تلوث التربة الزراعية بالسموم.. ماعلاقة المبيدات؟

تحقيق صحافي كشف أن تحليل مخبري تلوث التربة بالمعادن الثقيلة شديدة الخطورة

تلوث التربة الزراعية بالسموم.. ماعلاقة المبيدات؟

تحقيق صحافي كشف أن تحليل مخبري تلوث التربة بالمعادن الثقيلة شديدة الخطورة

كشف تحقيق صحافي عن انتشار تلوث التربة في اليمن نتيجة الاستخدام الطويل للمبيدات والأسمدة التي تحتوي على كمية كبيرة من المعادن الخطيرة؛ ما يعني أن محصول تلك المزارع سيؤثر على صحة المستهلكين للإنتاج الزراعي.

ووفق التحقيق الذي نشرته – صحيفة “العربي الجديد”- فإن تحليلاً مخبرياً كشف عن تلوث التربة في اليمن بالمعادن الثقيلة شديدة الخطورة كالرصاص والزرنيخ وغيرها من العناصر السامة التي تجد طريقها إلى السلسلة الغذائية للإنسان وما يستهلكه من كائنات.

ففي محافظة الضالع جنوبي اليمن وقف المهندس “عبد الرحيم الحسام” مذهولا أمام مشهد إحدى المزارع بمنطقة حجر، إذ ظهرت محاصيل الذرة الرفيعة متقزمة ومصفرة تكاد تكون ميتة، كما أن تربتها صارت ملحية غير متماسكة.

تكرر أمام ناظريه ذات المشهد خلال جولة بمنطقة مريس. وبحكم خبرته توقع المهندس الحسام الذي يعمل مديراً لإدارة وقاية النباتات في مكتب الزراعة، أن ما يجري له علاقة باستعمال طويل الأمد لمبيدات خطرة، كما يقول.


     مواضيع ذات صلة

التربة المسمومة بالمعادن الثقيلة

ما ذهب إليه الحسام، جاء مطابقا للأدلة التي توصل إليها التحقيق؛ إذ كشفت نتائج تحليل مخبري أجري في الرابع من ديسمبر/كانون الأول 2024، على عينة من تربة إحدى مزارع منطقة حجر، وجود تراكيز عالية من عنصر الرصاص بنسبة 9.9 مليغرام في الكيلوغرام الواحد.

وهذا يفوق الحدود المسموح بها بتسعة أضعاف، كما يوضح أستاذ تقييم الأثر البيئي المشارك في كلية علوم البحار والبيئة بجامعة الحديدة الدكتور “عبد القادر الخراز” أن “التركيز المسموح به في التربة لعنصر الرصاص وغيره من المعادن الثقيلة السامة والخطيرة واحد مليغرام في الكيلوغرام الواحد”.

بلغت نسبة عنصر الزرنيخ واحد مليغرام لكل كيلوغرام من التربة، بحسب نتائج التحليل، ما يعد مؤشرا خطيرا على بدء تلوث التربة به بحسب الدكتور الخراز، موضحا أن وجود الرصاص والزرنيخ في التربة، يؤكد استخدام نوعيات من الأسمدة تحتوي على هذه المعادن الثقيلة السامة.

وقال الخراز “إن استخدام الأسمدة أو المبيدات الحشرية المحظورة لا يقل خطورة عن الملوثات النفطية”، إذ ينتج معادن ثقيلة تختلط مع مرور الوقت بالتربة وتغير خصائصها، وضرب مثالا بتلوث التربة في مزارع مديرية وادي حريب بمحافظة مأرب.

تلوث التربة في مأرب

وكشفت نتائج تحليل أجراه الأكاديمي الخراز في مختبر ALS بماليزيا، بعد جمع ثلاث عينات من تربة وادي حريب، أن نسبة التلوث بالرصاص، بلغت 120 مليغراما في الكيلوغرام، وتعتبر أي زيادة في المعادن الخطيرة عن واحد مليغرام فقط للكيلوغرام تلوثا خطيرا للتربة وصحة الإنسان.

