يتحسّر المزارع محمد سعدان (37 عاما) بشدة، وهو ينظر إلى محاصيله من ثمار المانجو مكدّسة داخل مزرعته، نتيجة قلة الطلب، وتراجع نسبة التصدير، فضلا عن الشائعات وحملات التشويه التي استهدفت المحصول، الأمر الذي تسبب له كغيره من المزراعين بخسائر مالية كبيرة.
وانتشرت شائعات التشويه التي روجت لإصابة ثمار المانجو بالديدان كالنار في الهشيم، وتداول كثيرٌ من رواد التواصل الاجتماعي صورا تُظهر بعض حبات فاكهة المانجو التي تعرّضت لسوء تخزين، وهي مصابة بالديدان، محذرين من شراء المانجو، الأمر الذي يُعتقد أنه أسهم في ارتفاع نسبة الكساد.
تشويه المانجو اليمني
يقول سعدان لمنصة ريف اليمن إنه زرع ما يزيد عن 15 معادا (المعاد = 4.400م²) بأشجار المانجو قبل عشر سنوات، بعد أن باع جزءا من أراضي مزرعته من أجل حفر الآبار، وشراء الشتلات، وتوفير منظومة شمسية تساعده في حال غلاء المشتقات النفطية، متفائلا بالمواسم القادمة.
ومنذ سنوات ارتبطت علاقة سعدان، المنحدِر من ريف مديرية الضَحي -محافظة الحديدة، بتجار محليين يقومون بشراء وتصدير المانجو إلى المملكة العربية السعودية وغيرها، أما هذا الموسم فكان الإقبال ضعيفا، مما رفع نسبة الكساد، ولم يتمكن من إعادة خسارته التي تزيد عن 16 مليون ريال يمني (الدولار 530 ريالا).
ولا يُخفي سعدان خيبة الأمل، نتيجة الكساد الذي شهده الموسم الحالي، لا سيما بعد خسارته مبالغ مالية لشراء مبيدات وأسمدة، بهدف الحفاظ على منتجه من الآفات الزراعية، وللحصول على ثمار ذات جودة عالية من أجل بيعها وتصديرها للخارج.
يقول المهندس الزراعي عبد الرحمن شوقي: “إن ظهور الديدان في بعض ثمار المانجو، ناتج عن سوء التخزين بدرجة أساسية، وتعرض الثمار للذبابة البيضاء التي تضع بيضها لتفقسَ بعدها على شكل يرقات (ديدان)”.
وأضاف شوقي لمنصة ريف اليمن أن من الأسباب كذلك بعض المبيدات الحشرية التي لا تقضي على الحشرات والآفات الزراعية، بل قد يتسبّب خلطها مع مبيدات أخرى، بإنتاج مادة جديدة لا علاقة لها بمكافح بالحشرات والفطريات، بل تعمل على تسميم النباتات. ويحذر من استخدام المبيدات المحظورة مثل كابتافول، ديكلورفوس، دي دي، ميثيوكارب، ميثو ميل، وغيرها، لما تمثله من خطورة على الأرض والنباتات والحيوانات والإنسان.
ويواجه مزارعو تهامة عدة صعوبات، منها تلاعب كبار المصدّرين بأسعار المنتجات، وزيادة نسبة العرض على الطلب، وغياب التسويق والدعم الحكومي، مما يُثقل كاهلهم ويعيق قدرتهم على الاستمرار في الزراعة.
ومنذ سنوات تعاني مناطق تهامة من كساد للمنتجات المتنوعة سواء الفواكه أم الخضروات، الأمر الذي انعكس سلبا على الأوضاع المعيشية لسكان تهامة الذي يعتمد غالبيتهم على الزراعة، وسط مطالبات للجهات الحكومية والمنظمات المهتمة بالزراعة إلى الالتفات إلى قطاع وتحديد أسعار المنتجات وفقا للطلب والأسعار العالمية.
ويبدأ موسم المانجو في آذار/ مارس وتنتهي أواخر حزيران /يونيو من كل عام، في عدد من المحافظات، وتتصدر محافظات حجة والحديدة نسبة الإنتاج، يليها محافظة لحج وتعز وحضرموت، بالإضافة إلى بعض المناطق الأخرى.
