يتحدّث الخبير الزراعي اليمني، عبد القادر السميطي، عن وضع الزراعة في أبين والتحديات التي واجهتها خلال الحرب، والتراجع الذي شهدته في العقود الماضية، وكيف تصحّرت الأراضي وتراجعت المحاصيل.
وفي مقابلة مع منصة “ريف اليمن”، أكّد حاجة القطاع الزراعي إلى الدعم الحكومي، من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي، وأشار إلى تجربة زراعة القمح في أبين بجهود ذاتية، وقال: “إن وجود الدولة إلى جانب المزارع هو الدافع الرئيس لتطوير الزراعة”.
يعمل المهندس السميطي عن قرب مع المزارعين في أبين، وهو ممثل الجمعية الوطنية للبحث العلمي، وقال: “أبين حاليًا، منطقة واعدة بأن تكون سلة اليمن الغذائية”، ويضيف: “في الموسمين الماضيين، شهدت أبين تطورًا في زراعة كثير من المحاصيل، خاصة الحبوب”.
ويحاول المزارعون في أبين جنوب اليمن إنعاش قطاع الزراعة الذي يُعد نشاطاً رئيساً للسكان البالغ عددهم 616 ألف نسمة 75% منهم في الريف، وتبلغ مساحة المحافظة نحو 16,943كم مربع، وتقع بامتداد 300 كم على الشريط الساحلي للبحر العربي.
في الجزء الأول، من المقابلة، مع المهندس عبد القادر السميطي يتحدّث عن مجمل التحديات والمشاكل التي تواجهه الزراعة في أبين، وفي الجزء الثاني عن عدد من القضايا الأخرى التي تهم المزارعين على المستوى الوطني، وفي طرق إنعاش القطاع الزراعي بعد الحرب.
الجزء الأول من المقابلة
بدايةً، لو وضعتنا أمام الصورة الكاملة للقطاع الزراعي في أبين!
أولاً دلتا أبين تحديدًا تحتضن أكثر من 85 ألف فدان من الأرضِ الصالحة للزراعة، هذه المساحة كانت قبل عام 1990 مروجا خضراء تكسوها مختلف المزروعات ذات الجودة الغذائية الرفيعة، وبعد هذا التاريخ أصابتها تقلبات الأوضاع في اليمن بشللٍ تام، ولهذا أعتقد أن أكثر من نصف المساحة المذكورة حاليًا أصبحت غير صالحة للزراعة.
وهناك أسباب أهمها: تدمير إدارة الري التقليدي، وقد كان المزارعون يعتمدون عليها في إصلاح كثير من القنوات المائية، بما في ذلك توصيل مياه السيول إلى وسط الحقول الزراعية في إطار دلتا أبين ومناطق أخرى كثيرة مجاورة، وأدى تعطيل مسار الري المباشر إلى جعل كثير من الأراضي خارج نطاق الزراعة.
- تصحر الأراضي الزراعية
أضف إلى ذلك الاجتياح الواسع لشجرة “السيسبان” ووصولها إلى وسط الحقول الزراعية، وقد غابت الحلول الجذرية لمعالجة هذه المشكلة واقتلاع هذه الأشجار المضرة بالمحصول.
وأدى زحف الكثبان الرملية إلى طمر عدة مناطق زراعية، أبرزها مناطق الفيش والجبلين والمسيمير ودعولة، (جنوب اليمن) كما انجرفت الأراضي الزراعية بسبب كمية السيول المتدفقة إلى المنطقة، وتأتي هذه الكوارث مع غياب الاستثمار الحقيقي لهذه المياه، فقد تُركت لتحدث الضرر فقط.
وكانت أبين تمتلك كثيرا من الآليات والمعدّات الزراعية الضخمة منها السيارات والحراثات، وكانت تساعد المزارعين في حرث الأرض، ولكنها أُعطبت كليًا بسبب الحرب، وكانت هيئة الزراعة بدلتا أبين وزارة مصغرة تحتوي على كل الأقسام، منها الأبحاث والإرشاد الزراعي وغيرها، لكنها أضحت أثرًا بعد عين.
ما أبرز الأصناف الزراعية في أبين؟
في الوقت الراهن تشهد محافظة أبين تطورًا طفيفاً في القطاع الزراعي، خصوصا بعد استعادة وتفعيل وترميم مركز البحوث الزراعية في منطقة الكود بأبين، هذا المركز الذي دُمر بالكامل خلال سنوات الصراع.
ولهذا يُعد إصلاح ما كان مدمرا إنتاج المزيد من المزروعات بمختلف أنواعها، وهنا نضع بالاعتبار أن أبين تتمتع بأرض خصبة، وتزرع كثيرا من الأصناف على رأسها الحبوب، وأبرزها: الذرة الرفيعة، والشامية، الدخن، الكنب، الشعير، القمح.
بالإضافة إلى كثير من أنواع الخضروات، ومن محاصيل الفاكهة المانجو، والباباي الأكثر شهرة، والجوافة، والليمون، وكل هذه المحاصيل مهمة من ناحية الفائدة والمكملات الغذائية.
وأبين حاليًا منطقة واعدة بأن تكون سلة اليمن الغذائية، ولن يتحقق ذلك إلا إذا نظرت الجهات المعنية إلى احتياجات الأراضي الزراعية.
- زراعة القطن
محافظة أبين معروفة بزراعة أفضل أنواع القطن، وكان يُسمى “القطن العالمي طويل التيلة”، وكان يُصدّر إلى كثير من الدول الأوروبية، على وجه الخصوص بريطانيا والاتحاد السوفيتي آنذاك.
