صحراء الربع الخالي كانت خضراء.. كيف تحولت بيئة قاحلة؟

دراسة كشفت أنها كانت أرض خصبة على مدى 8 ملايين سنة وفيها بحيرة كبيرة وأنهار

صحراء الربع الخالي كانت خضراء.. كيف تحولت بيئة قاحلة؟

دراسة كشفت أنها كانت أرض خصبة على مدى 8 ملايين سنة وفيها بحيرة كبيرة وأنهار

يكشف الماضي الجيولوجي في صحراء الربع الخالي الواقعة في شبه الجزيرة العربية عن مناخ مغاير تماماً للتصورات السائدة، حيث كانت فيها حياة وبحيرات، وكانت تشهد هطول أمطار غزيرة -وفق ما أفادت دراسة حديثة- قبل أن تتسبب التغيرات الكبري بجعلها بيئة قاسية مغمورة بالرمال.

ولطالما اقترنت صورة شبه الجزيرة العربية في المخيلة بصحراء قاحلة شديدة الجفاف، وشمس حارقة، وارتبطت معها شخصية العربي بحياة بدوية أكثر قسوة وخشونة كانعكاس طبيعي لتلك البيئة.

لكن دراسة جديدة نشرتها مجلة «نيتشر nature» العلمية أكدت بأن صحراء الربع الخالي كانت في الماضي خصبة وخضراء بانتظام بفضل الأنهار والبحيرات على مدى ثمانية ملايين سنة؛ مما سمح باستقرار وتنقل الحيوانات “والبشر البدائيين”.

وتوصلت الدراسة، إلى أن صحراء الربع الخالي كانت تكتسب خضرة وخصوبة بانتظام على مدى 8 ملايين عام. وفي مرحلة ما، كانت تحتوي على أنهار وبحيرة تقارب ضعف مساحة بحيرة جنيف في سويسرا.

وصحراء الربع الخالي هي أكبر صحراء رملية متصلة في العالم، والرابعة عالمياً من حيث المساحة، تقع في الجزء الجنوبي الشرقي من شبه الجزيرة العربية، وتمتد في اليمن كثاني مساحة بعد السعودية التي تتواجد معظم الصحراء في أراضيها، بالإضافة إلى سلطنة عُمان، والإمارات.

مناخ وبيئة خصبة

بحسب باحثين، مرت شبه الجزيرة العربية بفترة أكثر رطوبة امتدت من أوائل إلى منتصف عصر الهولوسين، إلا أن مدتها تفاوتت محليًا، حيث امتدت على مدى آلاف السنين في الجزء الجنوبي من شبه الجزيرة العربية إلى بضعة قرون فقط في شمالها؛ بسبب مساهمة أنظمة الرياح الموسمية.

ومن المحتمل أن تكون هذه الظروف المناخية الأكثر رطوبة قد خلقت بيئات تشبه المراعي والسافانا؛ مما مهد الطريق لتوسعات بشرية كبيرة في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية، وتسلط النتائج، التي أجراها فريق دولي من الباحثين بدعم من لجنة التراث السعودي، الضوء على هذا التقاطع المهم وغير المعترف به حتى الآن للتبادل الحيوي الجغرافي بين أفريقيا وأوراسيا.

وتقع اليمن في الطرف الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة العربية، وتشكل صحراء الربع الخالي جزءًا من الحدود الطبيعية بين اليمن والسعودية، ويقع الجزء اليمني من الصحراء في محافظة حضرموت، ويتميز بالكثبان الرملية المتحركة، في حين تتصل اليمن بأفريقيا من جهة البحر الأحمر.

شبة الجزيرة العربية
يمني في صحراء شبوة شرقي اليمن المرتبطة بالربع الخالي في الجزيرة العربية (حسين علي/ فيسبوك)

الحياة في الربع الخالي

وتُعد صحراء الربع الخالي واحدة من أكبر المساحات الحيوية الجغرافية على الأرض؛ حيث تحد من انتشار البشر والحيوانات الأوائل بين أفريقيا وأوراسيا، وتشير الأبحاث الحديثة إلى أن الصحراء كانت موجودة في مكانها منذ 11 مليون سنة على الأقل.

لكن البروفيسور مايكل بيتراجليا، مدير المركز الأسترالي لأبحاث التطور البشري بجامعة جريفيث والمؤلف المشارك في الدراسة الجديدة، قال “إن الأدلة الأحفورية من العصر الميوسيني المتأخر (الذي اتسم بارتفاع درجات الحرارة العالمية) والعصر البلستوسيني (الذي تضمن عصوراً جليدية متعددة) تشير إلى الوجود المتقطع داخل المناطق الداخلية للصحراء العربية الصحراوية للحيوانات المعتمدة على الماء”.

وأضاف: “من المرجح أن الحيوانات مثل التماسيح، والخيول، وأفراس النهر، والخرطوميات، كانت تعتمد على الأنهار والبحيرات التي أصبحت غائبة إلى حد كبير عن المناظر الطبيعية القاحلة اليوم”.

وقال البروفيسور بيتراجليا: “من المرجح أن هذه الظروف الرطبة سهلت انتشار الثدييات بين أفريقيا وأوراسيا؛ حيث كانت شبه الجزيرة العربية بمثابة مفترق طرق رئيسي للتبادلات الجغرافية الحيوية على نطاق القارات”.


