اعتاد أحمد عبد ربه أن يجالس تجار القطن في سوق محافظة الحديدة من كل عام، يتناقشون حول السعر الذي يجب أن يبيعوا به محصولهم القطني.
ولكن مشهد السيارات التي كانت تبحث عن مكان تفرغ فيه حمولاتها داخل السوق بدأ بالتراجع خلال السنوات الأخيرة مع تدهور إنتاج موسم القطن من عام لآخر.
أحمد هو أحد ملاك مزارع قطن بوادي مور يخبرنا: “إن محصول القطن أصبح لا يغطي تكاليف إنتاجه نتيجة لغياب الرقابة واستغلال الشركات المصدرة التي تحقق الأرباح الطائلة على حساب المزارعين”.
في سهل تهامة بمحافظة الحديدة (غرب اليمن) تتعرض مزارع القطن للعديد من الإهمال وصل الحد إلى قيام عدد من المزارعين باستبدال زراعة القطن بأصناف من الخضروات والفواكه الذي تعود عليهم بمردود مالي مضاعف.
زراعة القطن
خلال العقدين الماضيين عزوف الكثير من المزارعين بمحافظة الحديدة نتيجة لغياب الاهتمام الحكومي وعوامل عدة تتعلق بالسياسة السعرية المتبعة في زراعته.
وبحسب مزارعين تحدثوا لـ”منصة ريف اليمن“، أدت تلك العوامل الى تراجع الإنتاج بشكل كبير وصولا الى مستويات خطيرة هددت بتلاشي زراعته، بعد أن ظل قديما يحظى باهتمام كبير من قبل المزارعين بالساحل التهامي التابعة لمحافظة الحديدة.
وتأتي اليمن في المرتبة 52 عالمياً في إنتاج القطن، وبلغ الإنتاج حسب رئيس هيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي د. عبدالله علوان 5 مليون و 272 ألف طن من القطن مقابل ما نسبته 27 مليون طن عالمياً.
يعد القطن واحد من أهم خمسة محاصيل زراعية في اليمن منذ السبعينات، إضافة لكونه مصدر اقتصادي يستفاد منه للتصدير سابقاً.
ولكن تسع سنوات من الحرب في اليمن عصفت بزراعة القطن إضافة لعديد من الأسباب الأخرى كارتفاع الكلفة الانتاجية، وأجرة العمالة، وصعوبة التسويق.
يقول أحمد: “ارتفاع أسعار المشتقات النفطية وزيادة تكلفة الإنتاج، وغياب الاهتمام من قبل الجهات المعنية، وآثار الحرب التي تشهدها البلاد منذ مطلع 2015، ساهم أيضا في عزوف الكثير عن زراعة وإنتاج القطن”.
وأوضح المزارع عبد ربه إن كثير من المزارعين استبدلوا خلال السنوات الماضية زراعة القطن بزراعة الفواكه والخضروات كالموز والمانجو والطماطم، السمسم، الفل، وغيرها من المحصولات المدرة للدخل بأقل التكاليف.
الحديدة كانت في المرتبة الأولى
وتصدرت الحديدة وفقا للاحصائيات الصادرة من وزارة الزراعة والري، المرتبة الاولى في زراعة القطن متوسط التيلة، ومثل مطلع القرن العشرين فترة ازدهار للمزارعين ،الا أن ذلك لم يستمر طويلا حيث شهدت زراعته تدهوراً شديداً.
ويتشبث المزارع محمد بكيري (50 عاماً) من أبناء مديرية حيس بزراعة القطن رغم الظروف القاسية التي يعانيها منفردا بداء بارتفاع سعر البذار.
ويصف بكيري خلال حديثه لـنا مدى ارتباطه بزراعة القطن، ويقول أن العلاقة تشبه صلة القرابة ، فلقد عاش طفولته في مزارع القطن الخاصة بوالده، يختبأ ورفاقه بين الشجيرات الصغيرة في موسم القطاف.
وتشتهر تهامة بإنتاج القطن متوسط التيلة ” أكالا SG2 ” والذي يحتاج إلى ستة أشهر للنمو، ويصل إنتاج هذا الصنف من 1 طن – 2 طن للهكتار فيما ترتفع الإنتاجية للمحطات البحثية لتصل 2.5 -3.0 طن للهكتار وفقا لهيئة تطوير تهامة (حكومية).
وحسب المركز اليمني للسياسات يسكن المناطق الريفية في اليمن ما يقارب من 70 في المائة من سكان البلاد، وتعمل نصف القوى العاملة في البلاد في القطاع الزراعي، بينما يعتمد 70 في المائة من سكان اليمن على الدخل الناتج عن الأنشطة الزراعية.
حلول
يحتاج القطن إلى مواسم وفيرة من المطر والري الجيد، فضلاً عن التربة الخصبة. وتعتبر موسم زراعته في اليمن يبدأ في شهر تموز وتمتد حتى أيلول.
يقترح المهندس الزراعي محمد عبود على الجهات الحكومية والجمعيات الزراعية توفير البذور عالية الجودة ودعم المزارعين بالمبيدات الحشرية وتوفير المعدات الحديثة والمساهمة بالتسويق لاستقطاب المزارعين.
ولكن في ذات الوقت تظهر مشكلة أخرى هي مدى تأثر المزارعين بهذه المبيدات وغياب الشروط الصحية والسلامة الغائبة عن المزارعين.
ويرى عبود أن على الجهات الحكومية توفير الديزل وتقديم القروض للمزارعين، وتحديد أسعار مناسبة لمحصول القطن وترميم مصانع الغزل والنسيج الذي تسبب تعطيلها لزراعة القطن باليمن.
ذلك أن دور الجهات الرسمية وفقا للمزارعين يقتصر بتقديم الإرشادات الزراعية، و ورش المبيدات لمكافحة الآفات الزراعية في بعض مزارع القطن ومحاصيل أخرى.
واعتبر أنه رغم تدخلات الصندوق الاجتماعي للتنمية بقطاع الزراعة بمحافظات أبين والحديدة، وغيرها، لكنها لا تلبي تطلعات واحتياجات المزارعين بشكل عام.
وتحتاج شجرة القطن إلى الكثير من الاهتمام والعناية بدأ بتوقيت الزراعة، وطرق مكافحة الآفات الزراعية التي تتعرض لها المزارع الواسعة وصولاً إلى مراحل جني الزهر وبيعها.
ويعد فصل الخريف أهم فصل لزراعة القطن، وإنتاج كميات كبيرة بجودة عالية، وبتكلفة أقل فيما تتعرض زراعة القطن المتأخرة للإصابة بالحشرات المرضية وفقاً لخبراء زراعيين.
وقدرت مساحة الأراضي المزروعة بشجرة القطن الأبيض بمناطق متفرقة بالساحل التهامي بحوالي 13917 هكتار، أبرزها في وادي مور ووادي رماع ومديرية زبيد وفقا لآخر دراسة بحثية زراعية.