يشكو المواطن محمود سيف (52 عاماً) من تدهور وضعه المادي، وعجزه عن توفير الغذاء، أو أبسط الاحتياجات الضرورية لأفراد عائلته، في ريف تعز الغربي، نتيجة استمرار تداعيات الحرب التي عطلت كل مناحي الحياة للعام التاسع على التوالي.
يقول سيف لمنصة ريف اليمن: “قبل اندلاع الحرب، كنت أعمل في الزراعة، وكان المردود المالي جيدا، لكني اليوم أصبحت عاجزًا عن توفير الطعام لأطفالي، بسبب وقوع المزرعة على مقربة من خطوط التماس، بالإضافة لارتفاع أسعار الأسمدة والمشتقات النفطية”.
عجز عن توفير الغذاء
ويضيف: “منذُ اندلاع الحرب تحولت حياة المواطن الريفي إلى جحيم، معظم المواطنين يعتمدون على الحرف اليدوية، والزراعة ورعي الأغنام، ونتيجة لاستمرار الحرب يواجهون صعوبة كبيرة، وأصبحوا غير قادرين على توفير المتطلبات الأساسية”.
وبحسب المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، يعيش أكثر من 25.5 مليون يمني من أصل 30 مليونا إجمالي السكان، تحت خط الفقر، جراء تداعيات الحرب المستمرة منذ أكثر من سبع سنوات، مشيرة إلى أن السكان في اليمن هم بحاجة إلى دعمنا الآن أكثر من أي وقت مضى.
ونتيجة لهذا الوضع، يضطر كثير من السكان للبحث عن فرص للعمل لتوفير متطلبات الحياة اليومية، ومن بين هؤلاء، الطفل سليم الذي أجبرته الظروف على قطع أكثر من 12 كيلومترا من أجل الوصول إلى مدرسة الأشروح غربي تعز، من أجل بيع الآيسكريم للطلاب.
ينحدر سليم من قرية شبية بمديرية مقبنة غرب تعز، ويبلغ من العمر 13 عاماً، ويعيش أوضاعاً معيشية قاسية أجبرته على ترك تعليمه والخروج إلى أسواق العمل للبحث عن مصدر دخل لإنقاذ أسرته من شبح المجاعة، بعد أن عجز والده عن توفير متطلبات الحياة.
يقول سليم لمنصة ريف اليمن، إن الوضع المتدني والظروف المعيشية الصعبة التي تعيشها أسرته، بعد إصابة والده بمرض مزمن، أجبرته على العمل في بيع الآيسكريم، لإعالة الأسرة التي تضم 6 أفراد.
سكان ريف تعز
من جانبه قال الخبير الاقتصادي فارس النجار: “أن الأوضاع الاقتصادية أثرت على حياة المواطن اليمني، وبالأخص الريفي لأنه يعتمد على الزراعة بشكل رئيسي، خاصة مع ارتفاع المشتقات النفطية، الأمر الذي تسبب في انخفاض إنتاج المزارعين، وفي ترك كثير منهم عاجزين عن تأمين الغذاء لأفراد عائلاتهم”.
وأضاف لمنصة ريف اليمن: “المواطنون في الأرياف يعلمون في القطاع الزراعي، وهذا القطاع شهد تراجعا كبيرا، لأسباب طبيعية ناتجة عن شحة الأمطار والتصحر الذي يجتاح الأراضي الزراعية، أو العوامل الاقتصادية، وكلها عوامل فاقمت معاناتهم”.
وبحسب الاقتصادي النجار فإن الانهيار الكبير في قيمة العملة المحلية، جعل غالبية المواطنين غير قادرين عن تأمين الغذاء وسط مخاوف من تفاقم الأزمة الإنسانية وظهور المجاعة في عدد من المناطق الريفية.
تحذيرات أممية
وحذرت ثلاث منظمات أممية من أنّ اليمن لا يزال أحد البلدان الأشد تعرضًا لانعدام الأمن الغذائي في العالم، ويعزى ذلك بصورة رئيسية إلى أثر الصراع والتدهور الاقتصادي.
إلى جانب سيف، يشكو المواطن سعيد سلطان، أحد أبناء قرية الأشروح، من سوء الأوضاع المعيشية، لافتا إلى أن الحرب أثرت سلبًا على حياة كثير من المواطنين الذين يعتمدون على الأجر اليومي، وهو أولهم.
ويضيف سلطان لمنصة ريف اليمن، “أن الاقتصاد المتدهور ضاعف المعاناة، وأصبح المواطن لا يستطيع الحصول على المصاريف اليومية بسبب تراجع النشاط الزراعي”.
أما المواطن محمد توفيق (27 عاما) وهو أحد سكان منطقة “عزلة اليمن” بريف محافظة تعز، فيعتمد على المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة، ومنذ توقفها في أواخر العام الماضي تضاعفت معاناته فهو يكافح لتوفير أبسط الاحتياجات اليومية.
يقول توفيق لمنصة ريف اليمن: “أنا مثل غيري من المواطنين نعتمد على المساعدات التي تقدمها المنظمات الإغاثية والإنسانية”، ويشير إلى أن الحرب قلبت حياته رأسا على عقب وجعلته عاطلا عن العمل، لافتا أنه كان يمارس الزراعة قبل الحرب وهي المهنة الوحيدة لدى أغلبية أبناء الأرياف.
ويختم حديثه بالقول: “المواطن الريفي أصبح غير قادر على توفير لقمة العيش لأسرته في الوقت الحالي”، معتبراً أن المنظمات الإغاثية كانت تسهم في التقليل من معاناة المواطنين الريفيين.
وأظهر تحليل أجراه برنامج الأغذية العالمي أن قراره بتعليق توزيع المساعدات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية بسبب الخلاف معها وتدخلاتها في توزيع تلك المساعدات، أسهم في انتشار سوء التغذية بشكل كبير في تلك المناطق حتى وصل إلى 165% في محافظة حجة، و80% في محافظة صنعاء.
وبحسب التحليل، فإن 61% من الأسر التي شملتها الدراسة التحليلية، وكانت تتلقى المساعدات من برنامج الأغذية العالمي، أصبحت تعاني من الحرمان الشديد من الغذاء نتيجة توقف توزيع هذه المساعدات، وهو ما يعادل 5.8 مليون شخص من نحو 9.5 مليون مستفيد في المحافظات التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية.
وفي الخامس من ديسمبر 2023 أعلن برنامج الأغذية العالمي، عن إيقاف المساعدات مؤقتا، في المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، بسبب ما أسمته محدودية التمويل وعدم التوصل إلى اتفاق مع السلطات من أجل تنفيذ برنامج أصغر يتناسب مع الموارد المتاحة للأسر الأشد فقراً.