تتجدد محاولات سرقة قبة وضريح الشبزي الذي يقع في بالقرب من قلعة القاهرة في مدينة تعز جنوب غربي اليمن، استغلالاً لحالة عدم الاستقرار في البلاد، والإهمال المتراكم للمواقع التأريخية والتراث الثقافي الذي يشهد عملية نهب واسعة.
هذا المقال أعتبره نداءً عاجلاً لإنقاذ قبة وضريح الشبزي في تعز، والذي سبق أن حظي باهتمام منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم (يونسكو) قبل الحرب ثم تراجعت الجهود. اليوم تزيد المخاطر بالطمس والنهب ونقل الرفات، ونطالب بتحرك رسمي عاجل وشراكات فاعلة لإعادته إلى دائرة الرعاية الدولية وصونه للأجيال.
وسبق أن سُرقت آثار يمنية تتعلق بيهود اليمن بشكل معلن، ففي مارس/ آذار 2016، استعرض رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، مخطوطة يمنية من التوراة وصلت مع دفعة من اليهود اليمنيين الذي غادروا إلى “إسرائيل”.
وذكرت الوكالة اليهودية أن المجموعة التي قدمت من ريدة في عمران (شمال اليمن) تضم حاخام يهود اليمن يحيى يوسف، وأحضر مخطوطة من التوراة يعتقد أن عمرها ما بين 500 و600 عام”، ونشرت وسائل عبرية لقطات لنتنياهو وهو يتصفح مخطوطة التوراة القديمة.
تتجدد اليوم محاولات نقل رفات الشبزي، ومسخ تراث اليمن، وبيعه في المزادات الدولية، وقد أُفشلت مساعٍ سابقة قبل الحرب عبر وزارة الخارجية اليمنية
وخلال العقود الماضية جرت العديد من المحاولات الإسرائيلية لسرقة رفات الشاعر اليهودي اليمني “الشبزي” آخرها في العام 2010، حينها عبَّر أبناء الطائفة اليهودية عن رفضهم لتلك المحاولة، وقال حاخام الطائفة اليهودية في اليمن فائز الجرادي: “لا يحق للصهاينة نقل الشاعر اليمني سالم يوسف الشبزي من وطنه اليمن”.
ضريح الشبزي
تقع القبة والضريح في مدينة تعز ملاصقة لقلعة القاهرة من جهتها الجنوبية الغربية، وتُعدّ من أبرز المعالم التاريخية والدينية والسياحية عالميا لفرادتها ونُدرتها. ورغم عقود من صيانة القلعة بتمويل دولي، بقي هذا المعلم خارج مظلة الرعاية التي تستحق قيمته الاستثنائية.
يشهد الموقع على تاريخٍ طويل من التعايش والإبداع اليمني، ويملك قابلية عالية للتحول إلى مقصد سياحي وثقافي متكامل. إن إبراز سرديته وتعريف العالم بخصوصيته يعيد إدراجه في خارطة الاهتمام الدولي، ويوفّر موارد مستدامة لمدينة تعز إذا توفرت إدارة حُسنى وتخطيط واضح.
القبة البيضاء – بما تحمله من حمولة رمزية – تمثل اليوم مساحة لقاء بين الذاكرة الدينية والهوية الثقافية، كما أن العمل على استعادتها إلى وضعها اللائق سيبعث رسالة يمنية قوية قوامها احترام التنوع والاعتزاز بالتراث، ويجعل من الموقع منصة للتعليم والتسامح، ولحوارٍ ثقافي لا ينقطع.

من هو الشبزي؟
الشبزي هو سالم بن يوسف الشبزي، وُلد في قرية نجد الوليد بشرعب السلام عام ١٦١٩م وتوفي في تعز عام ١٧٢٠م، واسمه العبري “موري شالوم شبازي”، نشأ في أسرة يمنية يهودية عريقة، وتلقى علوم الدين والأدب والتاريخ بالعربية والعبرية، وتميز بالفطنة والصبر والحنكة.
ويشير المؤرخ اليمني محمد مصلح، إلى أن اسم الشبزي الحقيقي “سالم بن أبي الجاد”، وهو من مواليد منطقة نجد الجبل غرب محافظة تعز، وقد كان شاعراً وأديباً ويعمل في نسج الأقمشة وهو عالم وحبر من كبار أحبار اليهود.
عمل في بداياته خياطا بحي المغرّبة، حيّ السلاطين والملوك في تعز، في حقب الأيوبيين والرسوليين ثم الطاهريين فالعثمانيين، هناك بزغ نبوغه العلمي والأدبي سريعا، فصار شخصية مؤثرة في المشهد الاجتماعي والثقافي، ومرجعا يتجاوز حدود طائفته إلى الفضاء العام للمدينة.
