شهدت عدد من المحافظات اليمنية كوارث طبيعية وفيضانات مصاحبة لموسم الأمطار لهذا العام 2024، وسببت خسائر بشرية ومادية كبيرة، ما يستدعي من الجهات المختصة مواجهة ذلك ببناء السدود والحواجز وفق معايير ومواصفات عالية، استفادةً من المياه وحماية للمواطنين.
ورصدت منصة ريف اليمن، وفاة وفقدان 202 شخصاً في سبع محافظات يمنية خلال 5 أسابيع من أواخر يوليو حتى نهاية أغسطس، ولا توجد إحصائية شاملة لضحايا الفيضانات. ويحتاج المزارعين اليمنيين لوسائل تخفف من هذه الكوارث وتأتي السدود والحواجز، من أبرز الحلول لتخزين المياه ومنع التدفق الهائل للسيول.
وألحقت الفيضانات التي واجهتها اليمن بسبب الأمطار الغزيرة في أغسطس/آب 2024، أضراراً جسيمة بالمجتمعات الزراعية حيث بلغت المساحة المتضررة من الفيضانات 341,296 هكتارًا، وبلغ عدد السكان المتأثرين بشكل مباشر 210,084 فردًا، كما أن مساحة الأراضي الزراعية المتضررة: 98,726 هكتارًا وبالنسبة للثروة الحيوانية، تأثر 279.400 من المجترات (الأغنام والماعز). وفق تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو).
أوضاع مأساوية
وقال عادل ثامر المسؤول الإعلامي بجمعية الهلال الأحمر اليمني: “الأمطار والسيول سببت أوضاعا إنسانية مأساوية في الحديدة ومحافظات أخرى، وكان حجمها وآثارها فوق مستوى قدرات السلطات المحلية”.
وأضاف ثامر في حديث لمنصة ريف اليمن، أن ذلك انعكس سلبا على جهود الاستجابة الإنسانية الطارئة للمتضررين والضحايا، خصوصا مع وفاة وإصابة المئات وتشرد عشرات الآلاف من منازلهم.
مواضيع ذات صلة
الفيضانات تعمّق جراح اليمنيين
سيول وصاب.. قُرى منكوبة والسكان بحالة صدمة
تعز.. الفيضانات تُخلف خراب في الأراضي الزراعية
المزارع سعد علي (65 عاما) أحد المواطنين الذين عاشوا لحظات عصيبة ومأساوية بعد أن اجتاحت السيول منزله وأرضه الزراعية في مديرية حيس بمحافظة الحديدة، وحولته في لحظات إلى معدم ومحبط وعاجز عن فعل أي شيء.
يقول سعد لمنصة ريف اليمن: “كنا نبتهل إلى الله بأن يمنّ علينا بالأمطار، لكنها تحولت إلى نقمة، وكلفتنا أثمانا باهظة، ربما لن نستطيع تعويض ذلك في ظل الوضع الاستثنائي الذي تمر به البلاد، لا سيما أننا نعيش في مناطق قريبة من الاشتباكات، ما أثر سلبا على جهود الإغاثة والإسناد للضحايا، ناهيك عن أن التطلع إلى التعويضات أمنيات بعيدة المنال”.
الحواجز والسدود حلول ممكنة
ويرى المهندس محمد هبة أن أفضل ما يمكن فعله لمواجهة آثار السيول والفيضانات السنوية في تهامة والمحافظات الأخرى هو بناء سدود وحواجز مائية حديثة، وخزانات تكون قادرة على استيعاب هذه الكميات من المياه.
وقال هبة لمنصة ريف اليمن: “الحواجز والسدود ستفيد في حفظ أرواح الناس وممتلكاتهم، وفي ري الزراعة وتحقيق الأمن الغذائي في بلد يُعد من أكثر دول العالم فقرا مائيا، ويعتمد على الاستيراد في تأمين معظم احتياجاته الأساسية”.
الخبير الزراعي يحيى مشولي المنحدر من محافظة الحديدة قال: “من شأن بناء السدود والحواجز المائية توسيع رقعة المساحات المزروعة، والحد من التصحر، وتأمين الحماية للناس وممتلكاتهم وأراضيهم وأرواحهم من خطر الفيضانات والسيول التي خلفت خسائر كارثية مؤخراً في الحديدة وكثير من المحافظات اليمنية”.
وأضاف مشولي لمنصة ريف اليمن: “تساقط الأمطار بهذه الغزارة في غير فصل الصيف، وفي منطقة تهامة على وجه التحديد، من الأشياء غير المعهودة، وأيا كانت الأسباب، فقد باتت اليمن على غير العادة تشهد ازديادا ملحوظا في نسبة هطول الأمطار، ما يجعل التفكير في العودة إلى ثقافة السدود أمرا في غاية الأهمية”.
حماية ومنافع
ومن الجدير بالذكر أن اليمنيين القدامى أدركوا أهمية السدود للحفاظ على المياه والاستفادة منها في الزراعة، وكانت تُعدّ من أهم عوامل ازدهار الحياة الزراعية، ناهيك عما تمثله من أهمية قصوى لحماية التربة من الانجراف.
ويؤكد المهندس المعماري أحمد سعد نواس أن السدود والحواجز المائية تعتبر من الحلول الجذرية للمشكلة ولها منافع جمّة، ولكنّ لإنشائها شروطا ومعايير، وإلا فستتحول إلى مشكلة مستقبلا، وستحوي كثيرا من المخاطر والتحديات.
ويوضح نواس وهو متخصص في ترميم المعالم الأثرية، فوائد بناء السدود والحواجز، فيقول: “إلى جانب حمايتها للمواطنين وممتلكاتهم، تُسهم السدود في التغذية الجوفية للمياه في باطن الأرض، وفي الحد من انجراف التربة ومنع التصحر ووقف زحف الكثبان الرملية”.
وأضاف في حديثه لمنصة ريف اليمن: “وإذا كان للسدود فوائد، فإن لها أخطارا؛ إذ إنها تحجز أطنانا من المياه، لذا يجب صيانتها بانتظام، حتى لا تتعرض للانهيار وتسبب كوارث كبيرة جدا”، وقد نوّه إلى ضرورة تجنب الأخطاء في البناء والتسليح ودراسات التربة التي تبنى فيها السدود.
وتابع: “قد تحدث أخطاء وقت التنفيذ في عملية صب الخرسانة والوصلات الاستنادية، وفي حساب منسوب الفيضان، وفي حساب تحمل جسم السد الزلازل الأرضية، ناهيك عن آثار بقاء المياه راكدة في السدود لفترات طويلة، الأمر الذي يتطلب دراسات علمية دقيقة وتنفيذا جيدا ومثاليا لهذه المشاريع، ومن دون ذلك تكون المعالجات سطحية، وربما تؤدي إلى كوارث مستقبلية”.
ويوضح المهندس نواس أن اليمنيين القدامى أبدعوا في بناء السدود، وشيّدوها وفق المواصفات الهندسية المناسبة، فكانت ثمار ذلك ظهور حضارات عظيمة لا تزال آثارها ومآثرها إلى يومنا، مشدّدا على أهمية إعادة إحياء هذا التراث حاليا للاستفادة من المياه المهدورة، وللتغلب على كثير من التحديات والمخاطر، إضافة الى بناء نهضة زراعية حقيقية.