وجاء الزنك في المرتبة الثانية بنسبة 22 مليغراما للكيلوغرام، يليه النيكل بـ13 مليغراما للكيلوغرام، ثم الكروم والنحاس بـ9 و6 مليغرامات على التوالي، وتساوت عناصر الزرنيخ والكاديوم والبريليوم، بأكثر من واحد مليغرام للكيلوغرام.


دراسة: 70 في المائة من إجمالي المساحة المزروعة في ثلاثة مواقع بوادي حريب ملوّثة بالمعادن الثقيلة السامة


“بهذا تعتبر التربة ملوثة بتلك المعادن الخطيرة والسامة”، بحسب ما جاء في دراسة “تأثير تلوث صناعة النفط على الصحة وسبل العيش: حالة حريب – مأرب”، والتي نشرت في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 بمجلة PSM للأبحاث.

وما يزيد من خطورة التلوث كون مأرب تحتل المرتبة الثالثة في إنتاج المحاصيل الزراعية بنسبة 7.6% من إجمالي الإنتاج بعد محافظتي الحديدة وصنعاء، ومن أهم محاصيلها الفواكه والحبوب والخضروات؛ ما يعني انتقال تلك العناصر السامة إلى أمعاء المستهلكين.

وبلغ متوسط الأراضي الزراعية المتأثرة بالتلوث 70% من إجمالي المساحة المزروعة في ثلاثة مواقع بوادي حريب، هي منطقتا أبو تهيف والعقيل، وقرى العويدان والأشراف والعين، وفق ما وثقته الدراسة البحثية.

انتقال السموم إلى السلسلة الغذائية

“ينمو تأثير المبيدات المحرمة ويتزايد ليغطي مساحة كبيرة من التربة الملوثة. فعلى سبيل المثال، لوثت 30 طنًا من المبيدات المدفونة منذ ثمانينيات القرن الماضي في مواقع متفرقة باليمن 1500 طن من التربة”، بحسب تقرير صادر عن منظمة الأغذية والزراعة (فاو) التابعة للأمم المتحدة في مايو/أيار 1999، بعنوان “الوقاية والتخلص من مخزونات المبيدات الحشرية القديمة والمحظورة في أفريقيا والشرق الأدنى”.

ودفنت مبيدات في حقل بمزرعة سردود الإنتاجية في محافظة الحديدة غربي اليمن، يحمل الرقم 72، كما يوثق تقرير “تقييم السياسات والقوانين البيئية الراهنة في اليمن”، الذي أعده الدكتور “هشام محمد ناجي”، رئيس قسم العلوم البيئية بكلية البترول والموارد الطبيعية في جامعة صنعاء الحكومية في إبريل/نيسان 2023.

وليس هذا فحسب بل إن 462 طنا من المبيدات القديمة والمهجورة والمواد الملوثة تراكمت منذ أربعينيات القرن الماضي في أكثر من 40 موقعا في مختلف مناطق اليمن، كما يقول التقرير.

ورغم إشارة التقرير إلى قيام وزارة الزراعة بحصر وتصنيف وإعادة تعبئة تلك المبيدات بين عامي 2000 و2001، أوضح الدكتور ناجي لـ”العربي الجديد” أن هذه المبيدات التي ظلت لعقود في التربة، يستمر تأثيرها لعشرات السنين، وتنتقل إلى الإنسان عبر جذور النباتات التي تمتص المبيدات مع المياه، ومنها تنتقل إلى الكائنات الحية.

وتتحلل المبيدات الممنوع تداولها في الأسواق والمقيدة (مبيدات يُسمح باستخدامها تحت إشراف متخصصين مدربين)، ببطء شديد في التربة، أي أنها تبقى في البيئة لفترة زمنية كبيرة، ما يزيد من خطر تعرض الكائنات الحية لها وتراكمها في السلسلة الغذائية، بحسب ما قاله أستاذ أمراض النبات في قسم وقاية النبات بكلية ناصر للعلوم الزراعية بمحافظة لحج، الدكتور “صالح عثمان محمد”.

