تتعرض التُربة الزراعية في اليمن لمخاطر كبيرة، ويواجه المزارعون اليمنيون تحديًا كبيرًا في الحفاظ على أراضيهم التي تُعد مصدر حياة، وفي ظل التغيرات المناخية التي تشهدها البلاد، أصبحت التربة تحت تهديد مستمر بفعل الانجراف، التدهور البيئي، ما يفاقم أزمة الأمن الغذائي في بلد يعاني من أوضاع اقتصادية وإنسانية متردية.
وتُعد التربة المصدر الأساسي لمعظم أنواع الغذاء، إذ لا يمكن زراعة المحاصيل دون وجود تربة خصبة. ووفقًا لمنظمة الأمم المتحدة، فإن 95% من الغذاء العالمي مصدره التربة، مما يُبرز أهميتها الحيوية في تأمين احتياجات الإنسان واستمرار الحياة. وتسببت الفيضانات في اليمن والجفاف بتضرر التُربة خلال السنوات الماضية.
جهود للحفاظ على التُربة الزراعية
ويحرص المزارع علي قاسم (60 عاما)، المنحدر من مديرية السياني جنوب محافظة إب ( وسط اليمن)على إنشاء مصدات للتخلص من المياه المتدفقة نحو مزرعته من أعالي الجبال، فهو يخشى من تعرض التربة للانجراف وفقدان مصدر دخله الوحيد الذي يعتمد عليه في تأمين الغذاء.
مواضيع مقترحة
تعز.. الفيضانات تُخلف خراب في الآراضي الزراعية
الفيضانات تعمّق جراح اليمنيين
صعدة: “البارود” يٌفسد الأراضي الزراعية
يبذل قاسم ومثله مئات الآلاف من المزارعين في اليمن جهوداً مضاعفة في سبيل إصلاح الأراضي الزراعية والحفاظ على تربتها، ويقول لمنصة ريف اليمن:”بسبب الفيضانات أصبحنا نبذل جهوداً مضاعفة في سبيل الحفاظ على التربة التي تكونت خلال مئات السنين فمن دونها لا نستطيع الزراعة ولن نحصل على الغذاء “.
ويمكن لمتر مكعب واحد من التربة الصحية أن يحتفظ بأكثر من 250 لترًا من الماء. كما تؤثر ممارسات إدارة التربة والمياه غير السليمة في تآكل التربة، والتنوع البيولوجي للتربة، وخصوبة التربة، ونوعية المياه، وكميتها.
وفي ظل الحرب وتداعياتها على مختلف مجالات الحياة في اليمن فإن الزراعة أضحت الحل المتاح لتردّي الأوضاع المعيشية؛ كونها تساهم في تأمين الغذاء للكثير من الأسر خصوصاً في المناطق الريفية إذ أن 75%من اليمنيين يعيشون في الريف، والحفاظ على تربة الأراضي الزراعية مرتبط بالأمن الغذائي.
ويشكل العاملون في المجال الزراعي الشريحة الأكبر في البلاد إذ يحتل القطاع الزراعي المرتبة الأولى في استيعاب العمالة بنسبة 54 في المائة، كما أنه يعد أحد دعائم ومرتكزات الاقتصاد الوطني مع مساهمته بحوالي (13.7%) من إجمالي الناتج المحلي، وفق بيانات المركز الوطني للمعلومات.
أصناف التربة في اليمن
وتمتاز اليمن بتنوع كبير في أنواع التربة، والتي تُصنف إلى خمسة أصناف رئيسية أولها أنتيسولز وهي تربة حديثة، تغطي 50% من مساحة البلاد وتوجد في مدرجات وأودية المرتفعات الوسطى وتوجد في السهول الساحلية والأودية، وأريديسولز وهي ذات بنية ضعيفة، تغطي 20% من المساحة، وإنسيبتيسولز وتعد تربة متطورة توجد في مناطق الفيض، ( الجنوب الغربي والشمال الغربي )) وتغطي 15% من البلاد.
