يُشكِّل البحر الأحمر أهمية استراتيجية بالغة لليمن، إذ يُعتبر شريطًا ساحليًا حيويًا يمتد عبر محافظتي تعز والحديدة، موفِّرًا موقعًا مركزيًا لأهم الموانئ اليمنية. كما يضمّ العديد من الجزر المهمة أبرزها جزيرة كمران. وإلى جانب ذلك هناك ثمان دول مشاطئة للبحر الأحمر مما يعزِّز دوره المحوري في التجارة والملاحة الدولية.
ويعد البحر الأحمر، من أهم طرق الملاحة البحرية الدولية في العالم، ويتمتع بأهمية اقتصادية وعسكرية وأمنية، وتحول مؤخراً لموضع صراع ومحل تنافس إقليمي ودولي ومركزا لاحتشاد القواعد العسكرية الأجنبية.
ويتمتع البحر الأحمر بموقع إستراتيجي مهم، حيث يصل بين القارات الثلاث: آسيا وأفريقيا وأوروبا، ويربط المحيط الهندي وخليج عدن وبحر العرب بالبحر الأبيض المتوسط، ويفصل بين الجزيرة العربية وشرق أفريقيا.
الموقع الجغرافي
يقع البحر الأحمر بين الجزيرة العربية شرقا وأفريقيا غربا، وهو عبارة عن أخدود مائي متطاول ضيق، يمتد بانحناء نحو الغرب من خليج عدن جنوبا إلى جزيرة سيناء شمالا، ومن هناك يتفرع عنه خليجان، هما: خليج العقبة شرقا وخليج السويس غربا، وتفصل بينهما شبه جزيرة سيناء.
يطل البحر الأحمر على 8 دول هي: اليمن والسعودية من جهة الشرق، والأردن وفلسطين المحتلة وشبه جزيرة سيناء المصرية من الشمال. ومصر والسودان وإريتريا، وجيبوتي من الغرب.
وتقدر مساحة سطحه ما بين 438 و450 ألف كيلومتر مربع، ويمتاز بضحالة نسبية عند طرفيه، ويزداد عمقا في الوسط، إذ تصل أعمق نقطة فيه إلى ما يقارب 3 آلاف متر، في حين يبلغ متوسط عمقه ما يقارب 500 متر. ويبلغ طوله من جنوب السويس إلى مضيق باب المندب حوالي 1930 كيلومترا.
3 مضايق أهمها باب المندب
يوجد في البحر الأحمر 3 مضائق طبيعية أهمها باب المندب الذي يقع جنوب البحر الأحمر، ويعتبر المنفذ الوحيد الذي يتحكم بمدخله الجنوبي، ويربطه بخليج عدن وبحر العرب والمحيط الهندي، وهو مضيق إستراتيجي يقع ضمن سيادة اليمن.
بالإضافة إلى مضيق تيران، والذي يقع شمال البحر الأحمر من الجهة الشرقية، ويعتبر المدخل الرئيسي لخليج العقبة، ويحظى بأهمية خاصة بسبب ارتباطه بالصراع العربي الإسرائيلي، حيث يعتبر المدخل إلى ميناء إيلات الإسرائيلي.
وكذلك مضيق جوبال: في شمال البحر الأحمر باتجاه الغرب، ويعتبر بوابته إلى خليج السويس.
جزر بحرية بينها 152 جزيرة يمنية
يضم البحر الأحمر نحو 1496 جزيرة، ومعظمها شعاب مرجانية، وفي الغالب صغيرة الحجم وغير مأهولة بالسكان، وتتبع هذه الجزر الدول المشاطئة للبحر، وأهمها:
جزر السعودية: تبلغ 1150 جزيرة، بعضها مأهول بالسكان، مثل فرسان والمجيد وأبو غنيم وديسان، وأكبرها جزيرتا فرسان والمجيد.
جزر اليمن: تصل إلى 152 جزيرة، وتقع جنوب البحر الأحمر، ويتمتع جملة منها بموقع إستراتيجي على مضيق باب المندب بما يتيح لها الإشراف على الممر الملاحي، وأشهرها ميون (بريم) وجبل الطير وزقر وحنيش وجزر الزبير.
جزر مصر: تبلغ 26 جزيرة، وتقع معظمها قريبا من مدخل خليجي العقبة والسويس، ولبعضها أهمية أمنية وعسكرية، وتتحكم بممرات الملاحة، وأهمها مجموعة جزر جوبال وجزيرتا طويلة وشدوان. جزر السودان: وهي نحو 36 جزيرة، وأهمها مجموعة جزر سواكن.

أهمية البحر الأحمر لليمن
يمثل البحر الأحمر أهمية إستراتيجة لليمن في الموقع الجغرافي، حيث تقع أكبر كتلة سكانية الساحل الغربي اليمني في البحر الأحمر، مما يجعلها ذات أهمية استراتيجية كبيرة في المنطقة، وتمتلك عدة موانئ مهمة مطلة على البحر الأحمر، مثل ميناء الحديدة وميناء المخا، بالإضافة إلى مضيق باب المندب.
وهذه الأهمية تعد جزء من الثروة اليمنية التي يمكن أن تحقق عائدات إقتصادية كبيرة من خلال:
- التجارة البحرية: البحر الأحمر يعتبر طريقًا تجاريًا هامًا لليمن، حيث يتم نقل العديد من البضائع والسلع عبره.
- الموارد السمكية: البحر الأحمر يعتبر مصدرًا هامًا للثروة السمكية في اليمن.
- السياحة البحرية: البحر الأحمر يعتبر وجهة سياحية جذابة لليمن، حيث يمكن للزوار الاستمتاع بالشواطئ الجميلة والغوص والرياضات المائية الأخرى.
- التراث الثقافي: اليمن تمتلك تراثًا ثقافيًا غنيًا على سواحل البحر الأحمر، مما يجعلها وجهة سياحية جذابة.

الاقتصاد
يحتوي البحر الأحمر على ثروة قيمة من الموارد المعدنية، تعمل على دعم اقتصاد الدول المشاطئة، وتتمثل هذه الموارد في الرواسب النفطية والرواسب المتبخرة، مثل: الهاليت والسيلفيت والجبس والدولوميت. والمعادن الثقيلة، كالرصاص والذهب والفضة والزنك والحديد والنحاس. إضافة إلى الكبريت والفوسفات.
وتمثل الحياة البيولوجية في البحر الأحمر رافدا اقتصاديا مهما، حيث تعد الشعاب المرجانية مصدرا مهما لتوفير الغذاء، مع غناها بالمواد الضرورية لاستخراج الأدوية والمنتجات الطبيعية، ويختزن كذلك ثروة سمكية كبيرة.
كما يوفر بيئة جاذبة للسياحة، حيث تنتشر المنتجعات السياحية الشهيرة في مدن عدة، مثل شرم الشيخ والغردقة ودهب ومرسى علم في مصر وإيلات في إسرائيل.
وقد أصبح البحر الأحمر من الوجهات المفضلة عالميا لممارسة نشاطات الغوص والسباحة، بفضل مياهه الدافئة طوال العام، وتميزه ببيئة بيولوجية غنية وفريدة، فضلا عن مواضع عديدة لحطام السفن، التي غرقت في فترات تاريخية متباينة، وتعتبر غنية بالمقتنيات الأثرية المميزة.
الحياة البيولوجية
يحتضن البحر الأحمر حياة بيولوجية مزدهرة، فهو موطن لأكثر من ألف نوع من اللافقاريات و350 نوع من الشعاب المرجانية، وحوالي 1200 نوع من الأسماك، وتقدر نسبة الأسماك المستوطنة في البحر الأحمر، والتي لا توجد في غيره من البحار بنحو 14.7%.
وتعتبر الشعاب المرجانية في البحر الأحمر من أطول الشعاب المرجانية الحية المستمرة في العالم، وتمتد حوالي ألفي كيلومتر حول الساحل، وتتميز بقدرتها العالية على التكيف، ويبلغ عمرها ما بين 5 آلاف إلى 7 آلاف عام. وإلى جانب ذلك، يتوافر البحر على الأعشاب البحرية وأشجار المانغروف.
وقد تم اكتشاف العديد من الثقوب الزرقاء في مياه البحر الأحمر التي تشكلت على هيئة كهوف عمودية أعمق من المياه المحيطة بها، وكونت نظاما بيئيا فريدا وغنيا بالعديد من الكائنات الحية كالسلاحف البحرية والأسماك والثدييات البحرية واللافقاريات.
التنافس الإقليمي والدولي
ظهرت الأهمية العسكرية للبحر الأحمر في حرب عام 1973، عندما أغلقت مصر واليمن مضيق باب المندب في وجه الملاحة الإسرائيلية، وأعادت هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 إبراز الأهمية الأمنية للمنطقة، حين قررت أميركا تأسيس قاعدة لها في جيبوتي عام 2002، للانطلاق منها في حربها على ما يسمى الإرهاب.
وبدأت قوات عسكرية أجنبية أخرى مع تصاعد عمليات القرصنة عام 2008 تستقر في المنطقة، ولم ينصرم العقد الثاني من القرن الـ21، حتى كانت دول عديدة قد ثبتت قواعد عسكرية لها في بلدان مثل: جيبوتي والصومال وإريتريا واليمن، وشمل ذلك قواعد لإسبانيا واليابان وإيطاليا والصين وتركيا والإمارات وإسرائيل. إضافة إلى القاعدتين العسكريتين الفرنسية والأميركية اللتين كانتا موجودتين من قبل.
وعقب اندلاع الحرب في اليمن 2015 أثيرت مخاوف حول تصعيد الحوثيين ضد سفن التحالف العربي في البحر الأحمر، وارتفع مستوى التهديد الأمني فيه، وهو ما دفع القوى الدولية إلى تأسيس “قوة المهام المشتركة 153 الدولية” عام 2022 بهدف تأمين الملاحة وطرق التجارة الدولية التي تعبر البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن.
وفي 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 أعلن الحوثيون إغلاق “باب المندب” والمياه المحيطة به في وجه السفن الإسرائيلية، ورفعوا حدة المواجهة في التاسع من ديسمبر/كانون الأول الجاري، إذ منعوا مرور جميع السفن المتجهة من وإلى الموانئ الإسرائيلية، وهاجموا العديد من السفن الإسرائيلية والأجنبية أثناء عبورها بالمنطقة بالصواريخ والطائرات المسيرة.
وتسبب التصعيد العسكري في البحر الأحمر إلى توقيف شركات شحن دولية كبرى مرور سفنها عبر البحر الأحمر، واستخدام مسار أطول، بالالتفاف حول أفريقيا، ونجم عن ذلك زيادة وقت الإبحار وارتفاع تكلفة الشحن وأسعار البضائع، وزيادة أسعار النفط والغاز وأقساط التأمين على مخاطر الإبحار، وعرقلة الصفقات وعمليات التبادل التجارية.
وفي اليمن انعكس التصعيد العسكري في البحر الأحمر سلباً على مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والبيئيّة وغيرها، وضاعف معاناة المواطنين المتفاقمة أصلا جراء تداعيات الحرب التي تشهدها اليمن منذ عشر سنوات، ومازالت مستمرة.