الخميس, نوفمبر 13, 2025
.
منصة صحافية متخصصة بالريف في اليمن

كيف تؤثر الألغام على سبل عيش المزارعين والغطاء النباتي؟

لم تقتصر تداعيات الحرب في اليمن على البنية التحتية والاقتصاد فحسب، بل امتدت لتطال سبل العيش بتدمير الأراضي الزراعية، بالإضافة إلى انحسار الغطاء النباتي، بسبب الألغام وتلوث المياه والتربة؛ مما انعكس سلباً على على الكثير من المجتمعات الريفية.

“ناجد عبد الله (45 عاماً)”، يعمل في الزراعة وتربية الثروة الحيوانية بمديرية نهم شمال شرق صنعاء، واحد من الذين دفعوا ثمناً باهظاً، فهو بعد أن كان يقضي أيامه، وأسرته المكونة من سبعة أبناء، في فلاحة الأرض التي ورثها عن والده، أجبرته الحرب على النزوح.

يقول ناجد: “تحولت الأراضي الزراعية إلى حقول موت بسبب الألغام الأرضية التي خلفتها الحرب على امتداد الأراضي، أصبحت المنطقة غير صالحة للعيش فيها، وتحولت المزارع إلى حقول ألغام”.


مواضيع مقترحة


 

الألغام والمزارعين

بحسرة يتحدث ناجد لمنصة “ريف اليمن”: “نرغب بالعودة إلى أرضنا ومزارعنا، لكن الحوادث المتكررة التي تعرض لها من عاد إلى أرضه من أبناء المنطقة كانت مؤلمة. أشعر بالخوف على أسرتي، فخلال السنوات الماضية فقد 20 من سكان المنطقة أرواحهم بسبب الألغام”.

أسرة ناجد هي واحدة من آلاف الأسر الريفية في اليمن التي أُجبرت على ترك أراضيها الزراعية ومصدر رزقها نتيجة الألغام الأرضية والعبوات غير المنفجرة.

يظهر تقرير صادر عن موقع «CEOBS» المعني بالبيئة في مناطق النزاع أن 257,000 هكتار من الأراضي الزراعية في اليمن تعاني من آثار التدهور، أي ما يُعادل تقريبًا إجمالي الأراضي الزراعية في الأردن أو لبنان.

وتسببت الألغام بمنع المزارعين من الوصول إلى مزارعهم ومراعيهم بشكل آمن؛ مما أجبر الكثيرين منهم على النزوح والبحث عن مناطق أكثر أماناً، تاركين خلفهم مساكنهم وأراضيهم ومصدر عيشهم.

على سبيل المثال في محافظة الحديدة، وقبل سبعة أعوام، فقدت أم عيبان زوجها في لغم أرضي أثناء حراثته لأرضهم الزراعية، حيث باتت الحوادث المتكررة في المنطقة تمثل كابوساً يهدد السكان و يدفعهم إلى النزوح.

كيف تؤثر الألغام على سبل عيش المزارعين والغطاء النباتي؟

النزوح والتلوث

أم عيبان هي واحدة من أربعة ملايين نازح، تركت أرضها ومزرعتها في مديرية بيت الفقيه بمحافظة الحديدة لتستقر في مخيم الجفينة في محافظة مأرب مع خمسة من أبنائها.

تقول أم عيبان لـ “منصة ريف اليمن”: “لم نكن نستطيع الوصول إلى المراعي والمزارع. الناس فقدت مصدر رزقها، وبات الحصول على الماء والحطب وعلف الماشية يُنغِّص حياتنا”.


المزارع التي كانت تنبض بالحياة والخضرة، تحولت إلى ما يشبه الصحراء، بسبب الألغام التي هجّرت الناس من مزارعهم


وتضيف: “الكثير من سكان الخيام هم مزارعون من أكثر من مدينة تركوا أرضهم وسكنهم بسبب الحرب والألغام التي شوهت جمال الأرض والبيئة، ليستقروا هنا”. وتواصل حديثها: “الأرض تُعَوَّض لكن من فقدناهم لا يمكن تعويضهم”.

أما المزارع “كهلان الصعدي”، فقد ترك أرضه في صعدة بسبب الألغام، ويعيش حالياً في مأرب. يؤكد لـ منصة ريف اليمن “تراجع إنتاج المحاصيل، وتلوث مياه الآبار والتربة، وتعرضت بعض أشجار المشمش والخضروات إلى موت أغصانها، وازدادت تكلفة الحاجة إلى اللقاحات والمبيدات الزراعية. الألغام والمتفجرات لم تقتلنا، لكنها سلبتنا رزقنا وأرضنا والكثير من أحبابنا”.

تحذر اللجنة الدولية للصليب الأحمر من أن اليمن بات يعاني من أحد أعلى معدلات التلوث بالألغام وغيرها من المتفجرات من مخلفات الحرب في العالم، بعد سنوات من بدء النزاع في البلاد، وهي البلاد التي تشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم حسب تقارير أممية، حيث يعاني أكثر من 19 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي.

كارثة بيئية طويلة الأمد

يرى الخبير البيئي، “عبدالقادر الخراز”، أن تأثير الحرب في اليمن امتد ليطال صميم الحياة البيئية والإنسان. ويتمثل ذلك في العبوات والألغام غير المنفجرة التي تُشكل خطرًا على الإنسان، والتي يمكن أن نطلق عليها “العدو الصامت” الذي يفتك بحياة اليمنيين في أرضهم، وبيئتهم الزراعية، والغطاء النباتي.