ترك الشبزي إرثا أدبيا وعلميا لافتا؛ عده باحثون من مؤسسي مدرسة الشعر الحُمَيني، ومؤلفا وملحنا للأغاني، وصاحب أطروحات في الفلك والتنجيم. نُشر ديوانه الفريد عام ١٩٧٧م بمعهد بن زيفي وضم ٥٥٠ قصيدة، ثم طُبع لهاليفي عام ١٩٩٨م أكثر من ٢٠٠ قصيدة طقسية صوفية.
تعددت أدوار الشبزي الاجتماعية والدينية: إصلاح ذات البين، والفتيا والقضاء داخل الطائفة، وتوثيق عقود الزواج، وإجراء الختان لأطفال اليهود والمسلمين، وإجازة المناسبات، وجمع الجزية من اليهود وتسليمها للحكام. بهذه الوظائف تكرست مكانته واحترامه لدى اليهود والمسلمين معا.
على مسؤولي اليمن في اليونسكو والجهات المعنية التحرك فورا لحماية قبة وضريح الشبزي وصيانتهما وترميمهما، ورفض محاولات نقل الرفات أو مسخ التراث
حظي بتقدير الأئمة المتعاقبين الذين قبلوا وساطاته لحل الإشكالات بين الطائفة والحكام، واعتبروا وجاهته ضمانة لإنهاء النزاعات. كان مقصدا للناس في حياته لقضاء الحاجات وجبر الخواطر، واستمرت مكانته بعد وفاته عبر زيارة ضريحه والتبرك به سنويا من شتى أنحاء اليمن.
تحولت القبة والضريح إلى رمز للتسامح والتعايش والمشترك التاريخي. هذا الرمز قابل للتفعيل سياحيا وتنمويا متى أُحسن استثماره، إذ يمكن أن يخلق فرص عمل، ويحقق موارد محلية. غير أن ذلك يتطلب صيانة متخصصة، وإدارة مهنية، وبرامج تعريفية تراعي حساسية المكان وقدسيته.
التهديدات وواجب التحرك
تتجدد اليوم محاولات نقل رفات الشبزي ومسخ تراث اليمن وبيعه في المزادات الدولية. وقد أُفشلت مساعٍ سابقة قبل الحرب عبر وزارة الخارجية اليمنية، انطلاقا من كونه جزءا أصيلا من التراث الثقافي الوطني، وجسرا يصل اليمن بالتراث الإنساني العالمي في بعديه الرمزي والمعرفي.
هذا الخطر لا يقتصر على نقل الرفات فحسب، بل يمتد إلى طمس السردية اليمنية للموقع، ونزع سياقه التاريخي والثقافي من بيئته. إن السكوت يمنح محاولات التشويه أرضا خصبة للتمدد، فيما يستدعي الواقع موقفا رسميا واضحا يرفض النقل والتهريب والبيع والتزييف، ويضع حدا لأي عبث.
المطلوب تحرك سريع يدمج الحماية القانونية المانعة، ورقابة ميدانية فعّالة، وخطة صيانة عاجلة، كما يلزم إعداد ملف متكامل لإعادة إدراج الموقع ضمن أولويات اليونسكو، مع برنامج ترويج دولي يُعرّف بإرث الشبزي ويؤكد صلته العميقة بالنسيج الثقافي اليمني الراهن.
ختاما، وباسمي، أوجه نداء استغاثة إلى مسئولي اليمن في اليونسكو والجهات المعنية: تحركوا فورا لحماية قبة وضريح الشبزي وصيانتهما وترميمهما، ورفض محاولات نقل الرفات أو مسخ التراث. نرجو تقديم ما يلزم من إجراءات وتمويلات وشراكات لإنقاذ هذا الموقع وإعادته إلى مكانته المستحقة.
المراجع
– الإمام يحيى بن الحسين بن القاسم (تحقيق: د. سعيد عبد الفتاح عاشور)، غاية الأماني في أخبار القطر اليماني، القاهرة: دار الكاتب العربي للطباعة، 1968م.
– المجاهد محمد بن محمد، مدينة تعز: غصن نظير في دوحة التاريخ العربي، الطبعة الأولى، 1997م.
– الهيئة العامة للسياحة – صنعاء، نتائج المسح السياحي لمحافظة تعز، 1997م.
– السياغي، أحمد بن الحسين، معالم الآثار اليمنية، صنعاء: مركز الدراسات والبحوث اليمني، 1980م.