لكن كيف يحدث كل ذلك؟ تفسر “لنا سعيد” أستاذة علوم البيئة في قسم التربة والهندسة الزراعية بكلية ناصر للعلوم الزراعية في لحج ما يجري بأن “النبات يمتص المواد الكيميائية من التربة الملوثة فتنتقل العناصر الثقيلة إلى المحاصيل والثمار، ومن ثم إلى الحيوانات الداجنة والحليب لتستقر في نهاية المطاف داخل جسم الإنسان”.

ويؤدي ذلك إلى التسمم المزمن نتيجة التعرض المتكرر والمتواصل لمادة خطيرة بجرعات صغيرة على مدى فترة طويلة، تقول الدكتورة سعيد، موضحة أن المعادن الثقيلة أحد مسببات الإصابة بالسرطان، ما يفسر تزايد عدد المصابين بالمرض سنويا في اليمن.

وارتفعت حالات الإصابة بالسرطان من 4,207 حالة عام 2015، وبلغ 6,789 حالة في عام 2022″، وفق بيانات مسجلة في المركز الوطني لعلاج الأورام (حكومي) والتي أكدت وجود زيادة مطردة في أعداد الإصابات بالمرض كل عام.

فوضى المبيدات المحظورة

ينتشر استهلاك مبيدات، “دروسبان، موسبيلان، وسوبر أسيد” – بحسب ما تأكدت منه معدة تحقيق العربي الجديد- أثناء جولتها الميدانية على محال تبيعها في محافظتي لحج وأبين جنوبي البلاد، رغم أنها من بين الأنواع الممنوع تداولها وفق قرار حكومي سابق.

وأصدرت الحكومة اليمنية قرارا في العام 2007، بقائمة مبيدات الآفات الممنوع تداولها، والتي اشتملت على 349 مادة فعالة لتركيبات المبيدات بحسب قوائم اتفاقية روتردام بشأن إجراء الموافقة المسبقة على بعض المواد الكيميائية والمبيدات الحشرية الخطيرة المتداولة في التجارة الدولية.

عرضت معدة التحقيق أسماء تلك المبيدات على المهندس الزراعي “عبد القادر السميطي”، الذي يقود مبادرة حول تجارب الزراعة دون أسمدة كيميائية في محاولة لتعميمها على المزارعين، وقال “أن المادة الفعالة في المبيدات التي تضمنت أسماءها عروض الأسعار تدخل ضمن المواد الممنوع تداولها، وتحمل مخاطر بيئية تشمل تلوث التربة والتأثير على الكائنات الحية الدقيقة فيها، واحتمالية تلوث المياه”.

وأشار إلى “أن المادة الفعالة لـ”دروسبان” المبيد الحشري العضوي الفوسفوري تسمى كلوربيريفوس ولها مخاطر صحية، منها مشاكل الجهاز التنفسي، واضطرابات في الجهاز الهضمي، وتأثيرات على الجهاز العصبي.

“ولا يقف الخطر عند هذا الحد”، والقول لنائب مدير مكتب الزراعة والري بمحافظة أبين “صالح مكيش مصعبين”، إذ جرى ضبط مبيدات محظور استعمالها مثل “ميثوميل، دايمثويت، بيريميفوس-مثيل، تراكلورفون، ومونوكروتوفوس”، خلال حملة تفتيش على محال بيع المبيدات في مديريتي زنجبار وخنفر بالمحافظة الواقعة جنوبي البلاد في منتصف العام 2023.

أثناء تلك الحملة ظهر وجود عاملين غير متخصصين في أماكن بيع المبيدات بعضهم من خريجي كليات الهندسة أو التربية والشريعة والقانون، أو حتى ليس لديهم سوى شهادة الثانوية العامة، وهو ما يخالف قانون تنظيم تداول مبيدات الآفات النباتية.

وقال مصعبين “يشترط القانون في الشخص للحصول على ترخيص مزاولة أي مهنة من مهن تداول مبيدات الآفات، أن يكون لديه شهادة جامعية وقاية نبات أو متعاقداً مع مشرف فني”.

المصدر: صحيفة العربي الجديد

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: