لا يزال والد الطفل صفوان يتذكر فاجعة وفاته، ورحيله المبكر إثر تدهور حالته الصحية وعجزه عن نقله للعلاج في إحدى مستشفيات مدينة إب (وسط اليمن) التي تبعد مسافات طويلة عن قريته التي يعيش فيها مع أسرته بمنطقة السياني جنوب المدينة.
في الثاني عشر من أكتوبر/ تشرين الأول 2022، فارق الطفل صفوان سليمان (14 سنةً) الحياة، بسبب مضاعفة ألم اللوزتين. يقول والده لـ “منصة ريف اليمن”: “كلما تذكرت فقدان طفلي الوحيد أشعر بغصة وقهر خاصةً وأن تكلفة العلاج كانت لا تتطلب أموالا باهظة، لكن حالة البؤس، وغياب الخدمات الصحية وبعد المسافة بين القرية والمراكز الطبية وقفت عائقا أمام إنقاذ حياته على غرار عشرات المرضى اليمنيين في المناطق الريفية في اليمن.
ويعاني سكان المناطق الريفية النائية في اليمن من غياب المرافق والخدمات الصحية، وصعوبة الوصول الى المستشفيات والمراكز الطبية في المدن بالإضافة إلى تكلفة العلاج الباهظة التي لا يقدر عليها المواطنين، في ظل تدهور أوضاعهم المعيشية وعجزهم عن تأمين الاحتياجات الضرورية، في بلدٍ تعصف به الحرب منذ أكثر ثماني سنوات.
غياب الخدمات الصحية
في حين يتركز اهتمام المنظمات الدولية على دعم القطاع الصحي في المدن والمجتمعات الحضرية بدرجة رئيسة، تبدو المناطق والقرى الريفية شبه منسية على صعيد تأمين مستلزمات الرعاية الطبية، على الرغم من احتضانها غالبية السكان المعدمين، والمعرضين لأخطار أمراض وأوبئة كثيرة، وبدرجات عالية على صعيد حدة الإصابات.
تقول حاكمة ناجي (50 سنةً) “في القرية التي أسكن فيها لا توجد فيها خدمات أو مرافق صحية مجهزة، صحيح هنالك مركز صحي لكنه يفتقر إلى أدنى مقومات الرعاية الطبية حيث لا أجهزة طبية، ولا كوادر متخصصة مع أنه يعد المركز الوحيد المخصص لعدد كبير من القرى والمناطق الريفية”.
وتضيف لـ منصة ريف اليمن:” يستخدم المواطنين في المناطق الريفية علاجات بديلة تقليدية بعضها أعشاب وأشجار طبيعة وهي وصفات علاجية متوارثة عن الآباء والأمهات لكنها غير مجدية ولا تلبي احتياجات المرضى”.
ويكابد الكثير من المرضى والمصابين في المناطق الريفية معاناة المرض، ويقضون أياما وشهور تحت وطأة الألم بسبب غياب الخدمات الطبية في مناطقهم، في حين أنهم لا يستطيعون السفر للعلاج في المستشفيات والمراكز الصحية بسبب بُعد المسافة بين القرى التي يعيشون فيها وبين المدن و أماكن تواجد المستشفيات والمراكز الطبية.
رحلة سفر متعبة
غانم نعمان (38 سنةً) أحد سكان قرية “نجد الجماعي “بريف مديرية السبرة شرق مدينة إب التي يسيطر عليها الحوثيون, هو الآخر يشكو من صعوبة الحصول على الرعاية الصحية، وعدم قدرته على السفر للعلاج في المدينة التي تبعد عن قريته عشرات الكيلومترات بسبب تدهور وضعه المادي على غرار ملايين اليمنيين المتعبين والمثقلين بهموم الحرب.
يقول نعمان لـ “منصة ريف اليمن”: أن تكاليف السفر من قريته إلى المدينة واستئجار سيارة خاصة تُكلّفة نحو 30 ألف ريال يمني أي ما يعادل نحو 60 دولار أمريكي بسعر صرف الدولار في المناطق الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي، ناهيك عن تكاليف الخدمات الصحية المضاعفة والتي بدورها تضاعفت بشكل غير مسبوق خلال الأشهر القليلة الماضية”.
بالنسبة لنعمان ومعه مئات الآلاف من المواطنين فإن توفير تكاليف السفر وحدها أصبحت من المستحيل ناهيك عن تكاليف الخدمات الطبية إذ أنهم بالكاد يستطيعون تأمين الغذاء لأفراد عائلتهم في ظل تدهور الأوضاع المعيشية، وانعدام فرص العمل وتوقف رواتب الموظفين الحكوميين وارتفاع أسعار السلع والخدمات الاستهلاكية في بلدٍ صُنفت ضمن أسوأ الأماكن للعيش في العالم.
أما محمد مهدي (40 سنةً) فهو لا يحتاج إلى تكاليف سفر باهظة كونه يعيش في قرية ريفية تبعد مسافة قصيرة عن المدينة لكنه لا يفضل الذهاب إلى المراكز والعيادات الطبية خوفاً من التكاليف المادية الباهظة في تلك المستشفيات.
يقول مهدي لـ “منصة ريف اليمن”، “على الرغم من البؤس والعناء الذي يعيش فيه المواطن اليمني لا تكترث المستشفيات في رفع رسوم الخدمات والمستلزمات الطيبة والتي باتت تؤرق حياة المواطنين”.
ويضيف: “تفتقر المستشفيات اليمنية إلى وجود الأطباء ذوي الخبرة في المجال الطبي، الغالبية ممن يعملون في القطاع الصحي حالياً هم ممرضون وصحيون معظمهم بلا مؤهلات ولا يمتلكون القدرة على التعامل مع المرضى, وغالبية المستشفيات حالياً تفتقر لوجود الإمكانيات المتنوعة سواء التقنية “الأجهزة والمعدات” او البشرية “أطباء، اخصائيين، وطاقم التمريض وغيرها من مقومات العمل الطبي”.
تدهور القطاع الصحي
ويواجه القطاع الصحي في اليمن تحديات جمة منذ اندلاع الحرب التي تعصف بالبلاد منذ تسع سنوات من بينها تدمير المنشآت الطبية، وتوقف رواتب العاملين في القطاع الطبي، ممّا أدى إلى نقص الكوادر، وهجرة غالبية الكوادر، بالإضافة إلى توجه البعض منهم للعمل في المشافي الخاصّة وذلك انعكس سلباً على المرضى اليمنيين في ظل الأوضاع المعيشية القاسية.
وقال نشوان الحسامي وهو مسؤول محلي بالقطاع الصحي “يشهد القطاع الصحي تدهورا كبيراً في المناطق الريفية في اليمن، ويعاني من عجز في وجود المراكز الصحية، والعيادات الطبية وعدم توفر أبسط الخدمات الطبية البدائية”.
وأضاف لمنصة “ريف اليمن”، “قبل اندلاع الحرب في اليمن، كان القطاع الصحي يعاني من العجز الشديد في الكوادر الطبية المؤهلة والمتخصصة في الرعاية الصحية الأولية، والتثقيف الصحي وطب المجتمع ومكافحة الأوبئة وحالياً مع الحرب أصبح الوضع يرثى له في المناطق الريفية النائية بمختلف المحافظات اليمنية”.
بحسب الأمم المتحدة فإن أكثر من 20 مليون من السكان في اليمن بحاجة إلى خدمات الرعاية الصحية إذ يتأثر الأطفال بشكل خاص بالمعدلات المتزايدة لسوء التغذية، أما بالنسبة للنساء -لا سيما الحوامل والأمهات الجدد- فخدمات الصحة الإنجابية محدودة وتكاد تكون معدومة”.
وقال البنك الدولي إن”قطاع الصحة في اليمن يعاني من عواقب الصراع المسلح، والتدهور الاقتصادي، والانهيار المؤسسي، حيث يواجه نسبة كبيرة من السكان تحديات في الحصول على الرعاية الصحية، إذ لا تعمل سوى 50% من المنشآت الصحية بكامل طاقتها، ويواجه أكثر من 80% من السكان تحديات كبيرة في الحصول على الغذاء ومياه الشرب وعلى خدمات الرعاية الصحية.
وفي ظل انهيار القطاع الصحي وغياب الخدمات الطبية في المناطق الريفية يحث الدكتور الحسامي على ضرورة وجود خطة استراتيجية طويلة المدى يتم تقسيمها على مراحل للقيام بتشخيص المشكلة وإيجاد الحلول بالممكن والمتاح وبما يلبي احتياج المناطق الريفية حسب الأوبئة المنتشرة والأمراض في منطقة فهناك مناطق ينتشر فيها وباء الملاريا ومناطق اخرى ينتشر فيها وباء البلهارسيا ومناطق اخرى سوء التغذية وهي محرومة من وجود المرافق الصحية أساسا.
وأشار: “كنا نأمل بأن يكون للمنظمات الإنسانية العاملة في اليمن دور في إيجاد مشاريع مستدامة في القطاع الصحي ولكن ما حدث هو العكس فالمنظمات لم تعتمد على مشاريع قابلة للقياس والأثر لهذه المشاريع مما جعل القطاع الصحي يعاني من إهمال وتدهور أكثر بسبب هذا العمل العشوائي”.