في ظلّ التغيرات المناخية المتسارعة، يواجه المزارعون في اليمن كثيرا مِن التحدّيات التي أثّرت بشكل كبير على محاصيلهم وسُبل عيشهم، وكبّدتهم خسائر متفاوتة في السنوات الماضية، ما يطرح تساؤلات حول إمكانية تحديث الأنظمة الزراعية وتغيير أو تعديل مواسم الزراعة، لتتناسب مع هذه التغيرات.
يتميز التقويم الزراعي في اليمن بالثبات التاريخي، وتُعدّ المعالم الزراعية دستورا زراعيا يسير عليه جميع المزارعين في سلوكياتهم وأعمالهم المرتبطة بالزراعة مِن البذر أو الحصاد أو المواشي أو المراعي أو المحاصيل، إلا أن التغيرات المناخية بدأت تؤثر بشكل ملحوظ في هذا النظام، ما يستوجب إجراء دراسات للبحث عن حلول، لتفادي أضرار هذه التغيرات المناخية.
مواضيع مقترحة
ما علاقة انتشار الآفات الزراعية بالتغير المناخي؟
الحرب وتغير المناخ يقلّصان الثروة الحيوانية في الضالع
تحديات مناخية وبيئية تُنذر بانحسار الزارعة في ضواحي صنعاء
مواسم ثابتة
يقول الصحفي المتخصّص في العلوم والبيئة عمر الحياني: “إن المواعيد الزراعية ثابتة في تاريخ اليمن الزراعي منذ قرون، وتستمد تلك المواعيد ثباتها من ارتباط التقويم اليمني الزراعي بدوران الشمس، وهذا التقويم يُتوارث من الأسلاف حتى يومنا هذا، ولكن يُلحظ أن تأثير التغيرات المناخية على هذه المواعيد أصبح واقعا يشاهده المزارع الذي بات بحاجة لإرشاد وتوجيه”.
ويضيف الحياني لمنصة ريف اليمن: “بروز التغيرات المناخية سبّب تغيرا في مواسم الأمطار ودرجة الحرارة والصقيع والرطوبة، وهذا أثر على الزراعة ومحاصيلها بشكل كبير، وأصبح إجراء تغيير أو تعديل في المواعيد الزراعية أمرا مهما لتفادي ذلك، ويجب أن ترتبط بإرشادات من وزارة الزراعة والأرصاد مستندة لدراسات وأبحاث علمية ومراكز أرصاد زراعية”.
ويشير الحياني إلى أن التغيرات المناخية دفعت مصر إلى إنشاء مراكز أرصاد زراعية، وعلى ضوئها، أُخّرت مواعيد زراعة القمح من أكتوبر إلى ديسمبر، موضحا أن ارتفاع الحرارة بدرجة واحدة يؤثر على أشجار اللوزيات في جبال صنعاء، ومن الملاحظ أن التزهير بات مبكّرا على عكس ما كان يحدث في الماضي بسبب الشتاء القارس الذي أصبح الآن يميل إلى البرودة النسبية والدفء.
أشجار العنب أيضا أصبحت بحاجة إلى تقليم مبكّر بحسب الحياني، وهذا على عكس ما كان يحدث سابقا نظرا لقصر موسم البرودة، وكذلك الذرة الرفيعة في وديان إب والمحويت وذمار وتعز وغيرها تأثرت سلبا، وقلّ إنتاجها بسبب التغير في المناخ ومواسم سقوط الأمطار.
ويواجه اليمن تحديات وصعوبات هائلة، منها التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة، وتغير أنماط هطول الأمطار، والظواهر الجوية المتقلبة التي تسبّب دمارا في البيئة وتؤثر على سبل العيش وصحة الأفراد، ولا توجد أجهزة حديثة تقوم برصدها، ويكتفي المزارعون بالنشرات التحذيرية التي يصدرها مركز الأرصاد الجوية.
الدكتور محمد مساعد، الخبير بالمناخ في مركز الارصاد الجوية اليمنية، قال لمنصة ريف اليمن: “إن التغيرات المناخية صارت حقيقة واضحة وملموسة، وأثبتت الدراسات التي نفّذتها الأرصاد الجوية أن هناك مناطق غادرتها أشهر الاعتدال وصارت مناطق حارّة، مثل تعز التي ارتفعت فيها درجة الحرارة الصغرى”.
التكيّف مع تغير المناخ
ويضيف مساعد: “نتائج التغيرات المناخية المباشرة وغير المباشرة لن تظهر بين ليلة وضحاها، بل تحتاج إلى سنين، وسيترتب على هذه النتائج تغيرات في حياة المجتمعات المحلية الزراعية والصناعية والاجتماعية، ونحن وجّهنا دعوة قبل خمس سنوات مِن الآن إلى ضرورة إعداد خارطة طوارئ مناخية تشترك في تنفيذها مؤسسات الدولة المختلفة ومنظمات المجتمع المدني، ونتمنى أن تجد تفاعلا وبدءا في التنفيذ”.
وعن إمكانية تغيرات الخارطة الزراعية في اليمن، قال مساعد: “دورنا حاليا محدّد بإعطاء نشرات يومية بحالة الطقس والتحذيرات من الأمطار الغزيرة والصقيع، وليس لدينا دراسات أو بحوث تؤكّد إمكانية عمل التغيرات للخارطة الزراعية بشكل واضح، ومثل هذه الأبحاث تختص بها هيئة البحوث الزراعية”.
وبحسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ستشهد اليمن واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والتنموية بسبب تغير المناخ، مما سيؤدي إلى تصاعد درجات الحرارة وزيادة في تكرار موجات الجفاف والأمطار الغزيرة، وكلها عوامل ستؤثر سلبًا على الإنتاج الزراعي والتنمية الاقتصادية وتزيد من معدلات الفقر.
وعلى المدى الطويل، سيؤثر تغير المناخ سلبًا على صحة وتغذية السكان، وسيكون تغير المناخ مسؤولاً عن أكثر من 121 ألف حالة وفاة بحلول عام 2060، فيما تُقدّر التوقعات أن إجمالي الناتج المحلي المفقود هو 93 مليار دولار حتى عام 2060 إذا لم يُتخذ أي إجراء ضد تغير المناخ في اليمن.
مها البعداني، متخصصة في تطوير برامج سبل المعيشة وبرامج التكيّف مع تغير المناخ، تشير إلى أن منظمات المجتمع المدني لها دور حيوي في دعم المزارعين في اليمن للتكيف مع تأثيرات تغير المناخ.
وتشمل جهود هذه المنظمات، كما تقول البعداني، التوعية والتدريب على تقنيات الزراعة المستدامة، ونشر تقنيات مثل الزراعة المطرية والبذور المحسنة، وتقديم تمويلات صغيرة لتبني أنظمة ري حديثة وطاقة شمسية. كما تعزّز هذه المنظمات التعاون المجتمعي لمواجهة التحديات المناخية بشكل جماعي.
ويقول المهندس الزراعي عبد الحميد العزي: “إن التغيرات أثرت على الزراعة بشكل كبير، وموضوع استقرار المناخ يحتاج إلى وقت طويل نسبيا، ومن المهم التكيف معها والعمل على مواجهتها بتقنيات متاحة”.
وبحسب الزراعي، التقنيات كثيرة، منها العلمية ومنها الشعبية أو ما تُسمى “الرعوية”، فمن العلمية استخدام البيوت المحمية لزراعة الخضار أو بعض الفواكه مثل الفراولة، أو استخدام بعض الهرمونات الزراعية للمساعدة على نمو النبات مثل هرمونات “الجبرلين”.
حلول مقترحة
ومن الطرق العلمية أيضا استخدام أصناف زراعية مقاومة لظاهرة الرقاد التي تسببها الرياح للمحاصيل النجيلية مثل الذرة الشامية والرفيعة والقمح، والرقاد ظاهرة تسبب سقوط النبات، وتؤثر على المحصول وتزيد من معدل الهدر والفاقد في حجم الإنتاجية المتوقعة بنهاية الموسم، وتسبب خسائر اقتصادية كبيرة. ومن الطرق الشعبية رش النباتات بالماء الدافئ أيام الشتاء، حتى لا تصاب بالصقيع كما يعمل مزارعو القات.
