يتطلع شباب المناطق الريفية في اليمن نتيجة لمعاناتهم المستمرة في ظل غياب الخدمات الأساسية ومقومات الحياة الحديثة، الى تحقيق طموحاتهم وتحسين سبل عيشهم والتي يمثل الانتقال إلى المدن والعمل او الدراسة فيها أولى مراحلها.
ما من أحد في هذه الحياة إلا ولديه طموحات تختلف من شخص الى أخر، إلا أن هناك عوامل مشتركة لتلك الطموحات وهي تحسين الواقع الذي يعيشه كل فرد والرغبة في تغيير حالته الى الأفضل في شتى نواحي الحياة، ومما لاشك فيه أن الطموحات لا تتحقق بسهولة، ويتطلب الأمر دراسة مقومات النجاح بالشكل الصحيح، كي لا تتعثر في خطوة خاطئة، وتعرض تلك الأحلام الى الانهيار.
يقول أنس عبدالعزيز الوافد من مديرية الكدن بمحافظة الحديدة (غرب اليمن) إن الحياة في المناطق الريفية تختلف كليا عن المدينة وثمة عقبات واجهتني خلال رحلتي الاولى حيث عانيت من إيجاد سكن بصنعاء ولم احصل على فرصة عمل إلا بعد مرور شهرين تقريبا الامر الذي ادى الى مراجعة الخطة التي رسمتها في القرية وتأجيل التسجيل في جامعة صنعاء للعام الثاني.
شباب الريف
ويغادر أبناء المناطق الريفية قراهم ومزارعهم نتيجة الظروف المعيشية القاسية التي يعيشها السكان، بحثا عن لقمة العيش في المدن أو بهدف الدراسة، فيما يتحمل أعباء تلك الرحلة ومشاقها الشباب الوافد من معظم المناطق اليمنية.
ويعرب عبدالعزيز (22 عاما) أحد طلاب كلية الهندسة بجامعة صنعاء، عن طموحه في مواصلة دراسته الجامعية والماجستير والدكتوراه والاستقرار مع أسرته في المدينة كي لا يعاني أولاده ما يعيشه ويعانيه أبناء المناطق الريفية.
وكاد “عبدالعزيز” خلال عامه الدراسي الأول على التخلي عن طموحه، نتيجة لعدم قدرته على تكاليف الدراسة قبل أن يتكفل أحد أقاربه بمساعدة مقابل العمل لساعات في ورشة النجارة بدوام جزئي أثناء فترة الدراسة.
ادت الحرب التي تشهدها البلاد منذ مطلع 2015 م الى انعدام فرص العمل، فيما يستغل أرباب العمل حاجة الشباب في مضاعفة أوقات الدوام والذي تزيد عن 12 في اليوم، مقابل راتب زهيد لايتعدى 120 $ دولار، ويقبل كثير من الشباب تلك الأعمال المتعبة على مضض ولسان حالهم يقول: أن تتعب وتحصل على القليل خير لك من أن تبقى قاعدا وعاطلا.
وما إن حصل ماجد العتمي (19 عام) على شهادته الثانوية حتى غادر قريته برفقة زملائه من جبل راس بمحافظة الحديدة (غرب اليمن) الى مدينة صنعاء من اجل مساعدة أسرهم في توفير لقمة العيش والحياة الكريمة وتحمل جزء من أعباء الحرب التي أرهقت غالبية الأسر اليمنية.
وتفاجأ العتمي في أول غربة له خارج قريته الريفية الذي وصفها بـ “الضياع” بمشقة في الحصول على فرصة عمل تتوافق مع تطلعاته وأحلامه، في مساعدة أسرته المكونة من 8 أفراد وتخفيف عبء الحياة عن والده البالغ من العمر (40 عامًا).
الحرب في اليمن
وقالت الصحفية المختصة في الشؤون الاجتماعية افتخار عبده “إن تطلعات الشباب اليوم أصبحت يتيمة وعمياء في ظل ما تشهده البلاد من حروب، واقع يطحن الأحلام كما تفعل الرحى بالحبوب ولايبشر بالخير إطلاقا”.
ووفقا للعتمي فقد عجز وبعض رفاقه إيجاد فرص عمل لمدة تزيد عن أشهر، ما اضطرهم في نهاية المطاف إلى العمل في إحدى المطاعم بمبالغ 60 الف ريال يمني في الشهر مقابل دوام يزيد عن 12 ساعة في اليوم.
ويتخلى كثير من شباب الريف عن طموحهم نتيجة الوضع المعيشي الصعب جراء الحروب التي تشهدها اليمن منذ مايزيد عن تسع سنوات.
واجبرت الظروف المعيشية عبدالستار (21 عام) أحد رفقاء العتمي عن ترك طموحه في مواصلة دراسته الجامعية والبحث عن فرصة عمل عن طريق “فيزة ” مباشر في إحدى المطاعم في المملكة العربية السعودية تاركا أحلامه في مهب الريح، ومتنازلا عن عادات وتقاليد قبلية كان يؤمن بها ويعيبها كالعمل في المطاعم والشاليهات والفنادق وكان ينظر لها بدونية.
وتراجعت نظرة المجتمع القبلي لكثير من المهن التي كانت تحتقر العاملين فيها نتيجة الفقر، حيث وصلت نسبة البطالة الى 35% فيما زاد الفقر ليصل الى نحو 78 % من إجمالي السكان البالغ 32 مليون وفقا لإحصائيات رسمية وأممية.
وفيما يخص احلام الشباب ترى افتخار عبده إن أحلام الشباب أصبحت مقتصرة على الحصول على فرصة عمل تدر المال الذي يكفيهم وأسرهم لأجل البقاء على قيد الحياة، ولم تعد تلك الأحلام السابقة التي كان يطمع بها الشباب اليمني ولم تعد تلك التطلعات التي كانت ترسم في مخيلاتهم كل ذلك ذهب مع بارود الحرب وفي أدراج الحرمان.