في بلاد تعيش أسوا أزمة إنسانية في العالم، يتدهور الوضع المعيشي لدى كثير من اليمنيين، في الوقت الذي يحاول البعض البحث عن بدائل توفر له دخل مادي يستطيع من خلاله تأمين معيشته دون الحاجة الى انتظار المساعدات الإنسانية.
“حليمة” (45عام)، أم لخمسة أطفال واحدة من النساء اللواتي لم يستسلمن لقسوة الحرب الدائرة في اليمن، وعملت بكل اصرار وعزيمه على توفير احتياجات عائلتها بعد فقدان زوجها، إثر مرض مزمن في القلب بمحافظة الحديدة (غرب اليمن).
تقول حليمة “إن وفاة زوجها اجبرها على تحمل مسؤولية توفير المعيشية لأسرتها، وأولادها مازالوا أطفال صغار وتوفير متطلباتهم من أجل مواصلة تعليمهم”، حيث تعمل في بيع الحطب المنزلي من أجل تأمين غذاء أطفالها واحتياجاتهم المعيشية.
وأضافت “كنت أحصل يوميا على 3000 ريال (ما يعادل 5 دولار) من بيع الحطب لكنه عمل مضني وشاقّ، استمرت فيه لعامين، وبعد ذلك بدأت في اعداد ما يسمى “المسواد” (حفرة لتحويل الحطب الى فحم) وما زاد من دخل الاسرة اضعاف ما كانت من الحطب”.
ورغم الجهد الذي تبذله “حليمة” في تقطيع اشجار السدر وغيرها الى جانب اهتمامها اليومي برعاية أطفالها، الا إنها تعتبره مصدر دخل وفير يعينها على توفير احتياجاتها دون الحاجة لمساعدة الاخرين او التسول.
وتستخرج من الحفرة ما يزيد عن سبعة اكياس من الفحم التهامي خلال اسبوع ويزن الكيس الواحد من 18- 20 كيلوا جرام.
ازدهار بيع الفحم
ينطبق القول “مصائب قوم عند قوم فوائد”، حيث تعتبر الأم حليمة كغيرها من العاملين في الفحم غياب الغاز المنزلي وارتفاع اسعاره في المحافظات الشمالية من اليمن فرصة ذهبية لزيادة الانتاج نتيجة للطلب المتزايد من قبل التجار المحليين.
وينعكس ارتفاع سعر الغاز المنزلي وانعدامه من السوق، على سعر الفحم وزيادة الطلب عليه أكثر حيث يتراوح سعر الكيس من 6-7 الاف ريال يمني (الدولار 602 ريال يمني) في الوضع الطبيعي فيما يصل سعره الى 10 ألف ريال خلال انعدام الغاز وعدم توفره.
وتزدهر تجارة الفحم خلال ازمة الغاز المنزلي ما يوفر للأم “حليمة” عناء نقله وتوفير 10 الاف ريال يمني كانت تدفعها كمواصلات لنقل نتاجها الى تجار بمدينة الحديدة، والتي تبعد عن قريتها بمديرية الزيدية حوالي 66 كيلومتر.
ويصل السعر الرسمي لأسطوانة الغاز6500 ريال يمني، لكنه لا يتوفر دائما ويعد مشكلة لذوي الدخل المحدود، فيما يضطر غالبية الناس لشرائه من السوق السوداء بأسعار تصل الى 13 ألف، في الحديدة والمحافظات التي يسيطر عليها الحوثيين.
كفاح في مواجهة ظروف الحرب
رغم ان الحرب ما زالت مستمرة وتشكل كابوس مرهق على المواطنين الذي يعتمدون على العمل الحر والمهن الصغيرة حيث جعلت معيشتهم في خطر دائم، غير ان “حليمة” تقول إن ظروف الحرب والمعيشية القاسية جعلتها أكثر قوة في مواجهة أي تقلبات في المعيشية.
وقالت: “نتمنى ان تنتهي الحرب لكن لا يجب أن نبقى ننتظر المساعدات الإنسانية من المنظمات التي ليست منتظمة أصلا، وتأتي كل أربعة أشهر مرة واحدة، ويجب ان نربي أبنائنا على العمل ونكون قدوة لهم”.
وكامرأة ترى “حليمة” نفسها تواجه كثير من المصاعب والمعوقات في عمل “إنتاج الفحم” والذي يجعلها تعمل لساعات طويلة خارج منزلها، في الوقت الذي يجب عليها أن تعد الطعام لأبنائها الصغار وتهتم بهم.
واجبرت الأوضاع المعيشية الكثير من النساء على العمل في سواء بالريف او المُدن الرئيسة، لكن عمل المرأة الريفية صعب للغاية، سواء في أفكار لمهن جديدة يعمل فيها وهي حكراً على الرجال، او العمل في مزارعهن وتربية الأبقار والاغنام.
فرص عمل
ويوفر “الحطب” فرص عمل ومصدر للمعيشية للكثير من المواطنين، ويعمل “محمد بادي” (50عام) على بيع الحطب التهامي في العاصمة صنعاء، على متن شاحنته محملة بنحو 3 أطنان على شكل رُزم متنوعة الأحجام على حسب طلبات الزبائن.
ويقول بادي: “بدأت في العمل منذ ان فقدت عملي كموزع لدى مصنع بطاطس مع بداية الحرب عندما سرحت الشركة الكثير من العاملين معها، بعد ان توقف الإنتاج في مصانعها”.
وأضاف “أبيع حمولة الحطب الذي تقدر بنحو ثلاثة اطنان خلال يومين الى اربعة أيام بمبلغ يزيد عن 600 ألف ريال يمني (ما يعادل ألف دولار) ثم أذهب الى جلب حمولة أخرى من محافظة الحديدة او تعز”.
ويبلغ عدد افران العاصمة صنعاء ما يزيد عن 700 فرنا فيما يصل ما تحتاجه من الفحم والحطب 17 ألف وخمسمئة طن سنويا وفقا لإحصائيات رسمية.
ورغم الخبرة الذي يمتلكها “بادي” في نوعية واسعار واماكن الحطب الا ان ارتفاع اسعار المشتقات النفطية ومنها الديزل خصوصا يقلل من ارباحه ويضعه في أزمة امام متطلبات أسرته المكونة من ثمانية أفراد، حسب قوله.
يعمل المقاول التهامي “إبرهيم شوقي” مع عدد من العمال على قطع أشجار السول المنتشرة في الاراضي الزراعية بمديرية الزيدية التابعة لمحافظة الحديدة، حيث يستخدم الجرافة على اقتلاع اشجار السول وغيرها وتقطيعها واعدادها الى فحم.
تحذيرات
وبالرغم ان الاحتطاب وإنتاج الفحم أصبح مصدر دخل أساسي للكثير من العاملين، لكن مازال بحاجة إلى تنظيم وإرشادات، حيث يحذر خبراء من الاحتطاب العشوائي واجتثاث الاشجار في المحميات الطبيعية والذي يعد “كارثة” تهدد الحياة وتمثل خلل في التوازن البيئي.
وتقدر مساحة الغابات في اليمن بنحو 1.5 مليون هكتار فيما تبلغ مساحة المراهي والتكامل الزراعي الحرجي 22.6 مليون هكتار تعاني من سوء ادارة واستخدامات غير منظمة تتسبب في تناقصها كما ونوعا بشكل مخيف، وفقا لدراسة ميدانية نشرتها الهيئة العامة لحماية البيئة.
وسبق ان حذرت الهيئة من مخاطر موجة الاحتطاب الكبير التي يقوم بها المواطنين في عدد من المناطق المهمة كسقطرى وجزيرة كمران ومحميتي برع – عتمة وغابات المانجروف بسواحل الحديدة.
ومنذ بداية الحرب تسببت الأزمة المستمرة بالمشتقات النفطية والغاز المنزلي إلى زيادة حاجة السكان إلى استخدام الحطب كبديل وتوسع إلى المدن الرئيسية والتي كانت لا تستخدم الحطب قبل الحرب حتى بعض الأسر أيضاً.
وولَّدت زيادةً هائلةً في الطلب على حطب الوقود والفحم النباتي، كما تحولت المخابز إلى استخدامه عوضًا عن الغاز أو الكيروسين، الأمر الذي تسبَّب في رواج تجارة الحطب وزيادة الطلب عليه، وهم ما يجعل الاحتطاب العشوائي رائج ويهدد البيئة.