ويواجه الأمن الغذائي في اليمن تحديات متعددة، وكلها تتفاقم بسبب تغير المناخ. ويعتبر القطاع الزراعي المصدر الرئيسي للإنتاج الغذائي المحلي وجزءًا بالغ الأهمية في تعزيز الأمن الغذائي في بلد يعاني من الجوع على نطاق واسع، ويستورد حوالي 85٪ من غذائه.
المهندس عبد الإله خليل، أحد ملاك مزارع اللوز في مديرية بني مطر بمحافظة صنعاء، يذكر أن التغير المناخي كان ملموسا في آخر ثلاث سنوات ماضية، وتمثل في أن هطول الأمطار في الصيف لم يعد كما كان، وخلال صيف 2024 لم تكن هناك أمطار إلا نادرا، مما أدى إلى تأثر المحصول بشكل كبير، سواء بانخفاض حجم الحبة أم قلة عقد الثمار بشكل صحيح.
ويضيف خليل لمنصة ريف اليمن: “لوحظ ارتفاع معدل الأمطار في فصل الخريف (يوليو وأغسطس)، لكن الاستفادة من هذه الأمطار قليلة، وقبلها يُجنى محصول اللوز مثلا، وعلاوة على ذلك تسبب انتشار الأمراض الفطرية، ما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج كالمبيدات والأيدي العمالية وعمرها”.
ويلفت إلى أن التغير الحاصل في درجة الحرارة يجعل أشجار اللوز تتفاوت في موعد الخروج من طور السكون، مما يؤدي أيضا إلى تفاوت في موعد الإزهار، مما يقلل من فرص التلقيح وعقد الثمار.
وعن الحلول الممكنة لتفادي ذلك، قال المهندس الزراعي عبد الإله خليل: “حاليا هناك سقي تكميلي في فصل الصيف لسد فجوة قلة الأمطار في الصيف، لكن الحلول الجذرية غائبة، والأشجار لم تتمكن من التأقلم التام مع التغيرات، ونلحظ غياب الاهتمام بمحصول اللوز مع أنه محصول نقدي، وجودته يمكن أن تنافس عالميا”.
ويشدد اختصاصي تقييم الأثر البيئي، المهندس الزراعي محمد الوصابي، على أهمية تكيّف المزارعين مع التغيرات المناخية بطرق متعددة كالزراعة المحمية لحماية المحاصيل من الظروف الجوية والتغيرات المناخية، والتوجه نحو الزراعة المستدامة، واستخدام الزراعة المائية، وهي مفيدة جداً في ظلّ هذه التغيرات المناخية، ومنتجاتها ذات جودة”.
ويلفت إلى أن البيوت المحمية تفيد الزراعة في أنها تحمي المحاصيل والنباتات من تقلبات الطقس مثل الحرارة الشديدة والبرد القارس والأمطار الغزيرة والرياح، وكذلك تحمي المحاصيل من التلوث، وتمنع الحشرات والآفات الزراعية من الدخول، كما أنها تعمل على مدار العام، وتوفّر المحاصيل بشكل شبه دائم، ولا تُستخدم فيها المبيدات، وتنتج محاصيل في غير موسمها بشكل طبيعي.
ومن الحلول التي يقترحها الوصابي لمواجهة التغيرات المناخية: الزراعة الهوائية، الري بالتنقيط، اختيار المحاصيل المقاومة للجفاف في المناطق الجافة، تحسين جودة التربة باستخدام الأسمدة العضوية لتحسين خصوبتها وزيادة قدرتها على الاحتفاظ بالماء، وغيرها من الطرق التي قال إنها تتطلب تعاونا وتكاتفا بين المزارعين والمجتمع العلمي ومؤسسات الدولة لتطبيقها وضمان استمرارية الزراعة حتى في ظل الظروف المناخية القاسية.