يقف “أحمد زيد الحبيشي، ( 55عاما)”، داخل إحدى المزارع في مديرية الوادي بمحافظة مأرب، التي تضم نحو 1300 نخلة، يتأمل عناقيد التمور المتدلية، حيث تصطف أشجار النخيل، في مشهد بديع، تتمايل تحت وهج الشمس معلنة بدء موسم الحصاد.
يقول الحبيشي لـ”منصة ريف اليمن”، إن قصة التمور لا تبدأ عند جنيها، بل تعود إلى بدايات فصل الربيع مع تفتُُح أزهار النخيل وبداية التلقيح، الذي يصفه بأنه “العامل الأول لزيادة المحصول”.
ويضيف: “نضع في كل زهرة ثمانية عيدان من ذكور النخيل، وأي نقص أو تأخير عن الموعد المحدد بأسبوعين يؤدي إلى ضعف الإنتاج وخسائر كبيرة”.
مواضيع مقترحة
-
تمور المناصف بتهامة.. مصدر معيشي وكرنفال شعبي
-
حضرموت تحتفي بكنزها الأخضر
-
مَزارع نخيل الساحل الغربي: الحرب تحولها إلى أطلال
ويوضح الحبيشي أن رحلة الحصاد تمر بخطوات متعددة تبدأ بتحويض النخيل وسقيها، ثم التشويك وقص السعف، وربط الثمار لحمايتها من الرياح، وصولًا إلى “التخيش” عبر تغطية قنوان التمر بأكياس شبكية تسمح بالتلقيح الطبيعي، وتحمي الثمار من الطيور، مستشهدًا بالآية: “وجعلنا الرياح لواقح”.
غياب الدعم الرسمي
مدير مكتب الزراعة في مأرب “علي قاسم بحيبح”، أوضح أن الأصناف المزروعة تشمل: الإخلاص، نبوت سيف، سلطانة، عنبرة، برحي، سكري، لافتا إلى أن الإنتاج المحلي يغطي 70% من احتياجات السوق. لكن بحيبح يعترف بوجود مشكلات عديدة مثل العناكب والطيور وضعف التلقيح، إلى جانب غياب الدعم الحكومي في مجالات التسميد والمبيدات والوقود.

وأشار بحيبح خلال حديثه لـ”منصة ريف اليمن”، إلى أنه لا توجد إحصاءات دقيقة للمساحات المزروعة، لكن السنوات الأخيرة شهدت زراعة 40 بستانًا منظمًا بمتوسط 30 شتلة في البستان، فيما تصل بعض المزارع إلى أكثر من 2000 شجرة. وفي حين اعترف بغياب الدعم الحكومي في مجالات التسميد والوقود والمبيدات، كشف عن خطط لتنفيذ مسح زراعي شامل، وتنظيم برامج إرشادية للمزارعين بعد ترميم مكتب الزراعة.
يوميات العمال
“عبد الكريم مبارك (32 عاما)” يروي تفاصيل عمله اليومي لـ”منصة ريف اليمن”، قائلا: “نجمع اللقاح من الذكور ونضعه في أكياس ثم نتسلق لتلقيح الإناث، وإذا تأخرنا عن الموعد المحدد بـ15 يوما فقط، تُغلق النواة وتخرج الثمرة صغيرة بلا فحصة، ونسميها بركاني”.
“العمل ليس بلا مخاطر، فالأشواك تجرح الأيدي، والعناكب تنخر السعف؛ ما قد يسبب سقوط العامل إذا تشبث بسعفة خالية”، يقول مبارك، ويضيف: “نوع السكري بالذات عيدانه ضعيفة جدًا، والربط لا يفيد لأنه لا يوجد مكان لتثبيت الحبال”.
في الأيام العادية يعمل ثمانية عمال في المزرعة، لكن العدد يتضاعف ثلاث مرات في مواسم الحصاد، وساعات العمل تمتد من السابعة صباحا حتى منتصف النهار، ثم من الثانية ظهرا حتى السادسة مساء، فيما لا يتجاوز الأجر الشهري 150 ألف ريال، رغم مشقة العمل.
موسم شاق وأخطار متعددة
أما “سلمان عبده القعيشي (21 عامًا)”، يعمل في جني التمور منذ سنوات، يصف الموسم بأنه الأصعب طوال العام، حيث يواجه العمال مخاطر سقوط السعف المتهالك أو مواجهة الثعابين في النخيل المهجورة، وسط غياب تام لأدوات السلامة.

ويشير القعيشي إلى أن أوزان العذوق تختلف حسب النوع؛ فالسكري يصل إلى 20 كيلوجرامًا، بينما الصيفي لا يتجاوز 16 كيلوجرامًا، لافتا إلى أن العمال المتخصصين في الجني يراعون طلب الزبائن من حيث الصنف والوزن.
أهمية وتحديات
الباحث الاقتصادي “وحيد الفودعي”، أوضح أن موسم التمور يمثل مصدر دخل موسمي لآلاف الشباب، ويسهم في تقليص البطالة المؤقتة، لكنه ينتقد غياب البنية التحتية الزراعية من مراكز فرز وتعبئة وتخزين مبرد، إضافة إلى شهادات الجودة؛ ما يحرم تمور مأرب من فرص التصدير للأسواق الخليجية والآسيوية.
ويقول الفودعي خلال حديثه لـ”منصة ريف اليمن”: “لو توفرت هذه العناصر، يمكن لتمور مأرب أن تنافس بسهولة”، موضحا أن غياب أدوات السلامة يقلل من كفاءة العمل ويرفع الإصابات؛ ما يؤثر سلبًا على الإنتاجية وجودة التمور. ويضيف: “الاستثمار في النخيل مربح على المدى الطويل، لأنه طويل العمر والإنتاجية، والعائد مستقر إذا أُدير بشكل احترافي”.

رغم أهمية هذا القطاع، يواجه تحديات متعددة تتراوح بين بيئية تتمثل في الجفاف ونقص المياه، واقتصادية ترتبط بارتفاع التكاليف وتضرر الأسواق جراء الحرب، ومع ذلك، يأمل المزارعون والمسؤولون في بناء بنية تحتية تسويقية وتخزينية، مع برامج تدريبية للمزارعين تضمن الحفاظ على جودة الإنتاج، وتفتح آفاقًا للتصدير.
وبينما يستمر العمال في تسلق النخيل تحت الشمس، تظل التمور رمزًا لصمود مأرب وإرثها الزراعي الذي يقاوم الزمن، في انتظار موسم تكون فيه الثمار أوفر، والأسواق أوسع، والحياة أيسر على من يرعون هذا الذهب البني.