فتاة يمنية تحوّل النفايات إلى تحف فنية

تمكنت من تطوير مشروعها وأصبحت مصدر إلهام للنساء في المعافر بريف تعز

فتاة يمنية تحوّل النفايات إلى تحف فنية

تمكنت من تطوير مشروعها وأصبحت مصدر إلهام للنساء في المعافر بريف تعز

في قريتها النائية بمحافظة تعز، نجحت الفتاة “عواصم سيف (22 عامًا)”، في احتراف مهنة فريدة، وتمكنت من تحويل الحشائش الجبلية ومخلفات البلاستيك إلى أطباق زينة ومنتجات تراثية، تدر دخلا على أسرتها، وتقلل التلوث، في مجتمع يعاني من الفقر وغياب الوعي البيئي.

عواصم التي تنحدر من قرية الجرف بمديرية المعافر، كانت تعيش مع أسرتها تحت وطأة الفقر، خاصة بعد أن فقد والدها عمله، وأصبحت المسؤولية الاقتصادية ملقاة على عاتقها، ففكرت بعمل حلول وابتكارات متاحة تمكنها من تجاوز المشكلة، وتغير أوضاع أسرتها إلى الأفضل.

من العوز إلى الإبداع

تروي عواصم حكايتها لمنصة ريف اليمن قائلة: “لم يكن لدينا مصدر دخل، واضطررنا للبحث عن أي حل لمواجهة الأوضاع الاقتصادية الصعبة، خاصة بعد أن فقد والدي عمله ولم يعد لدينا عائل”.

وتضيف: “فكرت في استغلال ما هو متاح، فخطرت ببالي حشائش الجبال، ومخلفات البلاستيك، والقرطاسية المستعملة، وقلت لنفسي لماذا لا أصنع شيئا جميلا من هذه النفايات؟ خاصة أن المواد الخام باهظة الثمن”.

ولأن أصعب الأشياء بداياتها، واجهت عواصم صعوبات وتشكيكا من أهالي القرية، الذين رأوا في النفايات مجرد “قمامة” لا فائدة منها، لكنها لم تستسلم، وأصرت على التحدي والمضي قدما، وتقول: “كان التحدي الأكبر إقناع الناس بأن هذه المواد قابلة للتحول إلى منتجات قيمة، وبالفعل، غيّر إصراري من نظرتهم”.


        مواضيع مقترحة

بدأت عواصم بصناعة أطباق زينة وإكسسوارات منزلية وهدايا، لتبيعها في المناسبات، محولة النفايات وسيلة للبقاء في مجتمع يعاني من ويلات الحرب والانهيار الاقتصادي، ورغم عدم حصولها على أي دعم تمكنت من تطوير مشروعها بمساعدة جمعية محلية ساعدتها في تسويق منتجاتها، كما استعاضت عن نقص المواد الخام بالإبداع مثل الخيوط والألوان، قائلة: “أحيانًا نصنع ألوانًا من أعشاب طبيعية”.

مصدر دخل

تطورت منتجاتها من أعمال بسيطة إلى أطباق مزخرفة، وأدوات زينة مطلوبة في الأسواق المحلية. “الأطباق المزخرفة هي الأكثر رواجا لأنها تستخدم في المناسبات، والناس تبحث عن بدائل رخيصة”، توضح الشابة التي حوّلت “اللا شيء” إلى مصدر دخل.

قبل أن تطلق عواصم مشروعها الصغير، كانت أسرتها تعيش على الهامش، لكن اليوم وبفضل مشروعها الذي بدأ بـ”فكرة بسيطة وإرادة صلبة”، أصبحت عواصم المصدر الرئيسي للدخل في أسرتها، مما عزز من مكانتها كقدوة للمرأة الريفية التي تستطيع أن تكون “عائلا ومعيلا”.

لم يقتصر تأثير المشروع على عواصم وأسرتها فحسب، بل أصبح مصدر إلهام للنساء في قريتها، وتقول جارتها أم محمد: “عندما رأينا عواصم تنجح، بدأنا نصدق أننا نستطيع أيضا، وحاليا هناك نساء يعملن بمشاريع مشابهة بفضل تشجيعها”.

بدأت “عواصم” بصناعة أطباق زينة وإكسسوارات منزلية وهدايا، لتبيعها في المناسبات (ريف اليمن )

من بين تلك المشاريع خياطة ملابس الأطفال، وصناعة التحف اليدوية؛ مما حوّل نساء القرية من مستهلكات عاجزات إلى منتجات فاعلات في سوق العمل، وهو ما يؤكد فكرة أن اليمنيات قادرات على صنع التغيير حتى في أصعب الظروف.

بيئياً، ساهم مشروعها – كما تقول – في تقليل التلوث البيئي بنسبة كبيرة جدا؛ لأنها تعتمد على مواد “صديقة للبيئة”، وتحوِّل النفايات إلى منتجات قابلة للاستخدام اليومي. تقول عواصم لريف اليمن: “نقلل التلوث بنسبة كبيرة. المواد التي نستخدمها كانت ستحرق أو ترمى فتلوث التربة”.

لا تريد عواصم التوقف عند هذا الحد، بل تطمح للتوسع وتدريب المزيد من النساء، وبيع منتجاتها عبر الإنترنت إذا وجدت الدعم، وتوجه رسالة للشباب والنساء قائلة: “المهم أن نبدأ، حتى ولو بخطوة صغيرة. التحديات موجودة، لكن الإصرار يحوّل الأفكار إلى واقع”.

“فوزي مهيوب”، أحد داعمي المشروع، يقول لمنصة ريف اليمن: “هذه المبادرة ملهمة للشباب، وهي صديقة للبيئة وتحافظ على جمال الطبيعة”، لافتا إلى أنه لا توجد مشاريع مماثلة في المنطقة، وهي من أوائل المبادرات التي تعيد تدوير النفايات بطرق إبداعية.

إرث يتجدد

في الماضي، كانت الأسر تعتمد على سعف النخيل في صناعة الأدوات المنزلية، لكن الحرب غيّرت المشهد، فاضطرت نساء مثل عواصم إلى إعادة اختراع هذه الحرفة باستخدام مواد العصر الحديث.

وتقول عواصم وهي تفرز خيوطا ملونة: “أجدادي كانوا يعتمدون على النخيل، لكن اليوم اختلفت الموارد، بقايا البلاستيك في كل مكان، ففكرت في الاستفادة منها، نفس الحرفة لكن بمواد العصر الذي نعيشه. بدأت ونجحت، وأصبحت اليوم أنتج ما يصل إلى 20 طبقًا شهريًا، إضافة إلى صناديق الهدايا والقبعات اليدوية”.

الفتاة عواصم أثناء ممارسة مهنتها التي أصبحت مصدر دخلها الوحيد (ريف اليمن)

ويوضح الباحث الاجتماعي “عبدالغفور العامري” لمنصة ريف اليمن أن هذه المشاريع الصغيرة “لم تعد مجرد هواية، بل تحولت إلى مشروعات إنتاجية تسد جزءا كبيرا من احتياجات الأسر، خاصة في المناطق النائية التي تعاني من انقطاع الخدمات وندرة الوظائف”.

ويلفت العامري إلى أن “الصناعات اليدوية تساهم بما لا يقل عن 30% من دخل الأسر في قرى عزلة الشعوبة، خاصةً للنساء اللاتي يعانين من محدودية فرص العمل”، بعد أن تدهورت مصادر الدخل التقليدية بسبب الحرب وتوقف العديد من الأنشطة الزراعية.

وتقول الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا إن نسبة انعدام الأمن الغذائي وصلت إلى 60% من السكان، وهناك 80% من السكان يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، فضلاً عن نزوح حوالي 4.3 مليون إنسان، جلهم يفتقرون إلى الخدمات الأساسية.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: