تعد اليمن من أقدم الدول التي زرعت شجرة البُن وصدَّرته إلى العالم، وما زال البن اليمني حتى اليوم يكتسب شهرة عالمية واسعة بفضل مذاقه الفريد، ونكهته المميزة، وتزين أشجاره أعالي الجبال في مختلف المحافظات اليمنية، خصوصًا في منطقة حراز في ريف صنعاء.
ونشرت وكالة أنباء شينخوا الصينية تقريرًا مثيرًا عن القهوة في اليمن بعنوان: “رسالة من الشرق الأوسط: في مرتفعات اليمن، يبقى الأمل قائمًا حيث ينمو البن”، كتبه الصحافي الصيني “ين كي” الذي أبدى حبًا عميقًا لمدينة صنعاء وتقدر مكانة اليمن في صناعة القهوة.
مواضيع ذات صلة
-
القهوة اليمنية: إرث عريق ونكهة فريدة تتحدى الزمن
-
لحج.. استعادة زراعة “البن اليافعي” واقتلاع القات
-
رئيس نادي البُن: اليمن مهد القهوة الأول تذوقاً وزراعة
البُن في جبال حراز
يفتتح ين كي مقاله واصفاً أحد مزارعي البن “مع وصول أول أشعة الشمس إلى قمة تلال حراز الوعرة في اليمن، التقيت بأحمد علي نسيم، وهو مزارع يبلغ من العمر خمسين عامًا، وكانت يداه مبللتين بالفعل بعصارة أشجار البن من عمله في الصباح الباكر”.
وقفنا على طريق ضيق متعرج بين حواجز حجرية، وكان الهواء منعشًا، ويحمل رائحة الأعشاب البرية وحبيبات البن الناضجة، ثم أشار إلى فرع محمل بحبات البن الحمراء، وقال: “لقد شهدت هذه الشجرة الحرب والعواصف، تمامًا مثلنا”.
قبل ستة قرون، كانت مرتفعات حراز تُعرف بكونها مهدًا للبن اليمني التقليدي. وبفضل ارتفاعها الشاهق وتربتها الصخرية الفريدة ومناخها الرطب، توفر الجبال ظروفًا زراعية استثنائية تُهيئها لإنتاج بعضٍ من أجود أنواع البن في العالم.
يتذكر نسيم قائلا “كان كل حصاد مُحَصورا ومحفوظا، كل ما كان علينا فعله هو الحفاظ على الأشجار حيةً، وصيانة أنظمة الري”، لكن كل ذلك تغير مع اندلاع الحرب في اليمن عام 2014.

البُن والحرب
مع استمرار الصراع، اضطر بعض المزارعين إلى هجر أراضيهم بحثًا عن الأمان، وتلقّت صناعة البن في اليمن ضربةً قاصمة، إذ كاد الإنتاج أن يتوقف تمامًا، وحلّت محلّ مزارع البنّ المزدهرة زراعة القات، وهو نبات منشّط يُشبه التبغ. وعلى الرغم من الحرب والنزوح، لم ينس السكان المحليون أشجار البن التي زرعوها بأيديهم. يقول نسيم: “أشجار البن في الجبال هي موطننا”.
منذ عام 2020، شهد شمال اليمن عودة تدريجية للاستقرار، وعاد المزارعون من حراز إلى مناطقهم، حيث قاموا بإزالة شجيرات القات وزرعوا شتلات بن جديدة. رغم المصاعب، تمضي الحياة قدمًا. يضيف نسيم وعيناه تلمعان وهو ينظر إلى ثمار البن الناضجة: “ما دامت أشجار البن حية، يبقى لنا أمل”.
بعدها همس قائلا: “هذه الأرض تعود للحياة. وكما يبدأ الناس يومهم بالقهوة، تُمثّل هذه الأشجار بالنسبة لنا، نحن المزارعين، بداية فصل جديد”.
وفي سبيل تشجيع المزارعين على العودة لزراعة البن والحفاظ على مكانته وشهرته التاريخية، خصص اليمنيون يوم 3 مارس/آذار من كل عام يوماً لإحياء يوم البن اليمني، وأطلقوا عليه «عيد موكا» يتم في هذا اليوم إقامة فعاليات وأنشطة ثقافية للتوعية بأهمية البن؛ حيث تم اختيار يوم 3 مارس لكونه بداية الموسم الزراعي لشجرة البن؛ حيث يبدأ المزارعون ممارسة الطقوس الزراعية بالتزامن مع هطول الأمطار الغزيرة، إذ تعتمد زراعة البن بشكل رئيسي على مياه الأمطار الموسمية.
يوجد عدة أنواع من البن اليمني يتم زراعتها في مناطق مختلفة من البلاد، تشمل: العديني، الدوائري، التفاحي، البرعي، الحمّادي، المطري، الحيمي، اليافعي، الحرازي، الخولاني، موكا، الإسماعيلي، الريمي، الوصابي، الآنسي، الصبري، والصعدي، مما يعكس غنى التراث الزراعي والثقافي للبن اليمني.

القهوة في حياة اليمنيين
بالنسبة لليمنيين، تُعدّ القهوة مقياسًا دقيقًا للحياة اليومية. ومع نمو تجارة حبوب البن بين نسيم ومزارعين آخرين، تروي طوابير الزبائن أمام المقاهي المحلية قصة تجدد هادئة، في إشارة إلى أن المجتمع يستعيد توازنه.
في معرض صغير للمنتجات المحلية في مدينة صنعاء القديمة، التقيت بوفاء عبد الله، وهي إحدى المنظمين الشباب، والتي شبهت البن بقدرة اليمن على الصمود. وقالت: “يُطلق الناس على النفط اسم الذهب الأسود، لكن بننا لا يقل قيمة. فهو يربطنا بالآخرين وبالعالم، ويعين عائلاتنا على العيش في أرضنا”.
يقول كاتب التقرير: سألتُ نسيم إن كان سيغادر مجددًا إذا تصاعد العنف، قادني إلى شتلة بن صغيرة زرعها قبل موسمين، أوراقها الخضراء زاهية الألوان على الأرض الجافة المتشققة. قال بهدوء: “مثل شجرة البن هذه، لن أغادر هذه المرة، هذه الأرض جذورنا”.
يحتل البن اليمني المرتبة الأولى عالمياً من حيث الجودة، ويصل سعر الكيلوغرام منه إلى 500 دولار، بينما يبلغ سعر الطن حوالي نصف مليون دولار، أي أن سعر الكيلو من البن اليمني يعادل سعر 10 براميل نفط.
تتركز زراعة البن في مناطق عديدة من اليمن، حيث يُزرع بشكل رئيسي على ارتفاع يتراوح بين 700 و2200 متر فوق سطح البحر، خاصة في سلسلة الجبال الغربية المطلة على تهامة، وكذلك في المناطق الجبلية والوديان ذات الطقس البارد، مثل: حراز، وبني مطر، والحيمتين في صنعاء.