وأوضح الخراز لـ “منصة ريف اليمن” أنَّ الألغام في اليمن لا تقتصر على التسبب في انحسار الغطاء النباتي الضعيف أصلاً، بل تؤدي إلى التصحر والتدمير الفوري والتدريجي حتى للنباتات في المحيط العام والمراعي.

 كيف تؤثر الألغام على المزارعين والغطاء النباتي في اليمن؟
ضحايا الألغالم في الحديدة غربي اليمن

ويضيف: “وجود الألغام والذخائر غير المنفجرة في منطقة معينة يؤدي إلى بث الخوف والنزوح القسري لسكانها منها. وإذا كانت تلك المنطقة ذات طبيعة زراعية، فإنها لن تكون بيئة آمنة للزراعة أو تربية الماشية، مما يترتب عليه فقدان سبل العيش المعيشة في هذه المناطق”.

وتابع الخراز: “هناك تأثيرات بيئية خطيرة ناتجة عن المواد الكيميائية الموجودة في الألغام والمتفجرات، وينعكس ذلك سلباً على الإنسان سواء من خلال تلوث الهواء والتربة، أو تلوث المياه الجوفية، بل وقد يصل الأمر إلى دخولها في المحاصيل الزراعية وتسميمها”.

كما يضيف: “تلوث التربة يتطلب تكلفة مالية عالية عند معالجتها. وبالتالي، نحن بحاجة إلى ميزانية ضخمة وفترة زمنية طويلة لإعادة تأهيل التربة وجعلها صالحة للزراعة”.

من جانبه يقول مدير عام الغابات ومكافحة التصحر بوزارة الزراعة في عدن، المهندس “فاروق طالب”إن “الألغام والمتفجرات تُعد قنبلة موقوتة وتهديداً خطيراً للغاية، فهي تهدد حياة المزارعين وتضر بالبيئة الزراعية، وتؤدي إلى تهجيرهم من أراضيهم. كما أنها تتسبب في تفكك التربة وتعريتها”.

ويضيف لـ” منصة ريف اليمن”: “من المنطقي أن أي أرض لم تُنزع منها الألغام ستظل مهددة لسكانها، وخاصة الرعاة، وستجعل الثروة الحيوانية عرضة للخطر؛ مما يدفع إلى ترك الأرض مهجورة ودون استصلاح، وهذا يؤثر مباشرة على معيشة المواطنين”.

التصحر والأمن الغذائي

يقول طالب فاروق: “لا بد أن نعرف استخدامات الأراضي وكيف تتأثر بنقص الغطاء النباتي. فبحسب اتفاقية مكافحة التصحر، تُقاس الظاهرة بثلاثة مؤشرات رئيسية، وهي: تصنيف الغطاء الأرضي إلى خمسة أصناف: أشجار، شجيرات، أعشاب، محاصيل، وغيرها، وإنتاجية الأرض، وجود الكربون العضوي في التربة”.


الخراز: الألغام تبث الخوف في نفوس المزارعين والرعاة، وتحول دون وصولهم إلى المراعي، وتحرمهم من الوصول إلى أراضيهم وبالتالي تؤثر سلباً على استمرارية الزراعة


وأوضح أن تقرير اليمن الرابع للتصحر قد أشار إلى تراجع كبير في إنتاجية الأرض نتيجة الصراع الدائر ونزوح الأهالي، بالإضافة إلى استخدام الحطب بدلاً من الغاز؛ حيث قُدرت المساحة المستخدمة سنوياً بـ 750 هكتاراً، خاصة في حضرموت.

ويضيف: “إن التصحر مشكلة تضر بالأمن الغذائي في اليمن، خاصة وأن غالبية السكان (85%) يعتمدون على الزراعة. ومع ازدياد النمو السكاني والنشاط البشري، يتضرر الغطاء النباتي كثيراً، حيث بلغت نسبة التصحر 17.5%”، مبيناً أن التصحر لا يُقصد به الصحراء، بل تراجع الإنتاج البيولوجي للغطاء الأرضي.

أما عن الحلول، فيرى المهندس فاروق طالب أن أفضل المقترحات لتطهير الأرض من الألغام ومكافحة التصحر تتمثل في: ربط المشاريع التنموية بالاستدامة، وتحسين سبل عيش المزارعين، وإشراك أصحاب المصلحة في تحديد الأولويات.

من جانبه، يدعو الخراز، الحكومة والمجتمع الدولي إلى التحرك بشكل عاجل، مبيناً أن بقاء الألغام الأرضية يمثل خطراً يهدد الأجيال اليوم وفي المستقبل.

وشدد الخراز على ضرورة استجابة عاجلة على المستويين الوطني والدولي في هذا الإطار من خلال: الإسراع في إزالة الألغام وتطهير الأراضي، واستصلاح الأراضي الزراعية المتضررة من التصحر وعوامل التعرية، وإعادة بناء سبل العيش في المناطق التي تعرضت لتلوث الألغام، بالإضافة محاولة تحقيق الأمن الغذائي المستدام.

شارك الموضوع عبر: