في أعالي جبال ماوية شرق محافظة تعز، تقبع عزلة حَوَامِرَة كأنها خارج خارطة الدولة والزمن، تعيش بين الوعورة والعزلة، وتواجه واقعا منسيا قاسيا جعل الحياة فيها شاقة بكل تفاصيلها، فهناك تتحول أبسط الاحتياجات اليومية إلى مغامرات شاقة محفوفة بالمشقة، وتصبح رحلة المريض إلى المستشفى معركة من أجل البقاء.
يقول “غالب سيف”، أحد سكان المنطقة، لـ”منصة ريف اليمن”: “حياتنا هنا صعبة للغاية، الطريق وعرة والمسافة بعيدة، نقطع أربع ساعات كي نصل إلى منطقة العند في محافظة لحج لنشتري حاجات البيت، لأننا لا نستطيع الذهاب إلى سوق مديريتنا بسبب اختلاف العملة المتداولة”.
ويضيف: “نحن نتعامل بالطبعة الجديدة للعملة، ومنطقتنا تُعد الوحيدة في المديرية التي تتداول بها، ولهذا لا يمكننا الذهاب إلى سوق “السويداء” التابعة لمديريتنا، لأن التعامل هناك محصور بالطبعة القديمة، ما يجعل التبادل التجاري شبه مستحيل بالنسبة لنا”.
مواضيع مقترحة
-
مبادرات “شق الطُرق” تخفف معاناة سكان جبل حَبَشي
-
مبادرة طريق “نقيل شُضّيف” ملحمة مجتمعية تتحدى الصعوبات
-
ذمار.. طريق وصاب العالي تواصل حصد الأرواح
هذا التباين النقدي جعل من حوامرة منطقة معزولة اقتصاديًا، فلا حركة تجارية فاعلة داخلها، ولا قدرة على التواصل مع الأسواق المجاورة، وحتى حين يحاول الأهالي التنقل، تصطدم خطواتهم بواقع مرير من الطرق الجبلية المتهالكة، وغياب أي خدمات نقل منظمة.
صعوبات مضاعفة
وبحسب برنامج الأمم المتحدة الانمائي، أصبحت الحياة أكثر صعوبة في المجتمعات الريفية في اليمن بسبب تقييد الطرق الوعرة الوصول إلى الخدمات الحيوية والموارد والتعليم وفرص العمل والإمدادات الغذائية.
يوضح غالب أن الأهالي يواجهون صعوبات مضاعفة في التنقل، خاصة عند الحالات المرضية الطارئة، حيث إن أجرة النقل إلى منطقة العند للراكب الواحد 5000 ريال في الحالات العادية، وترتفع بمقدار مماثل عند حمل كيس دقيق أو أي حمولة إضافية.
وقال: “كلما زادت الحمولة، زادت الأجرة”، مؤكدًا أن بعض الحالات المرضية الطارئة قد تكلفهم ما لا يقل عن 200 ألف ريال أجرة السيارة فقط، (أكثر من 120 دولارًا) ناهيك على الغرامات التي تُدفع للمستشفى والصيدليات مقابل أدوية والصرفيات الشخصية وغير ذلك.
وأضاف: “أسعفت زوجتي مؤخرًا، ولأن السائق أحد أقارب زوجتي، خفّض لي الأجرة بـ30 ألف ريال فقط، لكن كانت كل مصاريفه على نفقتي من أكل وشرب وقات وغير ذلك”.
بعض القرى لا تصل إليها السيارات ويتم نقل المرضى على النعش أو البطانيات لمسافة ساعة ونصف من رأس جبل حوامرة حتى منطقة الجراجر وهي آخر نقطة تصل إليها السيارة.
يوضح غالب، أنهم لا يقومون بإسعاف أي مريض إلا عندما يرون أن حالته الصحية حرجة جدًا، مشيرًا إلى أن الكثير من الأهالي يضطرون لإعطاء أبنائهم المهدئات ليوم أو يومين، تهربًا من تكاليف الإسعاف والمواصلات، وإن لم تتحسن الحالة يضطرون للذهاب مجبرين.
لا تتوقف المعاناة عند المال، بل تتجسد في كل خطوة من الطريق، ويقول “عبدالوهاب علي”، أحد أبناء المنطقة، لـ”منصة ريف اليمن”: “بعض القرى لا تصل إليها السيارات مطلقًا، لذلك ننقل المرضى على النعش أو البطانيات لمسافة ساعة ونصف من رأس جبل حوامرة حتى منطقة الجراجر، وهي آخر نقطة تصل إليها السيارة”.
ويتابع: “النساء يحملن المواد الغذائية على رؤوسهن من القرى البعيدة، والرجال يستخدمون الحمير أو أكتافهم لنقل أكياس القمح والسكر، نحن نعيش كما لو أننا في زمنٍ لا يعرف الطرق ولا الدولة”.
تهميش وتعثر
تبدو حوامرة اليوم نموذجا صارخا لما تعيشه المناطق الجبلية في تعز من تهميشٍ مزمن؛ لا كهرباء، لا مياه، لا شبكة اتصالات مستقرة، ولا وجود فعليا لأي مؤسسة خدمية حكومية، فالمنطقة باتت خارج تغطية الخدمات العامة منذ سنوات طويلة، رغم الكثافة السكانية التي تقدر بآلاف الأسر الموزعة على القرى المتناثرة في المرتفعات.
ويشكل افتقار سكان الريف لشبكة الطرق تحديا كبيرا لتنمية المجتمعات هناك وتحسين ظروف الحياة. وحتى الوقت الحالي، لم تُعبّد إلا ٣٧٤٤ كم من الطرق الريفية وهذا لا يمثل سوى ٦.٤ في المائة من إجمالي شبكة الطرق و ٢١.٦ في المائة من إجمالي الطرق المُعبّدة بحسب دراسة نشرتها مبادرة إعادة تصور اقتصاد اليمن.
“عبدالجبار الصراري”، مدير عام مديرية ماوية، قال في حديث مع “منصة ريف اليمن” إن “السلطة المحلية لا تمتلك أي إيرادات حقيقة يمكن الاعتماد عليها لتنفيذ مشاريع استراتيجية، رغم إدراكنا لحجم المعاناة التي يعيشها الأهالي بسبب وعورة الطرقات وغياب الخدمات الأساسية”.
في ظل استمرار هذه المعاناة تتكرر الدعوات من أبناء حوامرة للسلطات المحلية والمنظمات الإنسانية لفتح طرق جديدة، واستكمال المركز الصحي، وتوفير أبسط مقومات الحياة.
وأشار الصراري، إلى أنه تم في وقت سابق البدء في بناء مركز صحي ببعض من إيرادات رُصدت من السلطة المحلية للمديرية على مدى ثلاث سنوات تقريبًا، والذي كان يمكن أن يقدم خدمة لأكثر من “5000” نسمة، حيث تم عمل القواعد والتجهيزات الأولية لبناء المركز، لكن المشروع توقف بسبب عدم وجود التمويل الكافي.
وأضاف أن السلطة المحلية تسعى لتوفير ما تبقى من المبلغ لضمان استكمال المشروع، مؤكدًا أنه قد تم إنجاز ما نسبته60% من عملية البناء.
ودعا الصراري الجهات المعنية والمنظمات الإنسانية إلى سرعة التدخل لفك العزلة المفروضة على أبناء منطقة حَوَامِرَة، وإنقاذ سكانها من معاناة يومية تتفاقم في ظل انعدام الطرق والخدمات الصحية، وغياب الحد الأدنى من مقومات الحياة.
في ظل استمرار هذه المعاناة، تتكرر الدعوات من أبناء حوامرة للسلطات المحلية والمنظمات الإنسانية لفتح طرق جديدة، واستكمال المركز الصحي، وتوفير أبسط مقومات الحياة، يقول عبدالوهاب علي في ختام حديثه: “لا نطلب رفاهية، فقط طريقًا تمشي فيه سيارة، ومركزًا صحيًا يعالج مرضانا، تعبنا من حمل مرضانا على أكتافنا، ومن انتظار الدولة التي لا تصل”.



