مأرب.. نضوب مياه وادي حريب يهدد معيشة المزارعين

تستهلك الزراعة في حريب أكثر من 85% من إجمالي المياه المتاحة

مأرب.. نضوب مياه وادي حريب يهدد معيشة المزارعين

تستهلك الزراعة في حريب أكثر من 85% من إجمالي المياه المتاحة

تشهد المياه الجوفية في مديرية حريب بمحافظة مأرب (شمالي اليمن)، تراجعاً كبيراً منذ بداية العام الجاري، ما دفع بعض المزارعين للتخلي عن حقولهم الزراعية قبل حصول الثمرة والحصاد رغم خسائرهم المالية، وآخرين اضطروا لتقليص المساحات الزراعية خلال الأشهر الماضية.

ويعتمد وادي حريب على مياه الآبار التي تتغذى من جريان السيول، لكن الاستنزاف الزائد، وتوقف الأمطار منذ بداية الموسم الحالي، تسبب بموجة جفاف وتراجع منسوب المياه الجوفية بشكل غير مسبوق، ما ألحق أضراراً كبيرة بالمزارعين.

نضوب مياه وادي حريب

ويؤكد “عبدالله مساعد”، وهو مزارع في منطقة “صابح” في وادي حريب، بأنه تخلّى عن أشجار الباباي التي زرعها بكثرة بغية قطف ثمارها، لكن نضوب المياه أجبره على التخلّي عنها قبل قطف ثمارها، وقال لمنصة ريف اليمن إن “موجة الجاف قد تجبرني على التخلي كلياً عن الزراعة، بعد 12 عاماَ من ممارستها”، ويضيف: “لم نتوقع هذه العودة السريعة والمفاجئة للجفاف”.


         مواضيع مقترحة

قبل أسابيع كانت عشرات أشجار “الباباي” تقف على مسافات تتخلل حقل المزارع مساعد، لكنها باتت اليوم أجساماً خشبية صغيرة عارية بعد أن تخلّت عن أوراقها قبل أن تعطي ثمارها بعد أن تخلّى عنها مكرهاً تحت ضغط شح المياه.

وتستهلك الزراعة في حريب أكثر من 85% من إجمالي المياه المتاحة، بحسب مكتب الزراعة في المحافظة، وهو ما يحتم التحرك العاجل لضمان بقاء هذا القطاع الحيوي واستدامته، إذ بات يؤرق السكان الذين يخشون عدم قدرتهم الحصول على المياه للشرب والاستخدام العام، وليس للزراعة.

مأرب.. نضوب مياه وادي حريب يهدد معيشة المزارعين
ثمار باباي متهالكة بسبب الجفاف ونضوب مياه الآبار في وادي حريب بمحافظة مأرب – مايو 2025 (ريف اليمن)

تراجع النشاط الزراعي

“صالح سويدان”، أحد المزارعين، قال إن تراجع مياه الآبار بلغ نحو 80% خلال الشهرين الماضيين، مؤكدًا أن بعض المضخات لم تعد تعمل سوى نصف ساعة يوميًا، بعد أن كانت تعمل دون توقف.

وأضاف لمنصة ريف اليمن: “البئر التي كانت تسقي مساحات واسعة باتت تغطي نحو 40 متر مربع فقط خلال اليوم كامل، ويضطر المزارعون للانتظار ساعات حتى تتجمع كمية بسيطة يمكن سحبها مجددًا”، مشيراً إلى أن “التراجع حدث بسبب الاستنزاف الزائد للمياه، في ظل توقف الأمطار منذ بداية مارس”.

ولفت إلى أن نضوب المياه يحدث بوتيرة سريعة كونها مياه سطحية جارية حد وصفه، مشيراً إلى أن عمق الحصول عليها قد لا يزيد عن 40 متراً، وتتغذى بشكل مباشر من السيول.

وأدى توفّر الكهرباء الحكومية بشكل شبه مجاني، إلى اعتماد المزارعين على المضخات الكهربائية، عوضًا عن التي تعمل بالديزل، ما ساعد على توسع الرقعة الزراعية، لكنّ ذلك لم يدم طويلًا، فمع ازدياد الضخ دون ترشيد، بدأ منسوب المياه في التراجع بوتيرة مقلقة، حتى وصلت بعض الآبار إلى حد الجفاف التام.

مأرب.. نضوب مياه وادي حريب يهدد معيشة المزارعين
مضخة كهربائية يستخدمها المزارعون لري الأشجار في وادي حريب عوضًا عن التي تعمل بالديزل (ريف اليمن)

مدير عام مكتب الزراعة في محافظة مأرب المهندس “علي بحيبح”، قال إن مديرية حريب شهدت شحًا كبيرًا في مصادر المياه خلال الفترة الأخيرة؛ ما أدى إلى تراجع النشاط الزراعي بشكل ملحوظ، وتضرر شريحة واسعة من المزارعين الذين يعتمدون على الزراعة كمصدر رئيسي للدخل.

 وأوضح بحيبح خلال حديثه لـ”منصة ريف اليمن” أن “طبيعة مصادر المياه في حريب تعتمد في الأساس على مياه الأمطار والسيول الموسمية، إلى جانب الاعتماد على مياه الآبار السطحية والجوفية، ولكن بكميات قليلة جدًا مقارنةً باتساع المساحات الزراعية في المديرية”.

وخلال 2024 كانت نسبة الأمطار ضئيلة خصوصاً في فصل الخريف، وتسبب ذلك في تراجع منسوب المياه الجوفية، وبات واضحاً ذلك التراجع خلال العام الجاري بعد النضوب الكبير والمتسارع، والذي يعد الأول من نوعه، منذ عودة المياه والزراعة إلى الوادي.

مأرب.. نضوب مياه وادي حريب يهدد معيشة المزارعين
أشجار برتقال تعرضت للتلف بسبب الجفاف وانعدام الماء في وادي حريب بمأرب – مايو 2025 (ريف اليمن)

 منذ بداية 2025 لم يشهد الوادي أي هطول للأمطار؛ مما تسبب في تفاقم نضوب المياه الجوفية، خصوصاً بعد شحة الأمطار خلال خريف 2024، وقد كان شح المياه الذي ينجم عن جفاف موسم من المواسم، ينتهي بمجرد دخول موسم جديد غزير المطر، وهو ما لم يحدث هذا العام، وفاقم المشكلة.

 تحذيرات وحلول مقترحة

 مشكلة تراجع هطول الأمطار تزامنت مع توسع حفر الآبار عشوائيا، حيث اتجه المزارعون إلى حفر الآبار بغية الحصول على الماء، وقد لا تبعد البئر عن الأخرى أكثر من 10 أمتار نظرا لأن مسارات جريان المياه تقترب من بعضها في تلك المنطقة.

وحذرت نشرة المناخ والإنذار المبكر التابعة للأمم المتحدة من تراجع كبير في معدل هطول الأمطار على اليمن مع بداية الموسم الزراعي، تسبب في تأخير الموسم، وتفاقم نضوب المياه الجوفية، وانعدام الأمن الغذائي، وواجهت أكثر من 50% من الأسر صعوبة في توفير الحد الأدنى من الغذاء.

مأرب.. نضوب مياه وادي حريب يهدد معيشة المزارعين
دعوات لترشيد استخدام المياه والتحول إلى أساليب الزراعة الذكية والابتعاد عن الري التقليدي العشوائي (ريف اليمن)

 ويدعو سويدان، المزارعين في وادي حريب إلى ترشيد وتقنين استخدام المياه، والتوقف عن الري بالغمر للحفاظ على ما تبقى من المياه، وعدم مفاقمة المشكلة، وتقليص الزراعة بما يضمن عدم خسارتها نتيجة شح المياه المستمر.

 ونتيجة للجفاف الكبير، بات من الضروري اعتماد المزارعين على وسائل الزراعة الحديثة من محميات وشبكات ري بالتقطير أو الإمطار، إضافة إلى إمكانية وضع طرابيل بلاستيكية تحت تربة الحقل الزراعي على عمق 50 أو 70 سم.

 مدير مكتب الزراعة كشف عن خطة لعامي 2025 – 2026، تشمل جميع مديريات المحافظة سيتم من خلالها تنفيذ برامج توعية وإرشاد زراعي، والتنسيق مع المنظمات الداعمة لتوفير شبكات ري بالتنقيط ومستلزمات زراعية محسنة، ودراسة احتياجات المزارعين الأكثر تضررًا ورفعها للجهات المعنية.

 ودعا المزارعين الي ضرورة الترشيد في استخدام المياه، والتحول إلى أساليب الزراعة الذكية، والابتعاد عن الري التقليدي العشوائي، والاستفادة من أي برامج دعم أو تدريب يقدمها المكتب.

 وأطلق مدير عام الزراعة في مأرب نداء عاجل عبر “منصة ريف اليمن” إلى كافة الجهات المحلية والدولية إلى دعم مزارعي حريب بشكل خاص؛ كونها محرومة من المشاريع في الفترة الأخيرة، وكذلك المزارعين في جميع المديريات الاخرى، مشدداً على ضرورة توفير الحلول المستدامة لأزمة المياه التي تهدد مستقبل الزراعة والأمن الغذائي في المديرية.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: