تتميز منطقة غيل بني عمر التابعة لمديرية الشمايتين جنوب غربي تعز، ببيئتها الزراعية الخصبة، ومناظرها الطبيعية الهادئة، إلا أن هذا الجمال يخفي خلفه واقعا صعبا يعيشه السكان في ظل غياب شبه كامل للخدمات الأساسية، ما يجعل الحياة اليومية أكثر قسوة على سكان القرى المتناثرة في المنطقة.
يعتمد معظم سكان الغيل على الزراعة وتربية المواشي كمصدر رئيسي للدخل، فيما يقضي المزارعون ساعات طويلة في الحقول لحمايتها من القرود، كما ينتشر الرعاة في الوديان والجبال لرعي المواشي بطرق تقليدية، بينما يعمل جزء آخر من الأهالي كعمال بالأجر اليومي في الزراعة والبناء وأعمال مرتبطة بالنخيل، لتوفير الحد الأدنى من متطلبات المعيشة.
مواضيع مقترحة
- النساء ذوات الإعاقة: تحديات الحرب والمناخ
- ريف اليمن تحت وطأة الإهمال
- الضالع: مياه الصرف الصحي تهدد بكارثة صحية وبيئية
ما تزال المنطقة تحافظ على طقوسها الاجتماعية التقليدية، أبرزها طقوس الزواج التي تتضمن الزفة الشعبية، ودق الطاسة والرقصات التراثية كالشرح والبرع، وفي مواسم الحصاد يتعاون الأهالي فيما يعرف بـ”العونة”، في صورة تعكس قوة الروابط الاجتماعية في المجتمع الريفي.
خدمات غائبة
يواجه الأهالي صعوبات كبيرة نتيجة غياب الكهرباء والمرافق الصحية والمدارس وشبكات الاتصال، وتبدو المنطقة معزولة عن الخدمات الحكومية، فيما يضطر السكان للاعتماد على وسائل بدائية لتسيير حياتهم اليومية.
يبلغ سكان منطقة غيل بني عمر نحو 5000 نسمة يتوزعون على نحو 18، قرية وتبعد المنطقة عن مدينة تعز بأكثر من 100كم، ما يقارب من أربع ساعات على السيارة.
كما يفتقر السكان لأبسط الخدمات الصحية؛ إذ يضطر المرضى لقطع ساعتين عبر طرق وعرة للوصول إلى أقرب مستشفى؛ ما يعرض حياتهم للخطر خصوصا في الحالات الطارئة.
يواجه الأهالي صعوبات كبيرة نتيجة غياب الخدمات ويضطر السكان للاعتماد على وسائل بدائية لتسيير حياتهم اليومية
يقول “د. عماد أحمد”، وهو طبيب إسعافات أولية من أبناء المنطقة، لـ” منصة ريف اليمن”: “الخدمات الصحية هنا غائبة تماما، يوجد مبنى مستوصف لكنه مغلق ولا تتوفر فيه أي أدوية، نعمل بجهود شخصية وإمكانات محدودة، ونعاني من انتشار الحميات مثل الملاريا والبلهارسيا والحمى الصفراء والديدان”.
ويضيف: “تخيل أن امرأة على وشك الولادة أو مريضا في حالة حرجة يتم حمله على الأكتاف حتى يصل إلى مكان السيارة، ثم ينقل عبر طريق يستغرق ساعات، حياة المرضى مهددة يوميا”.
حرمان من التعليم
يعد التعليم من أبرز التحديات؛ إذ تبعد المدرسة الابتدائية الوحيدة عن القرى ما بين 6–7 كيلومترات ويصل الأطفال إليها مرهقين بعد مسير طويل على الأقدام؛ ما يؤدي لعزوف بعضهم عن مواصلة التعليم، أما الفتيات فهن الأكثر تضررا؛ إذ يحول بٌعد المدرسة والأعراف الاجتماعية دون التحاق أغلبهن بالتعليم؛ ما يرفع نسبة الأمية في المنطقة.
ويقول الصحفي “طالب المعمري” من أبناء المنطقة: “المدرسة بعيدة جدا، وأطفالنا يعانون يوميا، أما البنات فغالبيتهن خارج التعليم بسبب الظروف وحاجة المنطقة إلى مدارس قريبة”.
واقع الاتصالات ليس أفضل حالا، بل هو الآخر يعد فصلا من فصول العناء والحرمان يدفع ثمنه الكثير من سكان الغيل، حيث يواجهون صعوبات في التواصل نظرا لرداءة شبكة الاتصال، بل في بعض القرى لم يكن وجودها ممكنا أصلا، وتعد قرية “كوبع” نموذجا بارزاً لذلك.
يضطر الأهالي إلى الصعود إلى الجبال بحثا عن شبكة الاتصالات، في الوقت الذي يريدون التواصل مع أهاليهم وأقاربهم فشبكات الاتصال في حالة انعدام تام في عموم المنطقة حسب إجماع الأهالي.
لا توجد شبكة صرف صحي في المنطقة ويتم التخلص من مياه المجاري قرب المنازل ما يسبب انتشار الأمراض المختلفة
عزلة في زمن التكنولوجيا
عن واقع الاتصالات تقول “سعاد (اسم مستعار)” لـ”منصة ريف اليمن”: “لي ما يقارب شهر كامل من حين تواصلت مع أمي لأنني بالمدينة وأمي بالقرية والشبكة معدوم هناك، واللي يشتي يتصل من البلاد يطلع إلى رأس الجبل يدور على الشبكة عشان يتصل لأهله وأقاربه بالمدينة”.
تتابع سعاد: “أمي كبيرة بالسن ولا تستطيع صعود الجبل لأن المسافة بعيدة”، وأكدت أنه “لو كان مثلا أحد يعمل لنا مقوي للشبكة قريب من المنطقة حقنا كنا بنرتاح من كل هذا التعب لأن الاتصالات مهمة جدا عشان تعرف أخبار أهلك بالبلاد لما تكون أنت بالمدينة أو حتى مغترب خارج الوطن”.
لا توجد شبكة صرف صحي في المنطقة، ويتم التخلص من المياه العائمة إلى الخلاء قرب المنازل؛ ما يسبب انتشار الأمراض والذباب والبعوض، وتنتشر الأمراض المختلفة كالحميات والاسهالات الحادة بين السكان، ويتخلص الأهالي من النفايات بالحرق جوار المنازل وهذا الأمر يلوث البيئة المحلية.
تشير تقارير أممية إلى أن أكثر من 14 مليون شخص يحرمون من إمدادات المياه الصالحة للشرب وخدمات الصرف الصحي في اليمن.
رغم ما تملكه غيل بني عمر من مقومات سياحية وزراعية، يعيش سكانها في عزلة خدمية تامة؛ بلا طرق جيدة، بلا كهرباء، بلا مرافق صحية، وبخدمات اتصال وتعليم تكاد تكون معدومة، ويظل الأهالي يترقبون تدخلا حكوميا أو إنسانيا يمكن أن يغير واقع المنطقة، وينهي سنوات طويلة من التهميش والنسيان.

