ذوي الإعاقة في الأرياف.. الأكثر تهميشا بالمجتمع

عدد المعاقين في اليمن لايقل عن 4 ملايين وفقا لمنظمة العفو الدولية

ذوي الإعاقة في الأرياف.. الأكثر تهميشا بالمجتمع

عدد المعاقين في اليمن لايقل عن 4 ملايين وفقا لمنظمة العفو الدولية

في الوقت الذي عاد فيه ملايين الطلاب والطالبات إلى فصولهم الدراسية مع بداية العام الدراسي الجديد، يقبع الطفل سامي أمين (13 عاما)، وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة ويعاني من التوحّد، جوار والديه في ريف مديرية السياني بمحافظة إب، وذلك بسبب غياب مراكز التأهيل والتدريب والمدارس الخاصة بهم في المناطق الريفية.

يقول والد سامي وهو موظف حكومي لمنصة ريف: “غياب المدارس الخاصة بتعليم ورعاية الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة في الأرياف، منع طفلي من الالتحاق بالتعليم، وصعّب من عملية دمجه في المجتمع”.

ويضيف: “ذهبتُ بسامي إلى مدرسة القرية وهي مدرسة حكومية عامة لتسجيله، إلا أن مديرها نصحني بأن المدرسة العامة غير مناسبة، وحثّ على تسجيله في إحدى المدارس التابعة للجمعيات الخيرية المتخصصة في المحافظة، ولكن صعوبة الحياة المعيشية حالت دون ذلك”.

ذوي الإعاقة في الأرياف

الطفل سامي نموذج للملايين من ذوي الإعاقة في اليمن، الذين يعانون من صعوبة في التعليم والاهتمام، وغياب كثير من حقوقهم، وبحسب تقرير منظمة العفو الدولية 2019، لا تقل نسبة الذين يعانون من الإعاقات في اليمن عن أربعة ملايين نسمة، في وقت قدّرت فيه منظمة الصحة العالمية نسبتهم بنحو 15% من إجمالي عدد السكان في الدول النامية.

ويسهم غياب الإحصاءات الرسمية لذوي الاحتياجات الخاصة في المناطق الريفية في حرمانهم من حقّهم في الحصول على بطاقة إعاقة لتسهيل حصولهم على الرعاية الصحية والتعليمية، ويرجع عدم تسجيلهم إلى بعد الريف، وغياب الوعي لدى أولياء الأمور الذين يفضلون الامتناع عن تسجيل أبنائهم في صندوق الرعاية الاجتماعية.


       مواضبع مقترحة


يقول الأمين العام لجمعية رعاية وتأهيل المعاقين حركياً فهيم القدسي: “إن ذوي الاحتياجات الخاصة يعانون من صعوبات كثيرة في التعليم والصحة وإذكاء الوعي، كما أنهم يواجهون صعوبة في التنقل والتحرك بشكل سلس وسهل بين المرافق الخدمية، سواء في عواصم المحافظات أم القرى الريفية”.

وعن دمج ذوي الإعاقة في المدارس، أوضح القدسي لمنصة “ريف اليمن”، “أن كثيرا من هذه المدارس ذات مبان غير ملائمة، وهو ما يحول دون استقبال ذوي الإعاقة الحركية، كما أن غياب معلمين بلغة الإشارة يصعّب من عملية تعليم ذوي الإعاقة السمعية، ويلفت إلى وجود مدرستين فقط في أمانة العاصمة، وهي مدارس دمج منعزلة عن المجتمع”

وأضاف: “اليمن تفتقر إلى وجود إحصاءات دقيقة، وما تنشره المنظمات الدولية أرقام غير دقيقة، لا تتفق مع الواقع الفعلي، أما نسبة الأشخاص من ذوي الإعاقة المحرومين من التعليم، فكبير جدا، وخاصة في الأرياف”.

ذوي الإعاقة في الأرياف.. الأكثر تهميشا بالمجتمع
يعاني ذوي الإحتياجات الخاصة في المناطق الريفية من تحديات كبيرة (يونيسف 2020)

وأكد الأمين العام لجمعية رعاية وتأهيل المعاقين حركياً، فهيم القدسي، أن ذوي الاحتياجات الخاصة في المناطق الريفية هم الأكثر حرمانا وتضررا، ومحكوم عليهم بـ”الموت البطيء”؛ لأنهم معزولون ومحرومون من جميع الخدمات، إلا من كان له ولي أمر على قدر من الوعي، يهتم به ويأخذه إلى المدرسة ويتابع حالته محاولا بقدر الإمكان إفادته في الحياة.