لكن انحسرت زراعة هذا الصنف الأكثر رواجًا على المستوى العالمي بسبب غياب اهتمام الدولة بالصنف وعدم الاهتمام باستمرارية زراعته، ونأمل إعادة زراعة هذا المحصول القومي الذي يمثل أكثر من 25% من الاقتصاد الوطني آنذاك.
هل ما تزال زراعة القطن مستمرة في أبين؟
زراعة القطن مستمرة، لكن للأسف الشديد، بصورة خجولة، ولا يتعدى الإنتاج خلال الموسم الزراعي أكثر من 300 ألف رطل من مساحة زراعية لا تتجاوز 300 فدان، وكانت أبين تزرع مساحات كبيرة من القطن قبل عام 1990، ووصل الإنتاج إلى نحو اثنين مليون رطل في مساحة زراعية تقدر بأكثر من 3800 فدان.
وكانت زراعة القطن تمثل محورا رئيسا في الاقتصاد اليمني، وخلال شهرته الواسعة عبر حدود العالم كأفضل محصول يمني وأكثره جودة، ولاستعادته عوامل كثيرة في مقدمتها إعادة القانون المركزي للدولة حتى يعود زراعته مجددًا.
- الحاجة إلى دعم الحكومة
متى بدأ الإنتاج الزراعي يتراجع في أبين؟
التراجع إلى قرب الصفر حدث في بداية الحرب، وهي مرحلة أجهضت الزراعة بصورة كبيرة، نعم كان هناك تراجع سابقًا، لكن أقل مما في سنوات الحرب، لكن في الموسمين الماضيين شهدت أبين تطورًا في زراعة كثير من المحاصيل خاصة الحبوب.
اهتم كثير من المزارعين بزراعة الحبوب، نتيجة الأزمة التي حدثت بسبب الحرب “الأوكرانية الروسية” وخوف المزارعين من الجوع في حال توقف الاستيراد، وهذا دفعهم إلى إعطاء أهمية قصوى للزراعة ومعاودة تنشيطها.
ووفر هذا النشاط الزراعي البذور بصورة كبيرة في أبين، بالإضافة إلى تصدير هذه البذور إلى بعض المحافظات المحتاجة، وأبين لديها قطاع نباتي مربح إن وجدت النية الحقيقة لإعادة الزراعة بوفرة.
أبين بحاجة إلى دعم حكومي لتشجيع الزراعة، وسيستغني الجميع عن مساعدات المنظمات، وهذا اكتفاء ذاتي يُحسب للبلاد ولأمنها الغذائي؛ إذ إن الأراضي المزروعة تراجعت وباتت عُرضة للسيول المتدفقة.
- زراعة القمح
شهدت أبين خلال الفترات الماضية زراعة القمح، فكيف تقيم التجربة؟
زراعة القمح تطور ملحوظ للبلاد ورافد اقتصادي ثمين للدولة، وهو محصول قومي للأمن الغذائي، صحيح هذه التجربة لم ترتق إلى المستوى المطلوب، ولكن نستطيع القول إنها خطوة جيدة ينقصها المساندة للاستمرار بالجهد نفسه.
في ظل الحرب، نشعر أن هذا إنجاز كبير نحو الاكتفاء الذاتي، وهناك جهود حثيثة تبذل من المزارعين رغم كل الصعاب التي وقفت أمامهم، وغياب التشجيع في الاستثمار بزراعة القمح، وطالبنا الجهات المختصة دعم ذلك، لكن للأسف باء كل ذلك بالفشل.
لكن التجربة قيمة ومثمرة؛ لأنها بمبادرة ذاتية من الأهالي وبأدوات بسيطة، وهنا نشير إلى أن وجود الدولة إلى جانب المزارع مهم جدا، لاستصلاح الأراضي، وهي الدافع الرئيس في تطوير الزراعة، ومن دونها ستظل كافة الجهود شحيحة لإحداث نقلة نوعية في القطاع الزراعي.
- تأثير الحرب على الزراعة
كيف تضرر قطاع الزراعة في أبين خلال الحرب؟
الصراع في البلاد هو العائق أمام التمدد الزراعي، وبسببه تحولت الأراضي الزراعية إلى ساحة حرب، وهو ما اضطر المزارعين إلى تركها، وظلت لسنوات تحت أزيز الرصاص مهملة، حتى خرجت القوى المتصارعة من المنطقة وعادت لها الحياة.
ترك كثير من المزارعين أراضيهم الخضراء بعد الاجتياح المسلح لها، وانتقل بعضهم للمدن طلبًا للرزق، وجارت الحرب على الزراعة، وأجبرت المزارعين على أن يتركوها خاوية على عروشها، وهذا الأمر تسبب في حالة إهمال كبيرة للأراضي وتركت لسنوات تقاوم الخراب.
بعد هذه السنوات من الإهمال، حاول المزارعون بجهود ذاتية إعادة ترميم الخراب الحاصل والبدء في نبش الأراضي بعد التأكد من سلامتها من متفجرات ومخلفات الألغام.
هل هناك اهتمام بالزراعة؟
نعم، ولكن ليس بالمستوى المأمول، فالاهتمام بالأراضي الزراعية موجود لكنه ذاتي فقط. وبعد إعادة مكتب الإرشاد الزراعي ممارسة عمله بعد الدمار شبه الكلي الذي طال القطاع الزراعي بسبب الحرب، بدأت الزراعة تأخذ منحى متصاعدا من التعافي، ولكن لن تكون هذه الجهود ذات قيمة فعالة في حال استمرار غياب الدعم من الدولة.
تنويه: إليكم الجزء الثاني من المقابلة، هل يمكن نجاح الزراعة بلا أسمدة أو مبيدات كيميائية؟ الخبير السميطي: الأسمدة العضوية تزيد الإنتاج 35% وعلى المزارعين استخراج البذور من محصولهم