يُشكل الاستخدام العشوائي للمبيدات الزراعية خطورة صحية كبيرة على الإنسان والبيئة في اليمن، خاصة أن معظم تلك المبيدات من الأصناف المحظورة التي تدخل للبلاد عن طريق التهريب.
ويستخدم المزارعون اليمنيون المبيدات بشكل مكثف، وبطرق عشوائية لا تراعي الاستخدام الآمن، في ظل انعدام تام للرقابة، نتيجة للأوضاع الحالية للبلاد، مما يرفع منسوب الخطر، ويهدد الإنسان والبيئة، وكافة الكائنات الحية.
وحذرت دراسة فرنسية من جامعة لا بورجيه دو لاك من أضرار المبيدات الزراعية على البيئة والصحة العامة إذ إنها تستمر عقودًا قبل أن تختفي آثارها تمامًا، كاشفة أنّ الآثار الضارة للمبيدات على البيئة تدوم إلى أكثر من أربعة عقود.
ويؤكد الباحث الزراعي بجامعة ذمار هشام السالمي، أن الاستخدام العشوائي للمبيدات يتسبب بإفساد التربة، وظهور السلالات المقاومة من الآفات الحشرية والعناكبية أو من المسببات المرضية الأخرى.
ويقول السالمي لـ” منصة ريف اليمن“، إنه “نتيجة جهل معظم مستخدمي المبيدات بحساب جرعات المبيد الصحيحة، ينتج عن ذلك إما نقصاً بالجرعة أو زيادة فيها، فإذا نقصت تظهر السلالات المقاومة، فيقوم المزارع برفع الجرعة، وعند رفعها تصبح غير صحية، وسامة على المدى الطويل”.
وعن أسباب انتشار المبيدات بشكل كبير، قال الاستاذ محمد المصنف وهو معيد بكلية الزراعة جامعة ذمار، إن الأسباب الرئيسية تتمثل بقلة الوعي الزراعي، وعدم وجود فعاليات او دورات توعوية، وكذلك رغبة المزارعين بتسريع المحصول بأي طريقة حتى لو فيها أضرار جانية مثل الاستخدام العشوائي للمبيدات.
سبب للسرطان
كما تساهم المبيدات الزراعية بزيادة خطر الإصابة بأمراض السرطان والكبد لدى المواطنين، وهو ما يرفع نسبة المرضى بأعداد كبيرة سنويا، بحسب الدكتور عصام القرودع استشاري جراحة عامة.
وقال القرودع خلال حديث لـ” منصة ريف اليمن“، ” إن المبيدات والأسمدة تحتوي على مواد كيميائية سامة ومسرطنة ومضرة بكافة أجهزة الإنسان، لأنها تتراكم بالجسم على المدى الطويل وتسبب تغييرات جينية وخلل بالخلايا والأنسجة والأعضاء، مما يزيد من احتمالية الإصابة بأورام بمختلف أجزاء الجسم.
كما أنها تؤثر على وظائف الكبد وتسبب التهابات وتليفات وتضخمات وقصورات وفشلات بهذا العضو الحيوي الذي يقوم بتنقية الدم وتحليل السموم وإنتاج الصفراء وتخزين الفيتامينات والمعادن والجليكوجين”.
ويبلغ عدد مرضى السرطان 95 ألف بحسب السجلات الرسمية خلافاً للأعداد غير المسجلة، وتعتبر قلة المؤسسات المتخصصة لعلاج مرضى السرطان وضعف الخدمات التشخيصية والعلاجية من أهم احتياجات القطاع الصحي التي يعاني منها المرضى باليمن.
ولا تتوفر أدى شروط السلامة لدى المزارعين، حيث يقول المزارع صلاح العواضي إنه يستخدم مبيدات زراعية مختلفة سنويا، بما لا تقل قيمته عن 800 ألف ريال يمني (1500 دولار)، مشيرا أنه يقوم بالرش مرتين أسبوعيا، وأحيانا أكثر من ذلك.
وعن طرق الاستخدام أوضح لـ” منصة ريف اليمن“، أنه يتعامل مع المبيدات بشكل طبيعي ( عدم التقيد بقواعد السلامة )، دون ارتداء كمامات وقفازات يد، أونظارات، وأنه يكتفي فقط بغسل يديه بعد الانتهاء.
أما المزارع رداد الزعلة، يقول إنه بالإضافة إلى عدم الالتزام بقواعد السلامة، يقوم بتناول المزروعات بعد مرور نحو 48 ساعة من عملية الرش بأكثر من نوع من المبيدات، وعدم التقيد بمدة الانتظار اللازمة.
وأضاف لـ” منصة ريف اليمن“، إنه لم يسمع من تجار المبيدات عن فترة الأمان اللازمة بعد الرش، لكنه أحيانا يتملكه شعور بأن ما يقوم به عمل خاطئ ومتهور وأنه يجب أن ينتظر أكثر ومع هذا يتجاهل الخطر.
حلول مقترحة
ويقترح الدكتور القردوع، حلولا للحد من الكارثة، منها تطبيق القوانين الخاصة بالمبيدات ومراقبة جودتها وسلامتها، وتشجيع الزراعة العضوية والمستدامة والمتكاملة واستخدام الأسمدة الطبيعية والمبيدات الحيوية والميكروبية والنباتية والحيوانية.
كذلك توعية وتثقيف المزارعين والمستهلكين والموظفين والعاملين بالقطاع الزراعي حول المخاطر الصحية والبيئية للمبيدات والأسمدة وكيفية التعامل معها بشكل آمن ومناسب والالتزام بالجرعات والمواعيد والطرق والإرشادات الفنية والعلمية.
ومن ضمن الاقتراحات، تعزيز الرعاية الصحية الأولية والثانوية والثالثة للسكان الريفيين والمزارعين والمعرضين للتلوث بالمبيدات والأسمدة وتقديم الخدمات الطبية والصحية والوقائية والعلاجية لهم وتشخيص وعلاج حالات السرطان والكبد المرتبطة بالتلوث بالمبيدات والأسمدة.