تهامة وزراعة المانجو
وتعتبر فاكهة المانجو من أكثر المنتجات الزراعية جودة في تهامة ومن أهم أصنافها: تيمور، قلب الثور، السمك السوداني، وقد بلغ صادرات مانجو التيمور 51090 طنا، و12260 طنا من قلب الثور، فيما وصل إنتاجها من صنف السمكة 3189 طنا، و893 طنا من المانجو السوداني، وفقا لتقرير قسم التسويق بالمنطقة الزراعية الوسطى بالهيئة العامة لتطوير تهامة.
أما المزارع مشهور (42 عاما) فقد رسم صورة قاتمة لمحصول فاكهة المانجو الذي يعتبر من أهم المحاصيل الزراعية في تهامة، فقال لـمنصة ريف اليمن: “إن الموسم الحالي هو الأسوأ على الإطلاق”.
وأضاف: “شهد الموسم الحالي سلسلة من الصعوبات التي جابهت المزارعين، بداية بارتفاع معدل الإنتاج عن الأعوام الماضية، ومثّل انتشار شائعات إصابة المانجو بالديدان ضربة كبيرة للمزارعين، مما زاد من تكدّس كميات كبير داخل المزارع، واستغلال تجار الجملة للمزارعين”.
ورغم تفاوت أسعار المانجو في كل موسم، لم تشهد تدنيّا مثل هذا العام، فقد هبط سعر السلة التي تزن 20 كيلوجراما من المانجو التيمور إلى 5 ألف ريال يمني، فيما وصل سعر السلة المانجو الأقل جودة إلى ثلاثة آلاف ريال (أقل من 6 دولار)، وبعض أصناف المانجو لا تُباع بتكاليف جنيها.
ويعتقد المزارع أنور فاضل أن الحملة التي استهدفت المانجو هي منظمة لتشويه سمعة وزراعة المنتج الذي يغطي الأسواق المحلية وتصدر كميات كبيرة منه إلى الخارج.
وأضاف: “عندما رأينا أن تهامة تحصد أفضل المانجو الطبيعي، شعرنا بالفخر والإلهام. نحن فخورون بأن نكون جزءًا من هذه الزراعة المزدهرة، ونحن ملتزمون بالحفاظ على معاييرنا العالية، رغم كل الحملات التي تستهدف المنتج”.
مخاوف وحلول
المواطن عبدالرحمن زُريقي أبدى مخاوف كبيرة من أن يعزف المزارعون عن زراعة المانجو مستقبلا، مخافة تكبدهم خسائر فادحة كما حصل هذا الموسم.
ويعجز غالبية المزارعين عن شراء المبيدات الزراعية المحددة ورشّها في الأوقات المناسبة، مما يضاعف من احتمالية تكاثر وانتشار الآفات الزراعية وقلة الإنتاج، ويلجأ الغالبية منهم إلى الاقتراض من أجل شراء المعدات الزراعية، وتوفير البذور لبعض المحاصيل، وتُسدّد عند الحصاد، وهو ما عجز عنه مزارعو المانجو هذا العام، كما هو الحال بالنسبة للمزارع محمد مشهور.
الكاتب الاقتصادي محمد الجماعي قال: “إن الكساد الحاصل في كثير من المنتجات الزراعية يترتب عليه خسائر كبيرة على المزارعين وصغار التجار، وسيؤثر على الأيادي العاملة في القطاع الزراعي وخاصة في المناطق التهامية الأكثر فقرا في البلاد”.
وأضاف لمنصة ريف اليمن: “ما يحدث من كساد هو نتيجة متوقعة للأسف في ظل غياب القانون والجهات المعنية بالتسويق والمواصفات والمقاييس، الأمر الذي فتح المجال أمام كبار التجار والمصدرين للتلاعب بأسعار المنتجات المحلية، إضافة إلى ضعف القوة الشرائية لدى المواطن اليمني، مما ساعد على زيادة كساد المنتج ومنها المانجو”.
واقترح الجماعي، حزمة من الحلول لتفادي الخسارة في المواسم القادمة، أهمها فتح المنافذ والطرقات، وإنشاء جمعيات تدعم القطاع الزراعي بتوفير البذور والمعدات الزراعية، وشراء المنتج المحلي بأسعار ثابتة تساعد المزارع على الاستمرارية في المستقبل.
وأدى إغلاق منفذ حرض البري الذي كان يعتمد عليه المزارعون والتجار في تهامة لتصدير المنتجات، أدّى إلى شل حركة القطاع الزراعي وفرض تكاليف مضاعفة نتيجة المسافات الكبيرة، مما تسبب في كساد المحصول وخسارة المزارع بشكل مباشر.