قبل نحو 6 آلاف سنة تشكّلت بحيرة كبيرة في قلب صحراء الربع الخالي، ووفق تقديرات بلغت مساحتها 1100 متر مربع وعمقها 42 مترا


وقد أجرت الدكتورة مونيكا ماركوسكا من جامعة نورثمبريا في المملكة المتحدة، والدكتور هوبرت فونهوف من معهد ماكس بلانك للكيمياء في ألمانيا، عملاً جديداً على رواسب الكهوف (رواسب معدنية مثل الصواعد والهوابط) مما أدى إلى إدراك وجود العديد من المراحل الرطبة في شبه الجزيرة العربية خلال الثمانية ملايين سنة الماضية.

وأوضحت الدكتورة ماركوسكا -المؤلفة الرئيسية للدراسة- أنه لم يكن معروفًا الكثير عن مناخ شبه الجزيرة العربية القديم قبل هذا الوقت، مشيرة إلى أن “النتائج سلطت الضوء على أن هطول الأمطار خلال فترات الرطوبة انخفض وأصبح أكثر تقلبًا بمرور الوقت، مع ضعف تأثير الرياح الموسمية، تزامنًا مع زيادة غطاء الجليد القطبي في نصف الكرة الشمالي خلال العصر البليستوسيني”.

وقال الدكتور فيصل الجبرين، كبير علماء الآثار السعوديين في هيئة التراث: “لقد تم تجاهل الجزيرة العربية تقليديًا في عمليات الانتشار بين أفريقيا وأوراسيا، ولكن الدراسات -مثل دراستنا- تكشف بشكل متزايد عن مكانتها المركزية في هجرات الثدييات والبشر”.

صورة نشرتها جامعة جريفيث الأسترالية للمنطقة التي كانت فيها البحرية في الربع الخالي

بحرية في الصحراء

ووجد الباحثون  -في الدراسة- آثارا صخرية محفورة بالماء، تشهد على زمن غابر شهدت فيه الصحراء فصولا خضراء، قبل نحو 9 آلاف عام.

ووفق الدراسة، فإنه بين 11 ألف سنة و5500 سنة مضت، مرت صحراء الربع الخالي بفترة مناخية رطبة، وخلال هذه الفترة، هطلت أمطار غزيرة غير معتادة في المنطقة، وتلا ذلك تشكّل بحيرة في قلب الربع الخالي، وكانت كبيرة ووفق تقديرات بلغت مساحتها 1100 متر مربع وعمقها 42 مترا.

وبحسب الدراسة، لم يكن هطول الأمطار ضعيفا، بل كان أحيانا قويا وكثيفا، وهذا أدى إلى تغيرات سريعة وواسعة النطاق في المناظر الطبيعية.

ويعتقد العلماء أن مصدر هذه الأمطار هو الرياح الموسمية الأفريقية، والتي أظهرتها الرواسب التي أمكن تتبعها على مسافة 1100 كيلومتر، تمتد من جبال عسير على طول البحر الأحمر.

ومع استمرار هطول الأمطار، فاضت البحيرة، وهذا أدى إلى حدوث فيضان كبير، أسفر عن تشكُّل واد طويل امتد 150 كيلومترا عبر الصحراء، وهذا يُظهر أن المنطقة لم تكن فقط تحتوي على ماء، بل شهدت نشاطا مائيا كافيا لنحت تضاريس.

صحراء الربع الخالي
صحراء الربع الخالي كانت مليئة بالحياة والطبيعة الخضراء وأصبحت الآن رابع أكبر صحراء في العالم

تحولات كبرى للمناخ

وبدأ تحول الربع الخالي من بيئة خصبة إلى صحراء قاحلة منذ حوالي 6 آلاف سنة، حيث بدأت الأمطار تتراجع بشكل حاد؛ نتيجة لذلك جفّت البحيرات، واختفت الأنهار، وأصبحت المنطقة تدريجيا صحراء كما نعرفها اليوم.

ومع تحوّل المناخ، اضطر البشر إلى مغادرة هذه المناطق، متّجهين نحو أماكن أكثر رطوبة وصلاحا للعيش، وتغيرت أساليب حياتهم لتتلاءم مع الظروف القاحلة، فتحولوا من الاستقرار إلى التنقل والرحيل الدائم.

يُعيد هذا الكشف تشكيل فهم العلماء لتاريخ المناخ في شبه الجزيرة العربية، ويسلط الضوء على قدرة الإنسان القديم على التكيّف مع تغير المناخ، وكيفية تطور الحضارات المبكرة في بيئات قاسية.

كما ارتفعت درجات الحرارة العالمية قبل حوالي 5 آلاف سنة؛ مما زاد من معدلات التبخر، فجفت المسطحات المائية بسرعة، وأصبحت التربة أكثر عرضة للتعرية الريحية، حيث حملت الرياح الرمال، وزحفت تدريجيا على المساحات الخضراء وغمرتها بالرمال.

ويؤكد الباحثون أن التغير المناخي الحالي قد يؤدي إلى تغيرات في أنماط الطقس، لكن من غير المرجح أن تعود المنطقة إلى حالتها القديمة بسبب التغيرات الجيولوجية الدائمة. مع ذلك، فإن دراسة هذه التحولات تساعد العلماء على فهم مستقبل المناطق الجافة في ظل الاحتباس الحراري.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: