تحولت الآبار المكشوفة في القرى الريفية بمحافظة حجة شمالي اليمن، إلى كابوس يؤرق حياة السكان، وباتت مصدرًا رئيسيًا للخطر؛ حيث تعرض العديد من الأطفال والنساء خلال السنوات الماضية للسقوط فيها أثناء جلب الماء.
يتم حفر الآبار بطرق بدائية، وبجهود ذاتية من قبل الأهالي، لكنها تفتقر إلى كافة وسائل السلامة، وأغلبها يتم تركُها من دون حواجز حماية؛ إذ يتم رفع الماء منها يدوياً باستخدام الدلو؛ مما يعرض حياة الكثيرين للخطر.
حوادث متكررة
خلال السنوات الماضية، شهدت مديرية “كُعَيدِنَة” عدة حوادث سقوط، وسجلت وفيات، لكن لا توجد إحصائية رسمية دقيقة كَون المحافظة مترامية الأطراف، وأغلب الحوادث لا يتم الإبلاغ عنها من قبل الأهالي.
ويؤكد المواطن “أحمد حاسر” (35 عاما)، المنحدر من قرية المواهبة، لمنصة ريف اليمن أن “الآبار المكشوفة أصبحت شبحاً يهدد حياة السكان في القرى الريفية “. ويضيف: “لا تكاد تخلو قرية من حوادث السقوط أو الغرق في الآبار المكشوفة، ذاكرة الأهالي تحتفظ بالكثير من الحوادث، وتتناقلها عبر الأجيال”.
مواضيع مقترحة
تعز.. شحة المياه في “بني يُوسف” معاناة مستمرة
شحّة المياه تُنهك سكان ومزارعي حجّة
حروب المياه: نزاع يهدد النسيج المجتمعي في الريف
والدة حاسر كانت إحدى من تعرضوا للسقوط لكنها نجت وكُتبت لها الحياة مجدداً. ويقول: “عندما كانت أمي تجلب الماء انزلقت إلى داخل البئر الذي يصل عمقه نحو 8 أمتار، ولحسن الحظ تم إنقاذها، وأصيبت بكسور ورضوض وكدمات تعافت منها بعد فترة طويلة”.
وتابع: “في البئر الذي يبعد مسافة قريبة عن قريتنا تعرضت نساء للسقوط في البئر الذي يصل عمقه نحو 15-20 متراً، كان آخرها سقوط فتاة وهي تورد الماء لوحدها ولم يكن في المكان أحد ينقذها، وفارقت الحياة”.
يروي “نجيب يتيم”، وهو شقيق الفتاة، لمنصة “ريف اليمن” تفاصيل الحادثة فيقول: “ذهبت أختي، البالغة من العمر (15 عاماً) لجلب المياه من البئر، وأثناء عملية رفع الماء، التف حبل الدلو على ساقها وسحبها إلى البئر”.
ويضيف يتيم: “لم يكن في البئر جدار عازل يحمي من السقوط، تقف النساء على حافّة البئر مباشرة أثناء عملية رفع الماء؛ مما يعرض الكثير منهنّ للخطر”.
الأطفال هم الضحايا
“محمد شوقي” المنحدر من مديرية كعيدنة أشار إلى أن “حياة الناس قائمة على مياه الآبار، لكن ذلك يحمل مخاطر تهدد حياة الأطفال، ثلاث أو أربع آبار في المنطقة كانت -وما زالت- شاهدة على العديد من الحوادث المؤسفة التي حدثت على مر السنين، تاركة خلفها ذكريات مؤلمة”.
ويقول شوقي لمنصة ريف اليمن: “أكثر الآبار خطورة في هذا الوادي بئر “الكاذية”، حيث يبلغ عمقها أكثر من 16 مترًا، رغم أنها تُشَكِّل مصدر حياة للجميع، إلا أنها ومنذ التسعينات غدت سببا للمآسي، وشهدت أكثر من حادثة سقوط”.
وتابع: “في البئر ذاته، سقطت شقيقتي البالغة من العمر 9 سنوات، ولحسن الحظ كنت بالقرب منها تلك اللحظة، وتمكنت من إنقاذها، وتم إسعافها. كما سقطت فتاة أخرى من قرية الدحايمة، في البئر نفسه. وتلتها حادثة أخرى في بئر مجاورة كان ضحيتها طالبة في الصف الثامن”.
يوجد الكثير من الآبار المكشوفة على امتداد العُزَل المترامية الأطراف، في المناطق الريفية بمحافظة حجة، ويلجأ إليها السكان في جميع الأوقات للتزوُّد بالمياه في ظل شح المياه، وغياب المشاريع الحكومية.
وقال مصدر في إدارة مؤسسة المياه بمديرية كعيدنة لمنصة ريف اليمن إنه “يتم حفر الآبار وعمارتها بالأحجار فقط، وتبقى مكشوفة، وهي أكثر خطورة من حيث احتمالية سقوط من يجلب المياه، ومن حيث التلوث”.
بحسب إحصائيات غير رسمية بلغ عدد الآبار في اليمن أكثر من 11 ألفاً في عام 2019، ورغم أن قانون المياه يشدد على أن الآبار يجب أن تُحفر بعد موافقة الحكومة، إلا أن أغلبها -إن لم يكن جميعها- تم حفرها دون طلب موافقات رسمية.
المختص في الزراعة والري، “محمد فقيه” قال إن “حوادث السقوط في الآبار المكشوفة تحدث بشكل متكرر نظرا لتهور المستخدمين، وتقصير الجهات المسؤولة في تأمين الآبار من خلال القيام بوضع حواجز، وإشارات تحذيرية، وتوعية المجتمع بأهمية السلامة”.
وأضاف فقيه لمنصة ريف اليمن: “تتمثل الحلول في توعية المجتمع، وإنشاء حواجز حول الآبار، وإجراء فحوصات دورية على الآبار للتأكد من درجة أمانها وجودة المياه فيها، وعمل مبادرات مجتمعية لبناء أسوار حول الآبار المكشوفة تمنع السقوط أو إغلاقها، ودعمها بمنظومات طاقة شمسية وخزانات تجميعية تتم التعبئة من صنابيرها”.
مشكلة مستمرة ومناشدات
وعلى الرغم من كثرة الحوادث، ومخاوف السكان من استمرار بقاء الآبار مكشوفة، لا توجد حتى اللحظة أي تحركات رسمية للحد من هذه الحوادث، عدا بعض المبادرات المجتمعية وهي محدودة، تمثلت ببناء حواجز بارتفاع متر تقريباً للحماية من الانزلاق.
“علي الاعوج” أحد سكان ريف محافظة حجة، وسبق أن تعرضت ابنته للسقوط، وتم إنقاذها، عبّر عن خوفه المستمر على أطفاله الذين يقومون بجلب الماء، مؤكدا أن “المديرية بحاجة ماسة إلى حماية مستقبل أطفالنا من هذه الكوارث التي أصبحت تهدد حياتهم كل يوم”.
وناشد الأعوج فاعلي الخير والجهات المعنية ببناء خزان تجميعي للمياه، إلى جانب منظومات لرفع الماء؛ من أجل سلامة الأطفال وحمايتهم من مخاطر هذه الآبار التي أودت بحياة الكثيرين.
وفي ظل استمرار حوادث السقوط في الآبار، ناشد سكان المنطقة السلطات المعنية باتخاذ تدابير عاجلة وفعالة للحد من هذه المخاطر، وذلك من خلال تغطية الآبار المهجورة، ووضع حواجز وقائية، وزيادة الوعي المجتمعي حول إجراءات السلامة؛ حفاظًا على الأرواح، ومنع تكرار مثل هذه الحوادث المأساوية.