تعيش مديرية بني سعد بمحافظة المحويت مأساة صحية مستمرة تفترس أرواح السكان، بفعل انتشار الأفاعي، وعدم توفر المصل المضاد للدغاتها، بالتزامن مع تدهور الخدمات الصحية، وغياب مقومات الرعاية الطبية، وانتشار الأوبئة الناتجة عن المستنقعات؛ مما فاقم الوضع الإنساني في المديرية بشكل كبير.
لدغات قاتلة
ويمثل غياب مصل الثعابين في مشفى بني سعد الريفي واحدة من أبرز الصعوبات الصحية التي أودت بحياة العديد من المواطنين، فالطبيعة الجغرافية للمديرية تساهم في تكاثر الأفاعي، خصوصًا في المناطق الزراعية، ما يجعل اللدغات أمراً شائعاً، لكن غياب المصل حوّل هذه الإصابات إلى أحكام إعدام بطيئة.
ونتيجة لارتفاع الحرارة تخرج الثعابين من جحورها؛ هربًا للبحث عن مصدر للماء والغذاء، وبالتالي تزداد عدوانيتها للإنسان، وأظهرت نتائج دراسة في يوليو 2023 أن “كل ارتفاع بدرجة مئوية في الحرارة يؤدي إلى زيادة بنسبة 6% تقريبا بلدغات الثعابين في المتوسط”، أما في المناخ البارد فالزواحف -بشكل عام- تدخل في حالة سبات.
مواضيع مقترحة
• المحويت.. كنز اليمن المدفون كما لم تعرفها من قبل
• حضرموت: “إبراهيم باسلم” مغامر بين أنياب الثعابين
• مستشفى الكدرة بريف تعز: الإهمال يحرم المرضى من العلاج
يروى “محمد مستور” (44 عاماً) لمنصة ريف اليمن، تفاصيل مأساة فقدان نجله عبد الله، ويقول: “كان يقطف المانجو في مزرعتنا فلدغه ثعبان من نوع ‘كوبرا’ في قدمه، وحين سمعت صراخه هرعت إليه على الفور، ربطت ساقه وحملته على كتفي مسافة حتى الطريق العام”.
ويضيف بحسرة: “تم نقله بسرعة إلى مشفى بني سعد، لكنه كان قد بدأ ينزف من أنفه وأذنيه، وأصبح بين الحياة والموت، وعند وصولنا، أبلغني الأطباء بكل أسف أنه لا يوجد مصل، أخذته مجددًا إلى مديرية باجل بمحافظة الحديدة، لكن للأسف توفى في الطريق”.
وطالب مستور بتوفير مصل الثعابين لإنقاذ حياة الناس، وأردف بالقول: “نحن بشر، نناشد ضمائر الجهات الرسمية والمنظمات والمؤسسات أن يوفروا لنا المصل؛ حفاظا على حياة المواطنين في المنطقة”.
يمثل غياب مصل الثعابين في مشفى بني سعد من أبرز الصعوبات الصحية التي أودت بحياة العديد من المواطنين
لم يكن عبدالله الضحية الوحيدة، فصالح أحمد (57 عاماً)، أحد المزارعين، نجا بأعجوبة من لدغة حية في مزرعته بوادي سردد، ويقول: “بينما كنت أقطف الأشجار، باغتتني حية رقطاء، غرست أنيابها في قدمي، حاولت نزعها بيدي وأبعدتها، وربطت ساقي لوقف النزيف”.
وتعاني القرى المجاورة للمستشفى من سوء أحوال الطرق المؤدية له؛ إذ إنها ضيقة ومدمرة، وبسبب ذلك قال أحمد لمنصة ريف اليمن: “مشيت حتى منزلي والدماء تنزف من فمي وأنفي، عندما رأتني أسرتي، انهاروا من هول المنظر، لم أذهب لمشفى بني سعد لأنني أعلم أنه بلا مصل، والذهاب إليه تضييع للوقت الذي قد تدفع ثمنه حياتك”.
ويردف: “حملوني على السيارة واتجهوا مباشرة إلى مدينة باجل التي تبعد 29 كيلومتراً عن المنطقة، وهناك تلقيت العلاج، والحمدالله تجاوزت الخطر”، لافتاً إلى أن الكثير فقدوا حياتهم بسبب غياب مصل الثعابين في مستشفى بني سعد الذي يفترض أنه يوفر الخدمات للمواطنين.
عجز ونداء للإنقاذ
“فؤاد أحمد”، مدير مشفى بني سعد، أكد لمنصة ريف اليمن عدم وجود مصل، وأن المستشفى لم يتلقَ الدعم من أي جهة رسمية لتوفيره، مشيرًا إلى أن أحد فاعلي الخير تبرع بمصل على نفقته الخاصة لكنه لا يكفي.
وقال أحمد: “هذا المصل خاص لا يغطي حاجة عامة، من المعيب أن يكون مرفق حكومي عاجزًا عن توفير علاج أساسي كالمصل، بينما تعتمد حياة الناس على مبادرات فردية”، مناشدا كل الجهات المعنية والمنظمات الإنسانية سرعة التدخل.
الدكتور “علي وهّان” تحدث عن حجم المأساة قائلاً: “عجزنا عن توفير مصل الثعابين بسبب تكاليفه، فسعره مرتفع جداً، ومعظم أهالي بني سعد فقراء لا يستطيعون شراءه، ويخسرون حياتهم للأسف”.
ويوضح أن عدد الضحايا تجاوز العشرات، بينهم أطفال وشيوخ ونساء، من مختلف الأعمار، مؤكدا أن غياب المصل يعني موتاً بطيئاً، مطالباً بتوفيره فورًا.
عدد الضحايا تجاوز العشرات بينهم أطفال وشيوخ ونساء، وغياب المصل يعني موتاً بطيئاً للسكان
أما الدكتور “سعد نبيل” فأكد أن بعض الحالات تصل المستشفى في وضع متدهور وتموت قبل تلقي العلاج، مضيفًا: “تفشي السم في الجسم يسبب فشلًا كلويًا أو تلفًا في الأنسجة، والمصل ليس علاجًا ثانويًا، بل إنقاذاً فورياً لحياة إنسان”.
ويعد مصل الثعابين ضرورة ملحّة في المرافق الصحية، خصوصًا في المناطق الريفية كمديرية بني سعد، “وجوده يقلل من نسبة الوفاة، ويخفف من المضاعفات الصحية والنفسية، ويؤسس لنظام صحي طارئ فعّال، ورغم إدراك هذه الأهمية، ما يزال المصل غائبًا عن رفوف المشفى”، بحسب نبيل.
وبحسب مصادر طبية في المديرية، بلغت حالات الوفاة نتيجة لدغات الثعابين 20 حالة موثقة خلال العامين الماضيين، بينما تم نقل أكثر من 30 مصابًا إلى مستشفيات خارج المنطقة لتلقي العلاج في ظل غياب المصل في مشفى المنطقة.
ويناشد أهالي بني سعد البالغ عددهم 59015 نسمة وفقا لإحصاء عام 2004م، جميع الجهات المختصة والمنظمات الإغاثية والإنسانية، التحرك العاجل لتوفير مصل ثعابين في مستشفى المديرية، لإنقاذ حياة المواطنين، خاصة مع انتشار الثعابين في المنطقة.
صورة الغلاف:Sadam Alolofy/Unfpa