الصواعق القاتلة.. كيف يهدد تغيير المناخ سكان الريف؟

192 حالة وفاة نتيجة الصواعق الرعدية خلال موسم الأمطار في 2023.

الصواعق القاتلة.. كيف يهدد تغيير المناخ سكان الريف؟

192 حالة وفاة نتيجة الصواعق الرعدية خلال موسم الأمطار في 2023.

في الثامن من أغسطس 2023، كان طارق الولي، جالساً مع أفراد أسرته في منزلهم، الواقع بمديرية الجبل بمحافظة المحويت، قبل أن تضرب المنزل صاعقة رعدية دون سابق إنذار، وتودي بحياة زوجته وابنته.

يقول شقيقه، علي الولي: “كانت أسرة طارق قد فرغت للتو من تناول وجبة الغداء، بينما السماء في الخارج تمطر بغزارة مصحوبة بصواعق رعدية شديدة، فجأة، ضربت صاعقة رعدية المنزل، وأودت بحياة زوجته، جمعة يحيى الولي (30 عامًا)، وابنته آمنة (5 سنوات).

ويضيف “أصيبت في الصاعقة الرعدية، أيضاً ابنته بدور ذات العامين، إصابة بليغة دخلت على إثرها العناية المركزة لأيام قبل أن تتماثل للشفاء”.

“خلال الأعوام الأخيرة، أحدثت التغيرات المناخية، تأثيرات مباشرة في زيادة العواصف والصواعق الرعديدة، وسيول الأمطار، وغالباً ما كان الضحايا هم من سكان المناطق الريفية” يضيف علي الولي.

خسائر بسبب الصواعق

“تشعر أسرة المواطن محمد العامري، المكونة من 11 شخصاً، وتسكن مديرية بلاد الطعام، بمحافظة ريمة، بكونها أكثر حظاً من غيرها من الأسر، التي تعرضت منازلهم لحوادث صواعق رعدية خلال هذا الموسم، حيث خرج جميع أفراد الأسرة من وسط الحريق الهائل، الذي التهم المنزل بفضل سُرعة نجدة أهالي القرية وإخمادهم الحريق قبل أن يصل إلى الغرفة التي كنا ملتئمين فيها” وفقا لحديثه لمنصة ريف اليمن.

 يضيف العامري، “إلا أننا خسرنا كافة المقتنيات المادية في المنزل، الذي أصبح من حينها غير صالحاً للسكن”.

العامري الذي هَجر منزله بعد الحادثة، ويسكن مع أسرته حالياً في منزل أحد أقاربه، يشير إلى أنّ من ضمن الخسائر المادية، التي لحقت بالمنزل الأثاث، وتأثر السطح والجوانب بشكل كبير.

وتابع العامري في حديثه لمنصة ريف اليمن، “خسرت أيضاً ثلاثة رؤوس من البقر، وتسعة من المواشي، ومجموعة من الدواجن، وكميات كبيرة من أعلاف المواشي وغيرها”.

ويلفت العامري-الذي يعمل في الزراعة- إلى أنه بسبب ظروفه الصعبة، لم يتمكن من إصلاح منزله حتى اليوم، فيما لم يتلق من أي جهات رسمية أو أهلية، أي مساعدة تمكنه من ترميم منزله والعودة إليه.

الصواعق القاتلة.. كيف يهدد تغيير المناخ سكان الريف؟
الصواعق في اليمن (منصة ريف اليمن)

بالإضافة إلى الخسائر البشرية المرتفعة، تسببت الصواعق الرعدية بنفوق المئات من رؤوس المواشي والثروة الحيوانية المختلفة، التي تعتمد عليها الأسر اليمنية في المناطق الريفية، كمصدر رئيسي للغذاء ومصادر أساسية للدخل، بالذات في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلد.

منذ بداية موسم الأمطار في اليمن، لهذا العام إلى الرابع والعشرين من شهر أغسطس الماضي، أودت الصواعق الرعدية بحياة 156 شخصا في مختلف محافظات اليمن، بحسب ما أفاد مسؤولين في قطاع الأرصاد بهيئة الطيران المدني والأرصاد، لموقع صحيفة اليمني الأمريكي، الذي نشر تحقيق عن الظاهرة.

يشير التحقيق إلى أن “الثلاث سنوات الأخيرة شهدت تصاعدًا في أعداد ضحايا الصواعق الرعدية في اليمن، حيث سجلت الإحصائيات الرسمية 371 حالة وفاة، و165 إصابة، موزعة كالتالي: 11 حالة وفاة و9 إصابات”.

وفي عام 2020، ارتفعت إلى 30 حالة وفاة و49 إصابة في عام 2021، ووصلت في عام 2022، إلى 174 حالة وفاة و73 إصابة، وبلغت ذروتها في العام الجاري.

 منصة ريف اليمن، خلال الفترة الأخيرة، تسجيل 36 حالة وفاة، في محافظات يمنية مختلفة والعشرات من الإصابات، الأمر الذي يرفع عدد ضحايا الصواعق، لهذا الموسم إلى 192 شخصا، فيما ترتفع تكلفة الثلاث السنوات الأخيرة إلى 407 حالة وفاة كإحصائية أولية.

تأثيرات تغير المناخ

ويرجع الخبراء والمهتمين بمجال المناخ والبيئة، أسباب التصاعد الحاصل، في حوادث الصواعق الرعدية في اليمن، إلى التغيرات المناخية الحاصلة في العالم.

