعيشية الطفل بشار (17 سنةً) إلى الجمع بين العمل ومواصلة تعليمه الدراسي، فهو يذهب في الصباح الباكر للدراسة في المدرسة الحكومية، وفي المساء يعمل في إحدى المحلات التجارية في القرية التي يعيش فيها مع أسرته في منطقة جبلة في محافظة إب وسط اليمن.
ويستقبل الطلاب في المناطق الريفية النائية العام الدراسي الجديد هذا العام، وسط ظروف اقتصادية بالغة الصعوبة بالتزامن مع انعدام فرص العمل وانقطاع الرواتب الحكومية وارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية خصوصاً أسعار الخدمات المدرسية ورسوم التعليم في المدارس الحكومية الأمر الذي دفع الكثير منهم نحو العمل لتوفير احتياجاتهم ومواصلة تعليمهم الدراسي.
طلاب الريف
يدرس بشار في الصف الثاني الثانوي، وتعيش أسرته ظروفا معيشية قاسية نتيجة تردي الأوضاع المعيشية بفعل استمرار توقف الرواتب الحكومية، إذ أن والده يعمل موظفاً حكومياً في التربية والتعليم بمحافظة إب، وراتبه منقطع منذ سنوات على غرار مئات الآلاف من الموظفين الحكوميين المنقطعة رواتبهم في مناطق سيطرة حكومة جماعة الحوثي غير المعترف بها، منذ سبتمبر /أيلول 2016.
يقول بشار لـ”منصة ريف اليمن”،: ” صحيح أن الجمع بين العمل والدراسة يتطلب مني بذل جهوداً كبيرة لكني اصبر واتحمل المشقة والتعب من أجل مواصلة تعليمي، تكاليف الخدمات الدراسية أصبحت باهظة الثمن ووالدي موظف بلا راتب وغير قادر على توفيرها لي لذلك أعمل لتوفيرها بالإضافة إلى مساندة أسرتي”.
تماماً مثل بشار يعمل الطفل حمزة (18 سنةً) بائع متجول ويطوف العديد من المناطق الريفية النائية لبيع البهارات ويقطع مسافات طويلة مشياً على الأقدام للوصول إلى القرى التي يبيع فيها البضاعة للمواطنين هناك.
يدرس حمزة في الصف الثالث الثانوي في مدرسة حكومية تبعد مسافات طويلة عن قريته الواقعة في منطقة السياني جنوب محافظة إب وسط اليمن، ويقول لـ”منصة ريف اليمن”،: “اشتري البهارات وبعض الخدمات الأخرى من إحدى المحلات التجارية الكبيرة ثم أذهب في أيام الإجازة الأسبوعية الخميس والجمعة لبيعها في قرى بعيدة كي أتمكن من تأمين متطلبات الحياة اليومية لأفراد العائلة وشراء المستلزمات المدرسية وتوفير رسوم التعليم.
ويعيش الكثير من أولياء أمور الطلاب في المناطق الريفية النائية في اليمن أوضاعا قاسية ضاعفت حدتها ارتفاع أسعار المستلزمات المدرسية ورسوم التعليم في المدارس الأهلية، في بلد صُنف ضمن أسوأ أماكن العيش في العالم، إذ تقول الأمم المتحدة بأن اليمن يشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم، حيث تشير أحدث التقديرات إلى أن نحو 50 ألف شخص يعيشون حاليًّا في ظروف تشبه المجاعة، إذ يشتد الجوع في المناطق المتضررة من الصراع، ويحتاج ما يقرب من 21 مليون شخص، أي أكثر من 66% من إجمالي عدد السكان، إلى مساعدات إنسانية وحماية.
تداعيات الحرب
ويشكو أمين غالب (44 سنةً) من عدم مقدرته على تحمل تكاليف نفقات تعليم أطفاله. وقال لـ” منصة ريف اليمن”: ” تكاليف تعليم أطفالي الذين يواصلون تعليمهم في إحدى المدارس الحكومية، أثقلت كاهلي ، نعيش ظروفا معيشية قاسية لكننا لا نزال نكافح في سبيل تأمين الغذاء وإعالة أفراد العائلة، ونضطر إلى التقشف وخفض الإنفاق الأسري بهدف إبقاء الأطفال في المدرسة.
ومع بداية العام الدراسي يؤكد غالب بأنه يحتاج إلى ميزانية مالية تقدر بنحو 100 الف ريال يمني أي ما يعادل نحو 200 دولار أمريكي لتعليم أطفاله الثلاثة لكن في ظل تدهور الأوضاع المعيشية فإن ذلك المبلغ يمثل عبئًا ماليًا كبيراً خصوصاً في ظل انعدام فرص العمل حيث يعمل بالأجر اليومي بمهنة البناء.
ويسكن غالب مع أفراد أسرته في قرية صغيرة بريف السياني جنوب مدينة إب، التي تفتقر إلى وجود الخدمات حيث توفر المدرسة الحكومية تعليم في المرحلة الابتدائية والأساسية فقط، وذلك بدوره يضاعف معاناة الطلاب والطالبات الذين يضطرون إلى قطع مسافات بعيدة للوصول إلى المدرسة التي تتوفر فيها المرحلة الثانوية.
لم يكن القطاع التعليمي في اليمن بعيداً عن تأثيرات الحرب التي تعصف بالبلاد منذ تسع سنوات ، إذ شهدت العملية التعليمية تراجعا غير مسبوق ووصلت إلى أدنى مستوى لها في تاريخ اليمن الحديث. بحسب مؤشر دافوس الخاص بترتيب الدول العربية في جودة التعليم كانت اليمن خارج التصنيف نتيجة تدهور التعليم فيها خلال السنوات الماضية.
وقالت الأمم المتحدة في تصريحات سابقة بشأن التعليم في اليمن إن: “حوالي 8.1 مليون شابا وشابة في سن الدراسة يحتاجون إلى الدعم العاجل لمواصلة تعليمهم. ونتيجة للظروف الاقتصادية الصعبة فإن غالبية الآباء يشعرون بأنه ليس لديهم خيار سوى إلحاق أطفالهم في الأشغال والعمل ، مشيرةً إلى تدهور البنية التحتية ، إذ تم تدمير أكثر من 2500 مدرسة أو إتلافها أو استخدامها لأغراض أخرى”.
إصرار على المستقبل
وفي ظل تدهور العملية التعليمية وتدهور الأوضاع المعيشية وانعكاساتها السلبية على حياة المواطنين يحاول الكثير من الطلاب الاستمرار في مواصلة التعليم وفي سبيل ذلك يمارسون العديد من المهن اليومية المختلفة بعضها شاقة، ويفعلون ما في وسعهم لتجاوز الأمر والبقاء في المدرسة وسط مخاوف من أنهم لن يتمكنوا من الاستمرار لفترة أطول.
الطفل عزام (18 سنةً) طالبا في الصف الثالث الثانوي هو الآخر كان يعمل ” حمال” طوال فترة الإجازة الدراسية في إحدى المحلات التجارية في محافظة إب بهدف توفير رسوم التعليم والمستلزمات المدرسية لأن والده يعمل بالأجر اليومي بمهنة البناء وهو بالكاد يتمكن من تأمين متطلبات الحياة اليومية الضرورية لأفراد العائلة.
يقول عزام لـ”منصة ريف اليمن”،: “مع بداية العام الدراسي الجديد توقفت عن العمل بعد أن تمكنت خلال أشهر الإجازة الدراسية من توفير مبلغ مالي استطعت من خلاله شراء المستلزمات المدرسية ودفع ورسوم التعليم في المدارس الحكومية”.
يواصل عزام دراسته في مدرسة حكومية في القرية التي يعيش فيها مع أسرته بريف محافظة إب ويختم حديثة بالقول” لا يمكنني الالتحاق بمدرسة خاصة كي أتمكن من تحقيق حلم حياتي، أحلم أكون مهندسًا في المستقبل وأعمل بجد من أجل ذلك”.