كخطوة لإيجاد مصدر للدخل، أنشأ المهندس الزراعي بشير أحمد، مطلع 2015م، مشتلا زراعيا في محافظة إب وسط اليمن، وبسبب الأوضاع التي مرّت بها البلاد، وتراجع الإقبال على الشراء، اضطر إلى نقله إلى محافظة تعز في محاولة لإنقاذه.
مشتل النورس جبل حبشي
لم ييأس بشير، بل بدأ تجربة جديدة في عام 2019م، وأسّس مشتل “النورس”، في مفرق جبل حبشي غرب تعز، وباشر الاهتمام به، وزراعة أنواع عدّة من الشتلات، والأشجار المثمرة، والزينة والظل، حتى أضحى من أكبر المشاتل في المنطقة.
وأصبحت المشاتل الزراعية من المشاريع الصغيرة التي يلجأ إليها اليمنيون، للحصول على فرصة عمل في ظل انتشار البطالة، وحرمان كثيرين من مصادر رزقهم، جراء النزوح، واستمرار الصراع.
يقول أحمد لمنصة ريف اليمن: “تكتسب المشاتل الزراعية أهمية كبيرة في التنمية الزراعية؛ لأنها المصدر الأساسي للتوسّع الزراعي وزيادة الإنتاج، وتُعتبر الشتلة هي النواة الأولى للغطاء النباتي، كما أنها تضيف منظراً جمالياً، وتكتسب أهمية بيئية، خصوصاً في ظل التغيرات المناخية التي تشهدها البلاد.
ويضيف: “موسم التشجير له دلالة كبيرة، ويعمل على نشر ثقافة زراعة الأشجار لدى المجتمع، وتوعيته بأهمية الشجرة والحفاظ عليها”، وينوّه إلى ما تكتسبه الشجرة من أهمية في حياة الإنسان والبيئة.
“لديّ محمية في المشتل لإنتاج البذور وتكاثر الشتلات، وأعتمد على طريقتين في زراعة البذور أو العُقل، وذلك بوضعها في صفائح الحديد، أو أكياس النايلون، بعد ملئها بالتربة الحمراء، والسماد العضوي، وعندما يصل طول النبتة إلى 15سم أو 20سم أخرجها إلى المشتل”، يقول بشير.
ويتابع: “أرصّ أكياس الشتلات بعضها إلى جانب بعض بشكل متناسق، وأغطيها بسقف بلاستيكي لعزلها عن المناخ الخارجي وحمايتها من العواصف والصقيع، وسقيها بالماء بشكل مستمر”، لافتاً إلى حبه لتنمية الثروة الزراعية بما يخدم الوطن.
وتعرضت معظم المشاتل والمزارع التابعة للدولة للتوقف عن العمل منذ عام 2015م بسبب الحرب، مما أدى لانتشار مشاتل القطاع الخاص وفقا لإدارة البستنة في وزارة الزراعة.
ويعتبر مشتل النورس من أكبر المشاتل الزراعية بمفرق جبل حبشي بمحافظة تعز، ويحتوي على عدد من الأشجار المتنوعة المثمرة، كالجوافة، والبُن، والبرتقال، والتفاح، والبلس، والخرمش، والرمان، وأشجار الزينة، كالونكا، واليوكا، والجهنمية، وأنواع الورود بالإضافة لأشجار الظل، كالجولي، وشجرة السرو التي تنبت بشكل عمودي.
ومنذ أسّس بشير المشتل الزراعي عام 2019، تمكن من إنتاج 5 آلاف شجرة جوافة من جميع الأصناف، وقد اشتراها وزرعها المواطنون بمناطق مختلفة من مديرية جبل حبشي، كما تمكن من إنتاج 6 آلاف نبتة من شجرة البُن كلها مزهرة، وأغلبها زُرع بمديرية المعافر في وادي ترس ومديرية المواسط بني حماد ومنطقة العين.
صعوبات وتحديات
ونجح في عام 2020 من تنفيذ مشروع زراعة 1400 شجرة بُن بالشراكة مع مؤسسة تنموية في مديرية المعافر، ويؤكد أن مشتل النورس له دور مهم في زراعة كثير من الأشجار بمدارس المحافظة، بالإضافة إلى مشاركته في مناقصات الصندوق الاجتماعي للتنمية، وتوزيع آلاف الشتلات في جميع المديريات منذ تأسيسه.
على الرغم من النجاحات التي حقّقها في الفترة الماضية، يواجه بشير ومعه كثير من ملاك المشاتل الزراعية عددا من الصعوبات والتحديات، أبرزها ضعف الإقبال على شراء أشجار الزينة من الورود والأزهار بسبب ضعف القدرة الشرائية للسكان.
يقول بشير أحمد لمنصة ريف اليمن: “أصيب القطاع الزراعي في اليمن بعدد من الأزمات، نتيجة للصراع الذي أنهك البلاد وقطاعاته المختلفة طوال تسع سنوات؛ إذ دُمّر عددٌ من الأسواق المركزية، وأغلقت الطرق بين المدن، مما أدّى إلى صعوبة في نقل المنتجات الزراعية وبيعها وتسويقها”.
ومن ضمن التحديات التي واجهها المهندس بشير في مسيرته الزراعية تكلفة تأسيس المشتل، المتمثلة بشراء خزانات وأكياس للشتلات، وشراء البذور، وتكلفة توصيل المياه على مسافة 500 متر من إحدى المضخات، وتركيب حاضنة للبذور وغيره.
وعن استخداماته للمبيدات، قال بشير: “نستخدم ما يقارب 10% للأشجار الحمضية فقط، أما الحشرات والآفات فنعمل لها مصائد، ونقوم بدفنها مثل القواقع والفراش”، منوها إلى أن العمل في المشاتل يحتاج كثيرا من الصبر والعناية، حد وصفه.
مشاتل صغيرة كمصادر دخل
وفي ظل غياب مشاتل القطاع العام التي تأثر بعضها، وتوقف البعض الآخر عن العمل الإنتاجي، بسبب تعرضها للتدمير نتيجة الحرب، فضلا عن إصابة القطاع الزراعي بعدة أزمات، لجأ كثير من المزارعين إلى إنشاء مشاتل خاصة بمختلف المحافظات اليمنية، بحسب الخبير الزراعي عبد الولي الوافي.
وقال الوافي لمنصة ريف اليمن: “الحرب أثرت على القطاع الزراعي، وفاقمت من معاناة المزارعين، وأصبح أغلبهم عاجزين عن توفير لقمة العيش، الأمر الذي دفعهم للجوء نحو تأسيس مشاتل صغيرة كمصادر دخل تساعدهم على توفير الغذاء”.
ويضيف: “أدى الصراع إلى تراجع الزراعة، فقد نزح أغلب المزارعين من مناطقهم الزراعية إلى مناطق آمنة، تاركين كل ممتلكاتهم”، مشيرا إلى أن نسبة الأضرار التي لحقت بالقطاع الزراعي تقدر بنحو 80%، وكل هذا أدى إلى عزوف المزارعين، ومعه توقف تصدير المنتجات الزراعية، وسبب تأثيرات على الأمن الغذائي في البلاد.
وبحسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، يعاني أكثر من 24 مليون شخص (83% من السكان) من انعدام الأمن الغذائي في اليمن. بالإضافة إلى ذلك، يحتاج أكثر من نصف الأطفال الصغار (51٪) إلى علاج سوء التغذية الحاد.