قرى في الضالع.. سفر مرهق لأجل أساسيات الحياة

تقيد الطرق الوعرة الوصول للخدمات والموارد والتعليم

قرى في الضالع.. سفر مرهق لأجل أساسيات الحياة

تقيد الطرق الوعرة الوصول للخدمات والموارد والتعليم

في رحلة يومية شاقة، يقطع الطفل “طارق الشامي (13 عاما)”، نحو 3 كيلو مترات مشيا على الأقدام في طريق جبلية من قريته الشامي بمحافظة الضالع جنوبي اليمن، للوصول إلى قرية مجاورة من أجل شراء احتياجات أسرته الأساسية؛ بسبب غياب المحلات التجارية، وصعوبة إيصال الخدمات، ووعورة الطريق، التي تعاني منها قريته الجبلية.

تعد قريتي جبل الشامي، وقرية عدنة، في مديرية قعطبة، من القرى الجبيلة التي تفتقر إلى الخدمات الأساسية، ويعاني سكانها من صعوبة الحصول على المواد الغذائية والاحتياجات اليومية، وشح مياه الشرب خصوصا خلال فترة الجفاف؛ الأمر الذي أثقل كاهل الأهالي الذين يعانون ويكابدون مشقة يومية.


      مواضيع ذات صلة

مشقة ووعرة طرق

يقول طارق لمنصة ريف اليمن: “لا يكاد يمر يوم دون أن يتم تكليفي بالذهاب لشراء الاحتياجات المنزلية من مواد غذائية، وخضروات، وكل ما تحتاج إليه العائلة”. ويضيف: “تفتقر قريتنا إلى المحلات التجارية، حتى احتياجات والدي الخاصة من سجائر وقات وغيرها أضطر إلى شرائها من القرى البعيدة، أنا مثل غيري من السكان نتشارك المعاناة”.

يتكرر ذات المشهد في قرية عدنة الشامي، التي تبعد نحو كيلومترٍ من قرية الشامي، إذ يؤكد “صدام الشامي”، المنحدر من ذات القرية بأن “الحياة في قريتنا قاسية، يكابد السكان مشقة مضاعفة بسبب تدمير الطريق بشكل نهائي”.


يكابد السكان مشقة مضاعفة بسبب الافتقار للمحلات التجارية ويعتمدون على الحمير لنقل المواد الغذائية  بسبب وعورة الطريق


تسبب تلك الصعوبات بمغادرة الأهالي للقرية؛ إذ يوضح  صدام الشامي لمنصة ريف اليمن أن “القرية كادت أن تكون خالية من السكان قبل الحرب؛ بسبب هجرة الأهالي إلى المناطق التي تتوفر فيها الخدمات، لكن اندلاع الحرب دفعت الكثيرين منهم للعودة إليها رغم المشقة، فهم يعتمدون في نقل المواد الغذائية على ظهور الحمير بسبب وعورة الطريق”.

ويؤكد “عيسى الشامي”، المنحدر من قرية جبل الشامي، أن “معظم المواد الغذائية يتم حملها على ظهور الحمير، بعد توقف السيارات عن الحركة، لم يتبق في القرية سوى ثلاث سيارات فقط تذهب إلى السوق بين فترة وأخرى رغم وعورة الطريق وجرف السيول لها”.

ويضيف: “ارتفاع تكاليف النقل وندرة تحرك السيارات دفع الكثير من أهالي القريتين للاعتماد على جلب احتياجاتهم من القرى المجاورة، التي تبعد ثلاثة كيلومترات على الأقل، عبر طرق وعرة تجعل الحمير في بعض الأحيان عرضة للتعثر والسقوط خصوصا خلال موسم هطول الأمطار الموسمية صيفا”.

وبحسب برنامج الأمم المتحدة الانمائي، أصبحت الحياة أكثر صعوبة في المجتمعات الريفية في اليمن بسبب تقيد الطرق الوعرة الوصول إلى الخدمات الحيوية والموارد والتعليم وفرص العمل والإمدادات الغذائية.

أزمة مياه مستمرة

تتنوع معاناة السكان، ولعل أبرزها صعوبة الحصول على المياه، فالوضع لا يقل سوءا؛ إذ تعاني القريتان من شح حاد في المياه أثناء الجفاف؛ نتيجة غياب الآبار الجوفية، واقتصار الاعتماد على آبار سطحية مكشوفة، ما يجعلها سريعة الجفاف عند تأخر الأمطار الموسمية.

وتقول “معجبة البسارية”، وهي إحدى نساء قرية جبل الشامي: “تضطر النساء إلى الذهاب إلى وادي “وعران” في قرية “بيت الشوكي” لجلب الماء على رؤوسهن وعلى ظهور الحمير”. وتضيف لمنصة ريف اليمن: “تم تكليفي من قبل سكان القرية بإلزام النساء بتقنين استخدام المياه المتبقية في آبار القرية”، مشيرة إلى أنها تخصص لكل أسرة جالوناً سعة 40 لترا يوميا، لضمان توزيع الماء بعدالة بين الجميع.

قرى الضالع.. سفر مرهق لاقتناء أساسيات الحياة
يعاني السكان من شح حاد في المياه ويعتمدون على آبار سطحية مكشوفة (ريف اليمن)

لا تقتصر معاناة السكان على نقص الماء والتقنين في استخدامه، بل تمتد لتشمل تلوث المياه التي يتم جلبها من الآبار السطحية، والتي تكون مليئة بالبكتيريا والأتربة والطفيليات؛ مما يجعلها غير صالحة للشرب، كما أنها تؤودي إلى الإصابة بأمراض الكلى وغيرها.

ويقول أخصائي المسالك البولية، الدكتور “مجيد الضحياني” إن القرى الجبلية البعيدة عن الخدمات الصحية تعاني كثيرا من مشاكل صحية متعددة، تؤثر سلبا على صحة السكان.

ويضيف الضحياني لمنصة ريف اليمن: “عدم وجود مراكز صحية أولية تعمل على التوعية والإسعافات الأولية في القرى الريفية يزيد من سوء الوضع، إضافة إلى ضعف الوعي الصحي بين السكان؛ ما يؤدي إلى تفاقم الأمراض وانتشارها دون تشخيص مبكر واكتشاف الأمراض قبل تفاقمها”.

وتابع: “من أبرز المشاكل الصحية في المسالك البولية بالمناطق الريفية، هو التهاب في المجاري البولية وتكوُّن حصوات الكلى بسبب شرب مياه ملوثة، وعدم توفر دورات مياه صحية، الكثير من المرضى لا يعرفون طبيعة مشاكلهم الصحية، ولا يأتون إلى الطبيب إلا بعد مضاعفة حالتهم إلى بدايات الفشل الكلوي”.

معاناة المرضى والطلاب

ويصف “نبيل الشامي” معاناته المتكررة مع إصابة أطفاله وأطفال شقيقه بالأمراض الدائمة، خصوصا في مرحلة الطفولة، فيقول: “اضطر إلى حملهم فوق ظهري إلى مناطق تتوفر فيها مرافق صحية، مثل قريتي عزاب والرحبة، حالتي المادية تمنعني من استئجار سيارة للوصول إلى القرى التي تتوفر بها خدمات صحية”.

ويؤكد لمنصة ريف اليمن أن “معاناة المرضى من أبرز التحديات التي تواجه سكان قريتي جبل الشامي وعدنة الشامي، الذين يبلغ عددهم أكثر من 700 نسمة ، نظرا لطبيعتها الجبلية، خاصة في الحالات الخطرة مثل الكسور الناتجة عن السقوط، أو الحمى الشديدة، أو الجلطات أو أي أمرض أخرى تجعل الإنسان طريح الفراش”.

ويضيف: “مثل هذه الحالات تستدعي نقلا عاجلا إلى مدينة دمت، ما يفاقم المعاناة بسبب بعد المسافة ووعورة الطريق، فضلا عن التكاليف الباهظة”.

قرى الضالع.. سفر مرهق لاقتناء أساسيات الحياة
يعاني سكان القرى اليمنية من وعورة الطرقات وينقلون احتياجاتهم على الأكتاف (ريف اليمن)

الطلاب يعانون أيضا؛ إذ يواجهون صعوبة في التنقل إلى المدارس بالقرى المجاورة، ويضطرون إلى قطع مسافات طويلة عبر طرق وعرة من أجل مواصلة تعليمهم الدراسي. “أنور ناجي”، طالب في الصف الثالث الإعدادي بمدرسة قرية رمة، يعبر عن شعوره بالضيق تجاه الدراسة، قائلاً: “أصبحت أكره الذهاب إلى المدرسة بسبب مشقة السفر اليومي من قريتي جبل الشامي إلى رمة”.

وأوضح لمنصة ريف اليمن: “تبدأ معاناة طلاب القرية منذ المرحلة الأساسية، والانتقال إلى مدارس القرى البعيدة لاستكمال مراحل التعليم الإعدادي والثانوي، وسط غياب وسائل النقل، وتردي البنية التحتية”.

وتسببت الاشتباكات المسلحة بين أطراف الصراع بمضاعفة معاناة سكان القريتين، بسبب قطع الخطوط الرئيسية، نظرا لقربها من خط التماس، الأمر الذي فاقم من معاناتهم التي لاتزال مستمرة منذ سنوات.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: