رغم ما أحدثته الثورة التكنولوجية من تقدم معرفي هائل وقفزة نوعية في وعي الناس، وتأثير ذلك التقدم في مختلف المجالات، إلا أن بعض المناطق في دول العالم الثالث، لاتزال تشهد عادات مثيرة للجدل، كظاهرة ختان الإناث التي تنتشر في بعض المحافظات والمناطق اليمنية.
ترافق الفتيات اللاتي يتعرضن لهذه الظاهرة، مضاعفات مرضية مستمرة، كما هو الحال مع ” كريمة” التي وقفت أمام طبيبتها، راجيةً منها وضع حد لأوجاعها التي لازمتها منذ عشر سنوات.
بحرقة ممزوجة بالألم، تتحدث كريمة محمد (اسم مستعار)، 25 عامًا، قصتها منذ أن كانت عند الخامسة عشر من عامها، حين أمسكن بها النساء، لتتمكن دايةٌ سبعينية من ختانها، على ضوء شمعة انطفأت بعد إتمام العملية.
تقول كريمة – من محافظة الحديدة لريف اليمن، أنه منذ ختانها بدأت رحلتها مع المستشفيات، حيث تتعرض، لمشكلات في التبول وأورام والتهابات، فضلا عن المضاعفات وقت الولادة.
يعدُّ تشويه الأعضاء التناسلية للإناث في اليمن” الختان” موضوع معقد ومثير للجدل، يتضمن إزالة جزئية أو كاملة للأعضاء التناسلية الأنثوية دون مبرر طبي، في الريف اليمني، يُطلق على هذه الممارسة أسماء مختلفة مثل “التطهير”، “طهارة البنات”، و”التحصين”.
ينتشر ختان الإناث في المناطق الساحلية، حيث يتم ممارسة التكميد، وهو نوع من التشويه يتضمن وضع كمادة من القماش المحشوة بالملح أو الرمل المسخن، بالإضافة إلى نوع معين من الأعشاب والزيوت، على الأعضاء التناسلية للرضيعة عند بلوغها أربعة أيام، حيث تستمر هذه العملية لمدة ساعة على الأقل، بغض النظر عن الألم الذي تعانيه الطفلة. يتم تكرار هذا الإجراء لمدة تتراوح بين أربعين يوما وأربعة أشهر، بهدف تقليل الإثارة الجنسية للأنثى عندما تكبر.
تسبب الصراع الدائر في البلاد، وارتفاع موجات النزوح، بانتشار هذه الظاهرة في بعض المناطق الريفية، رغم وضع المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، خطة وطنية للقضاء على ختان الإناث في اليمن خلال يوليو 2016.
تقول الدكتورة سارة الشرفي، منسقة مشروع المساحة الاجتماعي، إن محافظة الحديدة تسجل أعلى نسبة لهذه الظاهرة بـ 93%، تليها محافظة حضرموت بـ 91%، ومحافظة المهرة بـ 51% وفقا لدراسة نفذها مشروع المساحة الاجتماعي عام 2020، نشر تصريحها موقع المكلا نيوز يمن.
يسبب ختان الإناث العديد من المضاعفات الصحية والنفسية، تشمل ألم شديد، يمكن أن يكون مستمرا ونزيف حاد والإصابة بالعدوى، والالتهابات المتكررة، ومشاكل في التبول إضافة لمضاعفات عند الولادة الطبيعية والتي قد تهدد حياة الأم وطفلها، فضلًا عن مشكلات في المعاشرة الزوجية والأذى النفسي، وتورم في الأنسجة التناسلية والتأثير على الصحة الجنسية من خلال عدم الشعور بالمتعة أو عدم الرغبة وتصل إلى الصدمة النفسية والعصبية أحيانًا وفي بعض الحالات، قد يؤدي الختان إلى الوفاة ، وفق موقع “الطبي” المدعوم بتقنيات الذكاء الاصطناعي بعد اعتذار خمس طبيبات نساء وولادة عن التحدث مع ريف اليمن، من الحديدة وحضرموت والمهرة لأسباب مختلفة.
تقرير من الأمم المتحدة ومركز إكوموندو يشير إلى أن 75% من النساء اليمنيات يطالبن بإنهاء تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، ورغم عدم وجود تشريعات تجرم هذه الممارسة، فإن القرار الوزاري لعام 2001 حظرها في المرافق الطبية، لكن العديد من الأسر تلجأ للقابلات والدايات الكبار في السن، مما يعرض النساء لمخاطر صحية أكبر.
يساند نسبة الأصوات المناهضة فوز فيلم يمني قصير بعنوان “ختان الروح”، من إنتاج مؤسسة صوت للتنمية وإخراج سماح الشغدري، بجائزة مركز “كوثر” والاتحاد الدولي لتنظيم الأسرة في مجال مكافحة تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، حيث استخدم تقنية الرسوم المتحركة لرواية قصة مؤثرة عن ضحية للختان، وأشادت لجنة التحكيم بالابتكار والتجديد في العرض والقيمة الفنية العالية للعمل.
يتفق كثيرون على أن تشويه الأعضاء التناسلية للنساء في اليمن، نتيجة لمعتقدات ثقافية ودينية مغلوطة عامة تم توارثها بين افراد العائلة والمجتمع، حسب المواطن الأربعيني علي مهري (اسم مستعار)، حيث يقول:” أنا ختنت لبناتي الثلاث، لأني اكتسبت العادة من أسلافي، وظننت الختان لحماية شرف الفتاة، والحفاظ عليها، لكنني سأكون ضده إذا ضر ابنتي صحيًا، لذلك لم أختن للبنتين الصغيرتين حينما لمست تدمر صحة بنتي الوسطى، وطلاق الكبيرة”.
تقول سارة (اسم مستعار)، الابنة الكبيرة للمهري،” تعرضتُ للتعنيف الجنسي بشكل مستمر من زوجي، وقد عايرني دومًا بسبب الختان، يعاملني كأنثى ناقصة، تزوج عليّ امرأةً أخرى، ورفض تطليقي إلا بعد تنازلات كثيرة عن الحضانة لابنتي”.
وتضيف “رفضت أختي الأصغر مني الزواج خوفًا من ذات المصير، تكتفي بالمرض الذي يلازمها في الجهاز البولي والتناسلي، تقول إنها لن تحتمل أوجاع عاطفية، وحالتها النفسية متعبة حيث يلازمها العبوس، والانطواء، ولا تحب المرح الذي يرتبط بكافة البنات في عمرها، 20 عامًا”.
وفقًا لإحصائيات صندوق الأمم المتحدة للسكان عام 2020، تأتي اليمن في المرتبة السادسة بين الدول العربية حيث ينتشر ختان الإناث، يشير التقرير إلى أن 19% من النساء اليمنيات الشابات قد خضعن للختان، وتقدر الأمم المتحدة أن اليمن تشكل 20% من ضمن نسبة ختان الإناث عالميًا، رغم النسبة الكبيرة فإن قانون حماية النساء في اليمن ينتظر موافقة مجلس النواب منذ أكتوبر 2022.
الاختصاصية النفسية بسمة صادق، من حضرموت، تشير إلى أن المرأة تشعر بالضعف وبأن جزءًا من أعضائها تم انتزاعه منها بالقوة، الأمر الذي يجعل المرأة المختونة في إرهاق وحزن دائم، وتزيد الاوجاع الجسدية من تدهور حالتها النفسية.
في ظل هكذا أوضاع، تتصاعد أصوات حقوقية لسنّ قوانين تمنع ختان الإناث، التي تسبب أضرار نفسية وصحية للإناث، كما يوضح الناشط الحقوقي فاروق اسماعيل، حيث يشير إلى صدور مرسوم وزاري عام 2001 بمنع عمليات الختان للإناث في العيادات والمستشفيات العامة والخاصة، لكن لم يتم العمل به، ولم تُفرض عقوبات على المخالفين؛ لعدة اعتبارات.
في إطار مواجهة الظاهرة باليمن فقد دربت جمعية الوصول الإنساني في محافظة حضرموت 30 عضوا في شبكات مجتمعية بالمكلا لمحاربة ظاهرة ختان الإناث خلال يونيو 2023، وضمن سلسلة مشاريع امتدت قرابة سبع سنوات، لمناهضة تشوهات الأعضاء التناسلية الأنثوية FGM، الممول من صندوق الأمم المتحدة للسكان UNFPA.
وفي لقاء تشاوري مع الدعاة بالمكلا في ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٣م، ناقشت الجمعية بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان سبل توعية المجتمع بالعنف ضد المرأة والختان الذي يضر بالأنثى. وأصدر الحاضرون بياناً يتضمن توجيهات للمناصرة لهذه القضية من خلال حملات توعوية مثل ” دعها كما خُلقت”، وإشراك منظمات المجتمع المدني، وينفذ فعاليات مجتمعية وجلسات للقيادات المجتمعية وينشرها باستمرار عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمنابر الإعلامية.