محيي الدين الشوتري – منية دعكم | ريف اليمن:
في ظل تردي الوضع الاقتصادي وتوقف المرتبات وانقطاع المعلمين عن مهنة التدريس خلال السنوات الماضية، لعب التطوع دورا حاسما في استمرار الحياة التعليمية وإنقاذ مئات الطلاب من الجهل في مناطق ريفية نائية بمحافظة تعز.
وتشهد العملية التعليمية في اليمن تدهورا مستمرا بفعل الحرب التي تدخل عامها الحادي عشر، إذ كان آخر توظيف حكومي للمعلمين عام 2012، ومنذ ذلك الحين تناقص الكادر تدريجيا بسبب الوفاة أو النزوح أو ترك المهنة للبحث عن مصدر رزق بديل.
في منطقة الصرارة بمديرية موزع غربي تعز، أوشكت مدرسة الفتح على الإغلاق بعد مغادرة المعلمين الرسميين، لكن التربوي “علي قاسم” قرر كسر دائرة الصمت، معلنا التطوع مع ثلاثة زملاء لإنقاذ العشرات من الأطفال من الجهل.
مواضيع مقترحة
-
طلاب الريف.. الكفاح خياراً إجبارياً لمواصلة التعليم
-
التعليم الجامعي: حلم فتيات الريف الذي لا يتحقق
-
قرية القفوة: مبادرة لتعليم 100 طفل تحت سعف النخيل
يقول علي قاسم لـ “منصة ريف اليمن”: “كانت المدرسة تضم خمسة معلمين ثابتين قبل الحرب، لكن بعد توقف الرواتب غادروا جميعا، ولم يبق سوى المدير، أغلقت المدرسة لعام كامل، فقررنا التطوع لتدريس أبنائنا، لأن إغلاق المدرسة كان يعني دمار الجيل بأكمله”.
إنقاذ الأطفال من الجهل
تضم مدرسة الفتح نحو 400 طالب وطالبة من أكثر من 15 قرية محيطة، ويقتصر التعليم فيها على المرحلة الأساسية، ومع بعد المسافات إلى المدارس الأخرى، يتسرب كثير من الأطفال من التعليم، ويواجه المتطوعون صعوبات عديدة أبرزها انعدام الكتاب المدرسي وغياب أي دعم مادي أو تدريبي.
خلال السنوات الماضية، أجبرت الظروف المعيشية القاسية المئات من الطلاب اليمنيين -خصوصاً في المناطق الريفية النائية- على التسرب من التعليم، إذ يعيش الأهالي والسكان ظروفاً معيشية قاسية، انعكست سلبا على مختلف مجالات حياتهم، وتسببت بحرمان أبنائهم من مواصلة تعليمهم المدرسي والجامعي.

يقول “صالح الروضي”، رئيس الوحدة التنفيذية للنازحين في مديرية موزع، إن العديد من الأطفال النازحين حرموا من التعليم جراء النزوح والظروف الاقتصادية الصعبة في السنوات الأخيرة.
وأضاف الروضي لـ “منصة ريف اليمن”: “اضطر البعض منهم لمغادرة الدراسة لمساعدة أهاليهم في توفير العيش الكريم، فيما ثمة متطوعون في منطقة الغُلَّة وبعض المخيمات الأخرى يقومون بتدريس بعض الأطفال النازحين في بعض المخيمات، لكنهم بحاجة إلى دعم للبقاء في هذا العمل الإنساني في ظل الظروف الراهنة التي يعيشها البلد”.
حضور النساء
لم تقتصر مبادرات التطوع وإنقاذ الأجيال من الجهل على الرجال، فالنساء أيضا كن حاضرات في خدمة المجتمع؛ إذ برزت فتيات لتغطية النقص في المدارس، كما حدث في قرية الضياء بمديرية سامع جنوبي تعز، وأسهمن في التخفيف من حدة الأزمة، واستمرار العملية التعليمية للتلاميذ، رغم غياب أي دعم رسمي.
قبل أكثر من 5 سنوات، وجدت إدارة مدرسة الثورة الابتدائية الواقعة بالقرية ومعها الأهالي أنفسهم أمام مشكلة خطيرة، تتمثل في نقص حاد في الكادر التعليمي مع ازدحام كبير للطلاب، أمام هذا الوضع المأساوي، بادرت 7 من نساء وفتيات القرية من الحاصلات على شهادة الثانوية العامة، وتحوّلن إلى ما يُشبه فريق إنقاذ، وتطوعن للتدريس في المدرسة، من أجل ضمان استمرار التعليم.
“هدى عبده علي”، إحدى المتطوعات، كانت قد أكملت الثانوية العامة في 2017، وبفعل الظروف، لم تواصل دراستها الجامعية، لكنها أسهمت في إنقاذ التعليم في قريتها، كنوع من رد الجميل للمدرسة التي تعلمت فيها، وكانت إحدى طلابها المتفوقين.
تقول هدى لـ”منصة ريف اليمن”: “بدأت أتطوع في المدرسة كمربية لطلاب الصف الثاني أساسي لمدة عام، ثم رجعت أدرس مادة العلوم لطلاب الصف الرابع والخامس والسادس، لأن المدرسة بلا أستاذ لهذه المادة”.
وأضافت: “أنا وزميلاتي المتطوعات في المدرسة حصلنا على دورة في تعليم الصفوف الأولى، إلى جانب دورة في أساليب تحضير الدروس وطرق التدريس المناسبة، جرى تنفيذها لبعض المتطوعات كمبادرة مجتمعية في القرية، فضلا عن تعليمات وإرشادات متواصلة من مدير المدرسة والثلاثة المعلمين الرسميين”.
يواجه ملايين الأطفال الحرمان من التعليم، وتشير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) إلى أن نحو 3.7 ملايين طفل يمني في سن الدراسة هم الآن خارج الفصول الدراسية
أدت سنوات الصراع في اليمن إلى تدمير البنية التحتية، وتشريد المجتمعات، وتعطيل تقديم الخدمات الأساسية، وعلى رأسها التعليم، ونتيجة لذلك، أصبح الوصول إلى التعليم -لا سيما للفتيات والنساء- أكثر صعوبة، وفق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
بخصوص المقابل المادي، أفادت المتطوعة هدى أنها وزميلاتها يدرِّسن بلا مقابل من الحكومة، مضيفة أنه “كانت هناك مبادرات مجتمعية لتوفير مبالغ رمزية شهرية، لكنها لم تستمر مع الأسف، ونحن مستمرون في التدريس، لأن المدرسة تعاني فعلا، ولا يمكن أن نترك طلاب قريتنا، وأجرنا على الله”.
حرمان الملايين من التعليم
يواجه ملايين الأطفال الحرمان من التعليم في اليمن، إذ تشير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) إلى أن نحو 3.7 ملايين طفل يمني في سن الدراسة هم الآن خارج الفصول الدراسية.
مدير مدرسة الثورة الأستاذ “عبد الحكيم أحمد” قال إن المدرسة كانت تعاني من نقص شديد في الكادر، إذْ لا يوجد فيها سوى أربعة ثابتين فقط (أحدهم المدير نفسه)، في حين أن في المدرسة أكثر من 500 طالب وطالبة، مضيفًا أنه بفعل أوضاع البلاد وعدم وجود توظيف، كان الحل هو اللجوء لتغطية العجز بالمتطوعات.
وتقدم مدير المدرسة بالشكر والتحية والتقدير لجميع المتطوعات العاملات في التدريس، مشيرا إلى أنه “رغم القصور عند بعضهن، إلا أن دورهن إيجابي، في ظل واقع مؤسف”، موضحا أن المدرسة تعاني من نقص في الفصول، إلى جانب افتقار المدرسة للأثاث منذ تأسيسها قبل أكثر من عشرين سنة، مطالبًا الجهات الحكومية والمهتمة بالتعليم بالوقوف إلى جانب مدرسة الثورة وطلابها.

من ناحيته، أشاد مدير مكتب التربية والتعليم بمديرية سامع الأستاذ “صادق أحمد هائل”، بالجهود التي تبذلها متطوعات مدرسة الثورة بالضياء، وفي عموم مدارس المديرية، وذكر في حديثه لـ”منصة ريف اليمن” أن هناك مساعي للبحث عن دعم لجميع المتطوعين في المديرية.
“شكري عبده”، أحد أولياء الأمور قال إن المتطوعات “يقمن بدور عظيم وكبير في تعليم أولادنا، بلا مقابل مع الأسف”، مطالبا بـ”إقامة دورات تأهيلية للمتطوعات، من أجل تحسين المخرجات التعليمة”، معربا عن أمله في أن يتم تأهيل المتطوعات وتثبيتهن كرسميات، وأن يعتمد لهن مستحقات، داعيًا مجلس الآباء لعمل حل مجتمعي مبدأي من أجل توفير مستحقات للمتطوعات.
ومنذ اندلاع الحرب في اليمن تراجعت العملية التعليمية، ووصلت إلى أدنى مستوى لها في تاريخ اليمن، خاصةً عقب توقف صرف الرواتب الحكومية أواخر عام 2016 ووفقاً لمؤشر دافوس الخاص بترتيب الدول العربية في جودة التعليم بها لعام 2021، كان اليمن خارج التصنيف نتيجة تدهور العملية التعليمية خلال سنوات الحرب.
بحسب الأمم المتحدة فإن “حوالي 8.1 مليون شابا وشابة في سن الدراسة يحتاجون إلى الدعم العاجل لمواصلة تعليمهم. ونتيجة للظروف الاقتصادية الصعبة فإن غالبية الآباء يشعرون بأنه ليس لديهم خيار سوى إلحاق أطفالهم في الأشغال والعمل”، مشيرةً إلى تدهور البنية التحتية، إذ تم تدمير أكثر من 2500 مدرسة أو إتلافها أو استخدامها لأغراض أخرى.