الأكاديمي بكلية البترول والموارد الطبيعية بجامعة صنعاء، حاجب الحاجبي، يقول إن “الاحتباس الحراري الحاصل في الغلاف الجوي للأرض، يزيد من وتيرة ارتفاع درجة الحرارة السطحية في الأرض، بما فيها اليمن”.

ويشير إلى أن “الاحتباس الحراري، هو السبب الرئيسي في حدوث الكوارث الطبيعية، وزيادة حدتها وتكرارها كالفيضانات والأعاصير والحرائق والجفاف والصواعق وغيرها، بشكل أكبر مما كانت عليه في السابق”.

ويشير إلى أن مؤشر درجة الحرارة، في اليمن ومنطقة شبه الجزيرة العربية، قد تجاوز خلال الخمس سنوات الماضية، نسبة 1.5 درجة مئوية التي وضعتها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في الأمم المتحدة (IPCC)، كأقصى معدل لقياس حرارة الأرض لا ينبغي تجاوزه.

تهديد الكوارث الطبيعية الناتجة عن التغيرات المناخية، على المجتمعات المحلية في اليمن، بات كابوسا يؤرق السكان، فخلال موسم الامطار لهذا العام، أثرت الأمطار الغزيرة والسيول، إضافة إلى التزايد غير المعتاد في الصواعق الرعدية، على أكثر من نصف مليون شخص، وتسببت بوفاة 218 شخصاً وإصابة 2,381 آخرين، بحسب تقرير نشره مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، في الـ18 من شهر سبتمبر الماضي.

ولعّل الملاحظ، أن معظم المناطق المتأثرة بالتغيرات المناخية هي المناطق الريفية النائية، التي يقطنها أكثر من 70% من المجتمع، بالذات حوادث الصواعق الرعدية التي تختلف نسبة ما تسببه من ضحايا وأضرار في الأرياف عنه بالمدن بشكل واضح، حيث تتركز معظم الأضرار البشرية والمادية في مناطق الأرياف.

صواعق قاتلة.. كيف يهدد تغيير المناخ سكان الريف؟
بروق في محافظة شبوة شرقي اليمن، يوليو 2023 (فيسيوك/ عمار النمش)

يُفسر الوكيل المساعد لقطاع الأرصاد في الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد، محمد سعيد حميد، سبب شدة التأثير السلبي للصواعق في الأرياف عنه بالمدن، إلى خلو المناطق الريفية، من موانع الصواعق الرعدية، على عكس المدن المحمية بمنظومات موانع صواعق، وغالبية المنشآت فيها محمية بموانع صواعق إضافية.

ويشير إلى أن “نسبة زيادة حدوث الصواعق الرعدية بالبلد خلال السبع السنوات الأخيرة وصلت إلى 55% عن السنوات التي قبلها، وهذه الزيادة تركزت في مناطق المرتفعات الجبلية كمحافظة المحويت، التي حلت في المرتبة الأولى، يليها محافظتا إب وذمار”.

ونتيجة لكون المناطق الريفية اليمنية، مناطق نائية خالية من الخدمات، فإن السكان الذين يتعرضون لحوادث صواعق رعدية، يواجهون الكثير من الصعوبات للوصول إلى مراكز طبية، فغياب الخدمات الصحية بالشكل المطلوب عن كثير من المناطق والقرى اليمنية، وصعوبة التواصل بسبب وعورة الطرق، له دور كبير في ارتفاع أعداد الوفيات في ضحايا الصواعق الرعدية، بحسب منسق الكوارث في جمعية الهلال الأحمر اليمني، عبدالله العزب.

الوقاية والحلول

ويلفت العزب إلى ضرورة التعاون الرسمي والمجتمعي، لمعالجة أسباب وعوامل تصاعد ضحايا الصواعق الرعدية، والتي يعود جزء كبير منها إلى قلة الوعي لدى المجتمع، في التعامل مع الصواعق وعدم اتباعهم وسائل الوقاية.

واعتبر العزب، إلى أنه “يوجد حزمة من الإجراءات الوقاية التي ينبغي على السكان لتقليل فرصة تعرضهم للصواعق الرعدية أثناء الأمطار، أبرزها: إغلاق والابتعاد عن النوافذ والأبواب المعدنية، وإغلاق جميع أسطوانات الغاز وعدم الخروج من المنزل اثناء الصواعق”.

ويضيف منسق الكوارث في جمعية الهلال الأحمر اليمني، أن “الحل الذي لا غنى عنه لمواجهة الصواعق الريفية، بالإضافة إلى الوعي والتزام الارشادات، هو تركيب مانعات للصواعق في المنازل والمزارع والمرتفعات، والمناطق الجاذبة للصواعق بشكل عام”.

وتعد اليمن ضمن الدول المعرضة بشدة للآثار المرتبطة بتغير المناخ مثل الجفاف والفيضانات الشديدة والآفات وتفشّي الأمراض، والتغيرات في أنماط هطول الأمطار، وزيادة شدة العواصف، وارتفاع مستوى سطح البحر؛ ما يهدد الوضع الهش أصلاً.

وتشير دراسة صادرة عن الأمم المتحدة، إلى أن هطول الأمطار في اليمن يتميز بعواصف شديدة موسمياً وقصيرة الأمد تؤدي في كثير من الأحيان إلى فيضانات مفاجئة، ويترتب على ذلك انهيارات أرضية، وتآكل التربة، واقتلاع النباتات، وتدهور المدرجات الزراعية، وفي بعض الأحيان تسبب هذه الفيضانات أضراراً اقتصادية كبيرة وخسائر في المحاصيل والأرواح.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: