في يومها العالمي الذي يصادف الـ15 من أكتوبر كل عام، لا تزال المرأة الريفية في اليمن تواجه تحديات وصعوبات كثيرة، وتتحمّل مشاقّ الحياة ومسؤولية توفير الغداء، والقيام بأعمال كانت حكرا على الرجال، هذا من دون حصولها على أبسط الحقوق الأساسية مثل التعليم والصحة والعمل المناسب.
المرأة الريفية والحياة الشاقة
وإلى جانب ذلك، تتعرض المرأة الريفية لانتهاكات كثيرة تحت ذريعة التقاليد والأعراف، كالحرمان من التعليم، أو المنع من الزواج، أو الزواج القسري، وكلها انتهاكات تنتشر في الأرياف بشكل متزايد، وذلك بسبب الجهل وغياب الوعي، والوضع الاقتصادي الذي تمرّ به البلاد، تحت تأثير الصراع المستمر منذ نحو عشر سنوات.
ووفقا لبيانات صادرة عن منظمات دولية وحكومية، تتزوج نحو 14% من الفتيات اليمنيات دون سن 15 عاما، في حين يوجد أكثر من مليوني طفل خارج المدرسة، والغالبية العظمى من هؤلاء الأطفال من الفتيات، كما يُقدّر أن ما يصل إلى 12.6 مليون امرأة بحاجة إلى خدمات الحماية والصحة الإنجابية المنقذة للحياة.
مواضيع مقترحة
المرأة الريفية بمواجهة أعباء الحرب في اليمن
المرأة الريفية.. حرمان من أبسط الحقوق
نساء ريف تعز.. ضحايا الاحتطاب وغياب الخدمات
تقول المحامية والحقوقية إشراق المقطري: “ظاهرة الزواج القسري تتوسّع بسبب سيطرة العادات القاسية في بعض المناطق الريفية، وفي أوقات معينة تبرز هذه الظاهرة نتيجة لغياب معيل الأسرة، وللظروف المعيشية الصعبة في الأرياف دور مهم في تفشي هذه الظاهرة بشكل كبير”.
وتقترح المقطري في حديثها لمنصة ريف اليمن عددا من الإجراءات للحدّ من هذه الظاهرة وغيرها من مظاهر العنف القائم على المرأة الريفية، منها إعادة تفعيل آليات وقوانين الحماية الاجتماعية التي كانت تحصل عليها النساء، مثل العون القانوني والتمكين الاقتصادي.
بالإضافة إلى تفعيل بعض النصوص القانونية المغيبة كقوانين تحريم أشكال العنف الاجتماعي وإلغاء القوانين التمييزية ضدّ النساء وتحديد سن معين للزواج، وكذا قانون هيئة الشرطة الذي ينص على سلامة وأعراض وكرامة النساء.
ونتيجة حتمية لغياب هذه الإجراءات، تصبح كثير من الفتيات ضحايا الزواج القسري كـأسماء عبد القادر التي أُجبرت على الزواج وهي في سن الـ14، وبسببه حُرمت من طفولتها وإكمال تعليمها، وتحملت مسؤولية تفوق طاقتها.
تقول أسماء (اسم مستعار) المنحدرة من قرية العُدين في مدينة إب: “لأني كنت طفلة لا أفقه مسؤولية الزواج ولا الحقوق والواجبات الزوجية، لم تمض سوى ثلاثة أشهر حتى تأججت المشكلات وتتابعت، وأصبحت حياتي أشبه بالجحيم”.
مشكلات نفسية
وتتذكر شقيقتها الكبرى (43 عاما) ذلك الموقف وتقول: “أتذكر تلك اللحظات حينما كانت تأتي أختي إلى منزلي كل أسبوع لتبكي من جحيم زواجها، كانت أختي صغيرة حينها لا تعلم بما عليها من التزامات، كانت ما تزال تحب اللعب كثيرا، وتشكو لي من سوء معاملة زوجها لها طوال حديثنا”.
وتضيف لمنصة ريف اليمن: “الأمر الذي قهرني كثيرا أنها توقفت عن تعليمها عقب زواجها، وقد كانت متفوقة في المدرسة. لم أستطع أن أفعل شيئا سوى مواساتها وتجفيف دموعها”.
ويتسبب الزواج القسري بمشكلات نفسية كثيرة، كما يؤكد الاختصاصي النفسي وديع محمد، وقد قال: “يمكن أن يؤدي الزواج القسري إلى شعور الفتاة بالعجز وفقدان السيطرة على حياتها، وهو ما يعزز الإحساس بالقلق والاضطراب المستمر، ويمكن في هذه الحالة أن تُحرم الفتاة من حقّها الأساسي في اتخاذ قرارات حياتها الشخصية، مما يؤدي إلى ضعف في شخصيتها”.
ويضيف محمد الذي يعمل في مركز خدمات الشباب لمنصة ريف اليمن: “العيش في علاقة زوجية مفروضة يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة، كما أن الفتاة قد تجد نفسها عالقة في علاقة لا تشعر فيها بالأمان أو الراحة، مما يزيد من احتمالية تعرضها للعنف الجسدي أو النفسي”.
“إن الزواج القسري غالبًا ما يعزل الفتاة عن مصادر الدعم الاجتماعي، مثل الأصدقاء أو العائلة، وهذا العزل يزيد من الشعور بالوحدة والإحباط، فتصبح غير قادرة على التعبير عن مشاعرها أو طلب المساعدة في مواجهة التحديات”، يضيف محمد.
ويردف: “من المهم أيضًا أن ندرك أن الزواج القسري لا يؤثر على الفتاة في الوقت الحالي فقط، بل يمكن أن يكون له تداعيات طويلة الأجل على صحتها النفسية والعاطفية، ويمكن أن يتسبب في مشكلات في علاقاتها المختلفة كصعوبات في التعامل مع الأبناء في المستقبل”.
ظاهرة متجذرة
ويتطلب التعامل مع هذه المشكلة، بحسب الاختصاصي النفسي وديع محمد، توفير دعم نفسي وعاطفي مستمر للفتيات، بالإضافة إلى تعزيز الوعي بأهمية الحرية الشخصية وحقوق المرأة، والخضوع لجلسات علاجية عدة تختلف مدتها حسب قابلية شخصية الفتاة نفسها ما بين أسابيع وأشهر.
الناشطة المجتمعية المهتمة بالمرأة شيماء رمزي تقول: “يأتي اليوم العالمي للمرأة الريفية كل عام والمرأة الريفية اليمنية تعاني الويلات، فالعنف القائم ضد المرأة، لا سيما في المجتمعات الريفية ليس وليد اللحظة، بل ظاهرة متجذرة منذ قديم الزمان”.
وتضيف رمزي لمنصة ريف اليمن: “تتعدد أشكال العنف القائم ضد المرأة الريفية بين العنف المباشر كالضرب وغير المباشر كالزواج القسري”، وتدعو أعيان ووجهاء القرى ومدراء المديريات للوقوف ضد هذه الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة في الريف.
وتؤكد أن زيادة الوعي في القرى والمناطق الريفية أمر ضروري للتقليل من هذه الظاهرة، ويمكن ذلك بإقامة مبادرات توعوية، وعمل ورش عمل مشتركة، لإبراز الحقوق المغيبة، وعمل مجالس توعوية للآباء، وإبراز قصص نجاح وكفاح للمرأة الريفية وتوضيح الحقوق والواجبات والقوانين التي قد تحد من هذه الظاهرة.