أما رابع أصناف التربة فهو موليسولز وهي تربة ذات بنية متطورة وأفق سطحي داكن، تغطي 10% من مساحة اليمن، وأخيرا فيرتيسولز وتعتبر تربة متشققة ذات نسيج ثقيل، تغطي 5% من مساحة البلاد، بحسب المركز الوطني للمعلومات.
وعلى الرغم من تنوع التربة في اليمن، إلا أنها تواجه العديد من المخاطر، وهو ما يؤثر على خصوبتها ويعرض إنتاجها للخطر والانعكاس سلباً على الأمن الغذائي خصوصاً مع غياب الخبرة الكافية لدى الكثير من المزارعين في المحافظة على التربة.
وللحفاظ على خصوبة التربة ينصح الخبير الزراعي محمد الحزمي المزارعين بالاهتمام بالدورة الزراعية، والحرص على عمل تحليل للتربة بشكل دوري للمساعدة في إعداد برنامج التسميد لكل محصول حسب احتياجاته، والحرص على زراعة أصناف مناسبة للتربة وإضافة الأسمدة الكيميائية بشكل مدروس ومن دون افراط”.
ونتيجة الغياب الرقابة بسبب الحرب، شهدت المبيدات المهربة والأسمدة الكيماوية انتشارا كبير، ويتم استخدامها بشكل عشوائي في أوساط المزارعين مما يؤدي إلى تلوث التربة يؤثر على الأمن الغذائي وخفض غلة المحاصيل وجودتها.
نصائح للمزارعين
وتقدر دراسة حديثة حجم الأراضي المتدهورة الناتجة عن التغيرات المناخية، منها الانجرافات المائية والانجراف الريحي والتدهور الكيميائي بنحو 5.6 ملايين هكتار، في حين 97% من أراضي اليمن تعاني التصحر بدرجات متفاوتة.
ووفق تقرير وكالة التنمية الأميركية USAID حديثة فإن الفيضانات التي ضربت اليمن خلال الفترة الماضية تسببت في تعطيل القطاع الزراعي في البلاد بشكل غير مسبوق، وألحقت أضراراً بنحو 85% من الأراضي الزراعية، وأدت إلى إتلاف المحاصيل الزراعية.
وفي ظل هذه التحديات أصبح من الضروري اتخاذ إجراءات وحلول عاجلة للحد من تأثيرات التغيرات المناخية وتعزيز ممارسات الزراعة المستدامة وإدارة الأراضي بطرق صحيحة تحافظ على صحة وخصوبة التربة والحد من تأثيراتها السلبية على الأمن الغذائي والبيئة.
ووجه الخبير الزراعي الحزمي نصائح عدة للمزارعين للحفاظ على التربة، مبينا انه في حال كانت الأرض على مجرى سيول أو مستوى الماء مرتفع يجب عمل مصارف للتخلص من المياه الزائدة، والحرص على تسميد الأرض بسماد عضوي متحلل.
ويضيف:”في حال كانت نسبة الملوحة مرتفعة بالتربة يجب زراعة أصناف مقاومة أو متحملة للملوحة، وعمل غسيل للتربة قبل الزراعة بالإضافة إلى حراثة التربة بشكل عميق، والاهتمام بالتسميد العضوي، منوها لأهمية زراعة مصدات الرياح حول الأراضي الزراعية حفاظاً على التربة من زحف الرمال وكذلك منع الانجراف بفعل الرياح”.
وتأثرت حوالي 99000 هكتار من الأراضي الزراعية بالفيضانات في اليمن خلال 2024، وفق تقييم منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) وكانت معظم هذه الأراضي الزراعية المتضررة في الحديدة (77362 هكتارًا) وحجة (20717 هكتارًا)، وهو ما يمثل حوالي 12 في المائة و9 في المائة على التوالي من إجمالي الأراضي الزراعية.