تعرضت التربة الزراعية في محافظة صعدة، شمالي اليمن، لأضرار واسعة؛ بسبب الصراعات والحروب التي شهدتها المحافظة خلال السنوات الماضية، الأمر الذي ساهم في تدهور خصوبتها، وانخفاض إنتاجية المحاصيل الزراعية، ومضاعفة معاناة المزارعين.
وعلى مدى سنوات، ظلّت المحافظة -التي تُعد من أبرز المحافظات الزراعية- مسرحاً للحرب والصراع، وتعرضت لهجمات جوية عنيفة تسببت بدمار واسع في الممتلكات، وتضرر القطاع الزراعي؛ مما كبَّدَ المزارعين خسائر كبيرة.
البارود يٌفسد الأراضي الزراعية
وتُعَدُّ الزراعة النشاط الرئيسي لسكان المحافظة؛ إذ يبلغ إنتاجها ما نسبته (4%) من إجمالي الإنتاج في اليمن. ومن أهم محاصيلها: الحبوب، والخضروات المتنوعة والبن، والعنب، والرمان، والمشمش، والخوخ. كما تحتل مكانة بارزة في إنتاج التفاح اليمني، بإنتاج سنوي يبلغ حوالي 31 ألفاً و923 طناً.
ويشكو المزارع محمد الصعدي، (42 عاما) من انعكاس تضرر التربة على المحاصيل الزراعية، وانتشار الآفات الزراعية. ويقول إن مزارعه تضررت، وأصيبت المحاصيل بآفات يطلق عليها تعفن الجذور، الذي ينتقل بين الأشجار ويقضي عليها.
ويضيف الصعدي لمنصة “ريف اليمن”: “بدأ المرض في الانتشار خلال السنوات الأخيرة، إلا أنه لا يوجد قياس دقيق لحجم الخسائر التي تكبدها المزارعون، ولا نستطيع الجزم أن السبب هي الحرب، ولكن الإنتاج الزراعي تناقص بشكل كبير مقارنة بالسنوات السابقة”.
ووصف المهندس الزراعي أحمد عمران انتشار أمراض أعفان الجذور بـ”الخطير”، حيث يشكل تهديداً على المحاصيل الزراعية، مشيراً إلى أن أسبابه تأتي نتيجة تدهور التربة، وارتفاع نسبة الرطوبة بسبب سوء إدارة الريّ؛ ما يؤدي إلى تراجع الإنتاجية وفقدان المساحات الزراعية.
مواضيع مقترحة
- المناخ والصراع يهددان التنوّع البيولوجي باليمن
- نساء الريف وصناعة السلام: وساطات ناجحة في النزاعات
- ريف تعز: مبادرة تنقل 500 طالبة من تحت الأشجار للفصول
أما المزارع حميد شوكان (63 عاما)، وهو أحد المزارعين الذين تعرضت مزارعهم للدمار بفعل الغارات الجوية التي شهدتها المحافظة عام 2016، فيقول:” تضررت مزارعي بنسبة 60% وتكبدتُ خسائر كبيرة، فضلا عن تضرر التربة وفقدان خصوبتها”.
ويضيف شوكان في حديثه لمنصة “ريف اليمن”:” لم تعد الأرض كما كانت، وكلما حاولتُ زراعة أي محصول سرعان ما يتعرض للهلاك، وفي محاولة لعمل حلٍّ لهذه المشكلة استدعيت مهندسين زراعين لكن دون جدوى”.
وبحسب البنك الدولي، أدت سلسلة من الحروب في اليمن إلى تشويه السياسات الزراعية على المستويين الوطني والمحلي وعدم اتساقها، وتفشي الآفات الرئيسية مثل الجراد الصحراوي، وموجات الجفاف والفيضانات الأكثر تواتراً، إلى تآكل الأصول الزراعية للبلاد بشكل مُطَّرِد.
وتتأثر المناطق الزراعية ذات الخصوبة العالية لتصبح أكثر ضرراً بسبب اصطدام القنابل والمتفجرات بأراضٍ لينة وذات مواد عضوية غنية، وهو ما يؤدي إلى تفاعل وتأثير سلبي عكسي في هذه المناطق الزراعية، كما حدث في كمبوديا بحسب دراسة تلوث التربة ومآلاته على مستقبل الزراعة في غزة.
وخلال السنوات العشر الماضية، شهدت محافظة صعدة تراجعاً ملحوظاً في الإنتاج الزراعي نتيجة الظروف البيئية والحرب، والتوسع الكبير في زراعة القات على حساب المحاصيل الغذائية الأساسية مثل الحبوب والبن وغيرها.
وبحسب كتاب الاحصاء الزراعي للعام 2020م تبلغ المساحة الكلية لمحافظة صعدة حوالي 50 ألفاً و726 هكتاراً، منها 40 ألفاً و721 هكتاراً صالحاً للزراعة، تقدر المساحة المزروعة بالخضار 789 هكتاراً، بكمية إنتاج يصل 11 ألفاً و804 أطنان، أما المساحة المزروعة بالفواكه تصل 5433 هكتاراً وبكميات إنتاج تصل 63 ألفاً و728 طناً.
وتخلف الحروب دماراً هائلاً في الأراضي الزراعية؛ حيث تتسبب الألغام والذخائر غير المنفجرة والمواد الكيميائية السامة في تلوث التربة، وتدمير البنية التحتية الزراعية الحيوية، وفقًا لمسؤول حكومي في وزارة الزراعة والري (فضل عدم ذكر اسمه).
وأكد المسؤول لمنصة “ريف اليمن” أن “هذا التدمير يؤدي إلى تدهور حاد في خصوبة التربة، مما يقلل من قدرتها على الاحتفاظ بالماء والمواد المغذية الضرورية لنمو النباتات”. لافتاً إلى أن تلوث التربة بالمعادن الثقيلة والمواد السامة يؤدي إلى قتل الكائنات الحية الدقيقة المفيدة التي تساهم في تحسين خصوبة التربة.
ويوضح أن تدمير النظم البيئية الهشة يؤثر سلباً على التنوع البيولوجي، ويجعل التربة أكثر عرضة للتآكل، فضلا عن أن الحروب تدفع المزارعين إلى النزوح القسري؛ مما يؤدي إلى فقدانهم لمصدر رزقهم الأساسي. مؤكداً أن الأمن الغذائي يتعرض لخطر كبير، حيث ينخفض إنتاج المحاصيل وتزداد أسعار المواد الغذائية.
وأكد المسؤول أن إعادة تأهيل الأراضي الزراعية المتضررة من الحروب عملية معقدة ومكلفة تتطلب وقتاً وجهداً كبيرين. موضحاً أن “هذه العملية، تشمل إزالة الألغام، ومعالجة التربة الملوثة، وإعادة بناء البنية التحتية الزراعية المتضررة”. واستدرك بالإشارة إلى أنه رغم المعالجات السابقة فإن عملية استعادة الأراضي الزراعية إلى حالتها الطبيعية تستغرق وقتاً طويلاً.
آثار سلبية طويلة الأمد
وبحسب المسؤول الزراعي، تعتبر الحروب كارثة حقيقية للزراعة والأمن الغذائي. فبالإضافة إلى الدمار المادي والبشري، تترك الحروب آثاراً سلبية طويلة الأمد على الأراضي الزراعية والمزارعين. موضحا أن إعادة تأهيل الأراضي الزراعية يتطلب جهوداً متكاملة من قبل المجتمع الدولي، والجهات الحكومية المعنية، والمنظمات غير الحكومية المحلية والدولية.
أما المهندسة الزراعية تيسير السنحاني فترى أن التغيرات المناخية أثرت على التربة الزراعية في اليمن بشكل كبير، مشيرة إلى أن كميات هطول الأمطار وتوزيعها يؤدي إلى تدهور التربة، في حين يؤدي الجفاف المتزايد إلى فقدان التربة خصوبتها.
وأوضحت السنحاني لمنصة “ريف اليمن” أن “زيادة درجات الحرارة تؤثر سلباً على نمو المحاصيل، وتؤدي إلى انخفاض الإنتاجية، وزيادة تبخر المياه من التربة، وذلك يشكل تهديداً كبيراً للزراعة، ويفاقم انعدام الأمن الغذائي مما يتطلب إستراتيجيات فعالة للتكيف والتخفيف من آثارها”.
وتشير دراسة حديثة حول تأثيرات التغيرات على التربة إلى أنّ تغير المناخ يستغرق فترة طويلة من الزمن على مراحل بطيئة تتضمن حدوث تغيرات طفيفة نسبياً، مثل تلك التغيرات التي تتعرض لها درجات الحرارة، ومعدلات هطول الأمطار.
وبحسب الدراسة التي نشرتها مجلة (MOJ Ecology & Environmental Science) فإنّ تلك التغيرات -رغم بطئها- إلا أنها تؤثر على مختلف العمليات المتعلقة بالتربة، وحالتها وصحتها، إلى جانب خصوبتها.
وأكدت الدراسة أنّ أبرز الظروف ذات العلاقة بالتغير المناخي -والتي تؤثر على خصوبة التربة- تتمثل في زيادة نسب ثاني أكسيد الكربون، وارتفاع درجة حرارة التربة، وتغير رطوبتها، مشيرة إلى أنّ ظاهرة تغير المناخ تساهم في إفقاد التربة لمعادنها، ما يؤدي لإفقاد خصوبتها، ويدفع المزارعين إلى اللجوء لاستخدام كمياتٍ كبيرة من الأسمدة المعدنية لتعويضها.
وإلى جانب تأثر التربة بسبب الحرب، والتغيرات المناخية، تعاني محافظة صعدة كذلك من شح المياه، إذ قال مدير عام مكتب الزراعة والري زكريا المتوكل -في تصريحات سابقة- إن “حوض صعدة المائي مهدد بالجفاف، ويتعرض للاستنزاف الشديد والحفر العشوائي للآبار، والذي يتم استنزافه في ريّ أشجار شجرة القات”.
ونتيجة لتلك العوامل، تراجع إنتاج الحبوب بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. ووفقًا لتقرير المستجدات الاقتصادية والاجتماعية في اليمن لعام 2022، الصادر عن وزارة التخطيط، تراجع إنتاج الحبوب من 1.013 مليون طن عام 2010 إلى 345 ألف طن عام 2018، أي بنسبة تجاوزت 65%.
ويعد اليمن، -وفقاً للبنك الدولي- أحد أكثر بلدان العالم تضرراً من التغير المناخي، حيث يعيش ما يقرب من 60% من سكانه تحت خط الفقر، ويعانون من سوء التغذية. وتشير التقديرات إلى أن نحو 17 مليون يمني يواجهون الجوع وانعدام الأمن الغذائي المزمن.