بعد سنوات من المعاناة والحرمان من المياه الصالحة للشرب، تمكنت مبادرة مجتمعية من أهالي منطقة الدهمش في وصاب السافل بمحافظة ذمار، وسط اليمن، من استعادة ضخ المياه من البئر الحكومي، في خطوة ساهمت في تخفيف معاناة السكان المستمرة منذ فترة طويلة.
“بشار الدهمشي (20 عاماً)”، أحد سكان قرية الدهمش بعزلة الأثلاث، يؤكد أن الأهالي عانوا معاناة قاسية، خصوصاً الأطفال والنساء، الذين اضطروا للذهاب إلى مناطق بعيدة بحثاً عن المياه.
وأوضح الدهمشي لـ “منصة ريف اليمن” أن معظم الأهالي تحملوا مشقة مضاعفة جراء تدهور الأوضاع المعيشية، وهو ما حوَّل مهمة الحصول على لترات قليلة من الماء إلى مهمة يومية بالغة الصعوبة.
مواضيع مقترحة
-
ذمار.. وصاب السافل تُصارع العطش بلا حلول
-
الجفاف يهدد ينابيع المياه: نقص الأمطار يفاقم معاناة اليمنيين
-
اليمن تتحمل عبئاً أكبر.. ما مستقبل الموارد المائية في العالم؟
بئر الدهمش شريان الحياة
يؤكد الدهمشي أن “ضخ المياه من البئر ساهم بتوفير مياه صالحة للشرب، وإعادة الأطفال إلى مدارسهم بدل الانشغال برحلات البحث عن الماء. انتهت سنوات من المعاناة، كأنها عودة للحياة من جديد”.
يوضح “بلال القِلة”، وهو أحد العاملين بمبادرة بئر الدهمش، أن أزمة الجفاف التي عانت منها المنطقة كانت الأصعب منذ قرون، حيث أجبرت الأهالي على قطع مسافات تتجاوز خمسة كيلومترات يوميًا من أجل الحصول على الماء، مما مثّل معاناة قاسية خصوصاً على النساء والأطفال.
ساهم إعادة ضخ المياه من بئر الدهمش في مديرية وصاب بمحافظة ذمار في تخفيف معاناة آلاف سكان القرى الريفية
القلة أكد لـ “منصة ريف اليمن” أن إعادة تشغيل البئر بعد سنوات طويلة من التوقف شكّلت “نقطة تحول” في حياة الأهالي؛ بفضل تكاتف المجتمع المحلي الذي أنجح المشروع. توفُّر المياه يعني توفير المال الذي كان يُصرف على شراء المياه، والمحافظة على الأطفال ومراجعة دروسهم.
وأضاف: “المجتمع يُكن كل الشكر والتقدير للجنة ولأهل الخير الذين تكفلوا بهذه المهمة، نشكرهم من أعماق قلوبنا، كانت مسؤولية جسيمة، وما قاموا به يعجز الوصف عن الإحاطة به”.
على الرغم من نجاح المشروع يبدي الدهمشي بعض المخاوف من تكرار الصعوبات السابقة التي واجهت تشغيل البئر، حيث اقترح تكليف شخص محدد من أبناء المنطقة بمهمة متابعة البئر، وضمان استمراره لخدمة الجميع.
يتابع القلة: “المشروع سيمنح المنطقة فرصة للنهوض بالزراعة وإنتاج الخضروات والفواكه، لكنه حذّر في الوقت نفسه من احتمالية توقف البئر مرة أخرى إذا لم تُوفَّر منظومة شمسية احتياطية تضمن استمرار تشغيله في حال حدوث أي خلل”.

من رحم المعاناة
يؤكد الصحافي “عبدالله الفقيه”، أحد سكان المنطقة بأن: مبادرة صيانة بئر الدهمش جاءت من “رحم المعاناة”، بعد أن اشتد الجفاف في وصاب، حتى بات الحصول على قطرة ماء حلمًا، والأهالي ومواشيهم مهددين بالهلاك، فيما كانت النساء والأطفال يقطعون مسافات طويلة بين الجبال الوعرة بحثًا عن الماء.
وأوضح الفقيه لـ”منصة ريف اليمن” أن أهالي قرى الأثلاث وبني علي وبني سعيد واجهوا صعوبات كبيرة، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية، إلى جانب استغلال بعض ضعاف النفوس وغياب دور السلطات المحلية، لكن عزيمتهم مكنتهم من إنجاز المرحلة الأولى من المشروع.
وأكد الفقيه أن بئر الدهمش يساهم بتوفير المياه لعشرات القرى والعُزل المجاورة، خاصة عند جفاف الآبار اليدوية والسدود، مما يخفف الأعباء عن مئات الأسر. ندعو هيئة مياه الريف في ذمار إلى الإسراع في تنفيذ المرحلة الثانية، عبر تزويد المشروع بمنظومة طاقة شمسية وغطاسات وخزانات حجرية، لضمان استدامة الخدمة لمجتمع واسع.
وكانت “منصة ريف اليمن” قد تناولت أزمة المياه في وصاب في تقارير ميدانية خاصة، حيث نقلت معاناة الأهالي اليومية، لا سيما النساء والأطفال الذين اضطروا لقطع مسافات طويلة بحثاً عن المياه، كما نقلت شهادات السكان حول الصعوبات التي واجهوها خلال فترة الجاف.

حظيت التغطية الإعلامية باهتمام واسع، إذ تداولت وسائل إعلام أخرى المحتوى نقلاً عن “منصة ريف اليمن”، وهو ما أسهم بشكل ملموس في تحريك الجهات المختصة للتدخل، ووضع المبادرات المجتمعية في مقدمة الأولويات لإعادة تشغيل البئر وتأمين المياه لسكان المنطقة.
135 ألف لتر يوميًا
يؤكد دهمش، وهو المسؤول المالي لحملة إعادة تأهيل البئر، أن الأهالي وفاعلي الخير تمكنوا من جمع نحو 2.4 مليون ريال بشكل طوعي، وهو ما يمثل استجابة بنسبة 33 في المائة. وأوضح أن المجتمع، وبإصرار لجنة المستفيدين، تمكن بعد ثلاث محاولات فاشلة من إخراج 64 ماسورة، بمساعدة المهندس “عدنان الأهدل” من زبيد، معتبراً ذلك “أكبر خطوة تحققت حتى الآن”.
وأوضح لـ “منصة ريف اليمن” أن الحملة لم تواجه أي عوائق مالية في المراحل السابقة، لكنهم واجهوا عجزاً مالياً أثناء إنزال مضخة التجربة وتركيب المنظومة، مؤكداً في الوقت ذاته وجود خطة مالية لإنشاء صندوق دعم لتغطية أي خلل أو عجز في الصيانة، كما شدد على أن اللجنة التي ستُشكل من أبناء المناطق المستفيدة ستتولى مسؤولية تشغيل وصيانة البئر من عائداته، اعتمد التمويل كلياً على مساهمات المجتمع ودعم المغتربين من أبناء وصاب، إلى جانب تكفل مدير هيئة مياه الريف في المحافظة بتأهيل الخزان والمنظومة، وفق الخادم.
توفير المياه لعشرات القرى
يستفيد من إعادة تشغيل بئر الدهمش العديد من القرى الريفية في وصاب، حيث غطى المشروع مناطق واسعة كانت تعاني شح المياه. ففي عزلة الأثلاث، امتدت الفائدة لتشمل قرى: الدهمش، الرباط، المطاعة، الرسان، الحيط، القلة، البطاحي، وعرماد.

وفي عزلة بني علي، شملت الاستفادة قرى: الهجر، البرقة، الغرفة، الدويرة، المحلة، القريوت، المعان، السحواء، والحصن. أما في عزلة بني سعيد، فقد وصلت المياه إلى قرى: الصواحط، وادي الرحابة، المساريب، ذي حوران، الدار، الجرزة، سلمة، العكم، مجيدرة، وجربة.
يشير دهمش لـ “منصة ريف اليمن” إلى أن البئر يحتوي على مخزون هائل، بطاقة إنتاجية تصل إلى 135 ألف لتر يومياً، وهو ما من شأنه إنهاء معاناة الأهالي وتحسين الإنتاج الزراعي.
واختتم حديثه مشددًا على ضرورة أن “يولي الأهالي بئر الدهمش كل اهتمامهم، وأن يستغلوه بالشكل الأمثل في مياه الشرب والزراعة، بعيداً عن العبث والإهدار، خاصة أننا عانينا منذ توقفه في عام 2002 معاناة قاسية ازدادت حدتها إثر موجة الجفاف هذا العام”.