فهيم القدسي: اليمن تفتقر إلى وجود إحصاءات دقيقة عن ذوي الإعاقة، وما تنشره المنظمات الدولية أرقام غير دقيقة، لا تتفق مع الواقع الفعلي


وعن الصعوبات التي تواجه ذوي الإعاقة البصرية في الحصول على التعليم، قال القدسي: “تتمثل الصعوبات بانعدام الكتب المطبوعة بطريقة اللمس (لغة برايل). أما الأشخاص من ذوي الإعاقة الذهنية، فالأكثر تضررا، وذلك لغياب مدارس ومراكز لتعليمهم، ويغيب الاهتمام من وزارة التربية والتعليم لافتتاح مدارس ومراكز لتعليم هذه الفئة”.

وأشار إلى أن بعض الجمعيات توفّر سكنا للطلاب القادمين من الأرياف، وتتكفل بالسكن والتغذية والتعليم والتأهيل، وهذا شيء إيجابي، لكن ما زال هناك قصور كبير جدا فيما يخص المناطق الريفية، ولم يصل أحد إلى هذه الفئة، ويجب الاهتمام بها وإعطاؤها الأولوية، حتى تصبح نافعة للمجتمع.

معزولون عن العالم

ودعا الجمعيات والمنظمات الخاصة بذوي الإعاقة إلى أن تمارس نشاطها وواجبها في المناطق الريفية، ويشير إلى أن نشاط هذه الجمعيات يتركز في عواصم المدن، ومن النادر أن نسمع عن جمعيات تقدم خدمة لذوي الإعاقة في القرى الريفية، مع أنهم أكثر احتياجا، ويتمنى أن يمتد نشاطها وأهدافها ومشاريعها وبرامجها إلى هذه المناطق الريفية بشكل أساسي كبير.

أما حنان المطري، رئيسة جمعية الأمل لذوي الاحتياجات الخاصة في محافظة إب، فأكدت أن وضع ذوي الإعاقة في الريف صعب للغاية؛ إذ تنعدم عندهم الخدمات التعليمية والصحية وغيرها، وأغلب الأسر لا تستطيع نقل أولادها إلى مراكز المدن للدراسة، وإن فُتحت لهم فصول دراسية بالريف، فهي بحاجة إلى معلمين مختصين وبرامج خاصة، وكل فئة إعاقة تحتاج برامج خاصة بها.

وأوضحت المطري في حديثها لمنصة ريف اليمن قائلة: “الجمعية التي أرأسها حاولت تسهيل التعليم لذوي الاحتياجات الخاصة، وافتتحت مدرسة (نور الأمل)، وهي أساسية وثانوية، وتعمل على استقطاب الطلاب من ثلاث مديريات: الظهار والمشنة وجبلة، ولكن عدد الملتحقين من الريف قليل بسبب عدم وجود سكن خاص لدى الجمعية”.

ومن الصعوبات التي تواجه الجمعية، بحسب المطري، أن مبنى المدرسة صغير، ويجمع الصف الدراسي الواحد بين شعبتين دراسيتين، كل مستوى من الإعاقة ينفصل عن الآخر، وهناك طلاب في فصول مختلفة للصم وللتأهيل الحركي، وللإعاقة السمعية والحركية، فضلا عن صعوبات النقل؛ إذ يحتاجون إلى باصات، كما يحتاجون إلى أثاث مدرسي، وتشير إلى أن وضع الجمعيات العاملة في مجال الإعاقة صعب جدًا، والكادر العامل رواتبهم الشهرية قليلة جدا، تصل إلى 19 ألف ريال يمني (مايعادل 36 دولار).

وتؤكد المطري، أن نفقات الحافلات ونفقات التشغيل لا تغطي الاحتياج، والجمعيات واقعة في مديونيات، وجميع مدارس الإعاقة في مبان مستأجرة، وتواجه صعوبة في الحصول على أدوات للمعاقين، مثل: الكراسي المتحركة، السماعات، العكازات، ويضطر ولي الأمر إلى السفر إلى صنعاء للمركز الرئيسي لصندوق المعاقين للحصول على سماعة أو كرسي.

أطفال تعرضوا لإعاقة جسدية جراء الحرب في اليمن المستمرة منذ 2015

وعن المنهج الدراسي الذي يُدرّس في مدرسة نور الأمل، قالت المطري: “لا توجد مناهج خاصة بالأشخاص المعاقين، وإنما نكيّف المنهج بما يناسبهم. مشاكلنا كثيرة جدا، ومع ذلك ما زلنا نعمل دون توقف، وما لفت انتباهنا زيادة في أعداد المعاقين في الآونة الأخيرة”.


حنان المطري: وضع الجمعيات العاملة في مجال الإعاقة صعب جدًا، والكادر العامل رواتبهم الشهرية قليلة جدا، تصل إلى 19 ألف ريال يمني (ما يعادل 36 دولار)


ويتفق عبد الرحمن محمد القدسي، وهو مشرف تربوي في أمانة العاصمة مع حنان المطري، في أن بُعد ذوي الإعاقة عن مراكز المدن والجمعيات الخيرية جعل الناس منشغلين عنهم، وهو ما يجعل المعاق يستسلم لوضعه ويشعره بأنه معزول عن العالم.

دعوة للاهتمام

ومن وجهة نظر القدسي، فإن وجود سكن للطلاب من ذوي الإعاقة في المناطق الريفية إلى جانب مشرفين تربويين عاملين في السكن، يمكن أن يساعد هؤلاء الأطفال على التعليم، ويؤكد أن ذوي الاحتياجات الخاصة بحاجة إلى رعاية خاصة، وهذه الرعاية تسهل في المدن وتصعب في الأرياف.

وقال موضّحا: “ذوو الإعاقة في المدن تتوفر لهم حافلات تنقلهم إلى مدارسهم، وكراسي متحرّكة تساعدهم في الوصول إلى المدارس، لكن ذلك مفقود في الأرياف، وإن وجدت كراسي المعاقين المتحرّكة، فلا يوجد ممرات أو طرق معبدة تسهل سيرها، وسائل النقل متعبة لكاهل كثير من للأسر”.

الدكتور في علم الاجتماع محمود البكاري أكّد أن المعاقين أو ذوي الاحتياجات الخاصة ليسوا أقل قدرة ذهنيا ومعرفيا من بقية أفراد المجتمع؛ إذ الإعاقة هي إعاقة الإرادة والعزيمة، وليست الأطراف أو الحواس. ويلفت النظر إلى أن هناك كثيرا من العباقرة والمبدعين والنوابغ في مختلف المجالات من فئة المعاقين، لكن عندما يتجاهل المجتمع والجهات الرسمية هذه الحقائق ويتعامل بنظرة دونية مع المعاقين، يحدث نوع من الإحباط للمعاقين.

وأضاف البكاري الذي يعمل بجامعة تعز لمنصة ريف اليمن: “من هذا المنطلق، فإن المجتمع مطالب بأن يستثمر قدرات المعاقين بما يحقق مصالحهم، ليكونوا أعضاء فاعلين في المجتمع، لا سيما أن التشريعات تضمن للمعاقين الحق في المشاركة، وخاصة في مجال التعليم”.

وتنص المادة الرابعة من القانون رقم (61) لسنة 1999م بشأن رعاية وتأهيل المعاقين أن” لكل معاق حق التأهيل بدون مقابل والاستفادة من برنامج التأهيل المهني والرعاية الاجتماعية التي تقدمها مؤسسات ومراكز دور الرعاية وتأهيل المعاقين”.، كما تنص المادة الـ5 من ذات القانون على “تنشأ المعاهد والمؤسسات والهيئات والمراكز اللازمة لتوفير خدمات التأهيل للمعاقين(…)”.

ويشدّد على ضرورة دمج المعاقين في مجال التعليم بحسب نوع الإعاقة، وأنه يجب توفير الخدمات الأساسية اللازمة لتمكينهم من الالتحاق بالتعليم وتوفير الحوافز اللازمة وتشجيعهم على ذلك، سواء في الريف أم المدن، كما يجب نشر الوعي بأهمية الحفاظ على هذه الشريحة وتوعية المجتمع بأهميتها دورها في بناء وتنمية المجتمع.

يبقى ملف الإعاقة في اليمن بحاجة إلى التكاتف المشترك من قبل جميع الجهات المعنية المحلية منها والدولية، وكل فئات المجتمع من أجل تعزيز مبدأ العدالة لهذه الفئة التي تعد من أهم الفئات المجتمعية.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: