بني يوسف تعز: حراك زراعي نحو الاكتفاء الذاتي

يسعى السكان لتأمين إحتياجاتهم من خلال زراعة المحاصيل الغذائية

بني يوسف تعز: حراك زراعي نحو الاكتفاء الذاتي

يسعى السكان لتأمين إحتياجاتهم من خلال زراعة المحاصيل الغذائية

على أطراف قريته الواقعة جنوب محافظة تعز، يقف “عبدالقادر السيد”، المزارع السبعيني، متأملا مزرعته التي باتت تجود بالطماطم والكوسة والخضروات المتنوعة، بعدما كانت قبل أعوام قليلة مزروعة بأشجار القات، لكنه قرر مؤخرا اقتلاعه وتغيير وجه الأرض.

يقول السيد لمنصة “ريف اليمن”، وهو يشير إلى حقل مزهر يقطف منه محاصيله: “اقتلعت القات بيدي كنت قد تعبت من زراعة لا تشبع ولا تفيد، قررت استبدال القات بالطماطم، والكوسة، والكزبرة، لأزرع ما يطعم الناس”.


      مواضيع مقترحة

لم يكتف عبدالقادر بزراعة أرضه الخاصة، بل استأجر أراضي أخرى من أبناء المنطقة، ويضيف قائلا: “قمت بزراعة الأرض التي أملكها، واستأجرت أراضي بعض المواطنين أيضا، وقمت بزراعتها بأنواع مختلفة من الخضروات”. ويشير إلى أن إنتاجه من الطماطم بلغ أكثر من 1500 سلة، تزن كل واحدة منها 20 كيلوجرامًا خلال العام الماضي.

خطوة ملهمة

لم يكن عبدالقادر وحده، فتجربته الناجحة ألهمت مزارعين آخرين ليحذوا حذوه، لتشهد المنطقة تحوّلًا زراعيًا واسع النطاق بمنطقة بني يوسف، رغم غياب أي دعم حكومي.

بإرادة قوية؛ نجح المزارعون في إحداث حراك نحو الاكتفاء الذاتي، لكن هذا التغيير لم يكن سهلا، فالتكاليف الباهظة للمستلزمات الزراعية والوقود وصعوبة الحصول على المياه والمعدات تقف عائقًا أمام الاستمرار والتوسع، ولا تزال الطريق مزروعة بالتحديات أمام المزارعين.

يقول المزارع “عبدالواسع سيف”: “البئر التي أسقي منها ليست لي، أستخدم مكينة تعمل بالديزل، كثيرا ما تتعطل، وتشغيلها مكلف جدا.” ويضيف: “نفتقد لمشتل زراعي في منطقتنا، ما يجبرنا على السفر لمسافة 60 كيلومترا إلى مفرق جبل حبشي لشراء البذور، وإن وجدت فهي بأسعار باهظة”.


نجح المزارعون في إحداث حراك نحو الاكتفاء الذاتي، لكن هذا التغيير لم يكن سهلا، فالتكاليف الباهظة وصعوبة الحصول على المياه تقف عائقًا أمام الاستمرار والتوسع


كما يعاني المزارع “منصور خالد” من كلفة العمالة المرتفعة، ويشرح معاناته قائلا: “أجرة العامل الواحد تصل إلى 18 ألف ريال يوميا، لو توفرت لنا حراثات بدعم من الدولة أو المنظمات؛ لأمكننا توفير المال والجهد والوقت”.

ورغم هذه الصعوبات، يسعى المزارعون إلى التغلّب عليها بإمكانياتهم البسيطة، كما فعل عبدالقادر ونجله، حيث بدآ بصناعة سماد عضوي (كومبوست) من روث البقر المجفف لكن الكمية المنتجة لا تكفي، ويضطران لشراء أسمدة إضافية بسبب اتساع الرقعة المزروعة.

مكتب زراعي بلا مقر

المزارعون لا يواجهون التحديات وحدهم؛ بل حتى مكتب الزراعة في مديرية المواسط يعاني من غياب الإمكانيات، ويقول “بسام عبدالجليل”، نائب مدير المكتب، لمنصة “ريف اليمن”: “نحن نعمل بدون ميزانية، وبدون مقر رسمي بعد تسليم مبنى المكتب لأحد تشكيلات الجيش منذ سنوات”.

بني يوسف تعز.. حراك زراعي نحو الاكتفاء الذاتي
رغم الصعوبات، يسعى المزارعون إلى التغلّب عليها بإمكانياتهم البسيطة وسط مطالبات بدعم للاستمرار (ريف اليمن)

ويؤكد بسام أن كل ما قدمه المكتب من بذور، وشبكات ري، وشتلات كان بتمويل من منظمة الفاو، مشيراً إلى أن “سرعة تلف شبكات الري تعود في بعض الحالات إلى سوء الاستخدام”. ومع غياب الدور الحكومي، يسعى المكتب لاستقطاب المنظمات الدولية لدعم المزارعين، خاصة في ظل توسّع التجربة الزراعية في المنطقة.

وبحسب تحليل سلسلة قيمة البن والقات في اليمن الذي أعدّه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تستهلك نبتة القات ثلث المياه الجوفية، بالإضافة إلى الآثار الصحية الناتجة عن تعاطي هذه النبتة وإهلاك الميزانيات في شرائها.


تم زرعة أكثر من 10 آلاف شجرة بن في المنطقة، فيما تجاوز محصول الطماطم احتياجات السكان ليصدر إلى المناطق المجاورة مثل قدس والصلو.


المواطن “محمد القادري” من أهالي بني يوسف، اعتبر تجربة عبدالقادر بادرة خير حفزت الكثيرين على خوض تجربة الزراعة الخضراء. ويقول: “اليوم نزرع الطماطم، والكوسة، والكزبرة، والكراث، واللوز، وحتى شجرة البن”.

تحقيق الاكتفاء

ويرى القادري، ان هؤلاء المزارعين قد حققوا الاكتفاء الذاتي للمنطقة بالبن، والطماطم لعامين متتاليين، بعد أن كان المواطنون يحصلون على الطماطم من أسواق خارج القرية بأسعار مرتفعة.

مكتب الزراعة بالمديرية أكد لـ “ريف اليمن”، أن هناك أكثر من 10 آلاف شجرة بن تم زراعتها في المنطقة، فيما تجاوز محصول الطماطم حاجات السوق المحلي، ليصدر إلى المناطق المجاورة مثل قدس والصلو.

يصف خبراء ما يحدث في بني يوسف بالنموذج التنموي الريفي الجدير بالاحتذاء، خاصة في محافظة تعز ذات التربة الخصبة والمناخ المتنوع.

ويقول الخبير الاقتصادي “أحمد مصطفى” إن هذا التحول من زراعة القات إلى زراعة الخضروات والبن “خطوة اقتصادية واعدة نحو الاكتفاء الذاتي والتنمية المحلية”.

ويوصي بإنشاء ثلاجة مركزية لحفظ المحاصيل، بحيث تتيح توزيعها تدريجيًا بدلاً من تكدسها في وقت الحصاد، مما يؤدي لانخفاض أسعارها وتلفها في كثير من الأحيان ما يسبب خسائر كبيرة وانخفاضًا في الأسعار.

وفق تقرير صادر عن إدارة الإحصاء في وزارة الزراعة والري والثروة السمكية لعام 2022، بلغت المساحات المزروعة بالطماطم في اليمن 2,790 هكتارا موزعة على سبع محافظات. وأشار التقرير،  إلى أن ارتفاع تكاليف المدخلات الزراعية، والتغيرات المناخية، وغياب آليات تسويق المنتج تسبب في انخفاض الإنتاج وتكدّس المحصول.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: