تعد المهرة إحدى أهم المحافظات اليمنية من حيث السياحة الريفية حيث تمتلك تنوعا طبيعيا نادرا، وتضاريس مختلفة خلقت لها ثراء في المناظر الطبيعة، حيث يمكن أن تجد الساحل النقي، والجبال الخضراء وأيضا الصحراء، وكل هذه مقومات جذب سياحي لما تُستغل بعد.
وتقع محافظة المهرة شرقي اليمن، وهي ثاني أكبر محافظة من حيث المساحة الجغرافية، وتُعد البوابة الشرقية للبلاد المحاذية لسلطنة عُمان من خلال ثلاث مديريات هي حوف وشَحِن وحات. وغربها تقع محافظة حضرموت، ومن الشمال صحراء الربع الخالي، ومن الجنوب البحر العربي.
على الرغم من امتلاك المهرة مقومات جذب سياحي نادرة، فإنها لم تندرج ضمن البرامج السياحية المنظمة للمجموعات خلال العقود الماضية، إذ لا يُستثمر هذا الثراء الطبيعي والبيئي ثقافيًّا واقتصاديًّا كما ينبغي، بسبب غياب الإدارة الإبداعية التي تتوافق مع أهمية تلك المقومات.
وقد أدّى هذا الوضع إلى ظهور حركة سياحية عفوية وغير منظمة، داخليًّا وخارجيًّا، فرضتها جملة من العوامل التي تنفرد بها المهرة مقارنة بغيرها من المحافظات اليمنية، مثل موقعها الجيوستراتيجي الهام، والروابط الاجتماعية التاريخية التي تجمعها بدول الجوار.
مواضيع ذات صلة
شبوة.. موطن 3 ممالك يمنية قديمة الأكثر شهرة
أرخبيل سقطرى: الجوهرة الطبيعة وثروة اليمن الخفية
مأرب.. الجوهرة السياحية العتيقة المهملة في اليمن
حيث إن معظم السياح القادمين من الخليج إلى المهرة تعود أصولهم إلى القبائل المهرية. يُضاف إلى ذلك امتلاك المحافظة عناصر جذب سياحي قوية، وما يتسم به أهالي المهرة من وداعة وحُسن ترحاب بزوارهم وسياحهم، فضلًا عن توسع النشاط الاقتصادي عبر منافذها الشرقية.
وقد رافق زيادة حركة السياحة العفوية تحسّنٌ نسبيٌّ في خدمات البنية السياحية، وزيادة متدرجة في مشاريع الاستثمار السياحي، غير أنّ مؤشرات الحركة السياحية إلى المهرة تراجعت خلال تحت وطأة التجاذبات وصراعات النفوذ الإقليمي؛ حيث أصبحت إجراءات التنقل السياحي أكثر تعقيدًا.

تأريخ المهرة
تُعَدّ المهرة أحد مراكز الاستيطان الأول للإنسان اليمني القديم، وفقًا لنتائج دراسات البعثة الأثرية السوفيتية ثم الروسية برئاسة البروفيسور فيتالي ناؤمكين، الذين تابعوا أبحاثهم العلمية، ودراساتهم الأثرية في أرخبيل سقطرى، وقد جاءت النتائج العلمية متطابقة.
ولمحافظة المهرة تاريخ حضاري عريق، منذ ما قبل القرن العاشر قبل الميلاد، وهي مرتبطة تاريخ مملكة حضرموت القديمة، حيث كانت الحدود الشرقية لمملكة حضرموت القديمة تُعرف بمنطقة ساكلن، كما ورد في النقوش اليمنية القديمة، وتُشير إلى منطقة ظفار حاليًّا، وكانت في جانبيها اليمني والعُماني حالياً، أرض تنتج السلع المقدسة، كاللبان والمُرّ والصَّبر قديمًا.
وما زالت تلك المنطقة حتى اليوم، خلال موسم خريف حوف في اليمن، تماثل تمامًا موسم خريف ظفار في عُمان من حيث الطبيعة الخلابة، والضباب المتواصل، والأمطار المستمرة طوال فترة الموسم الممتد من منتصف يونيو حتى منتصف سبتمبر سنويًّا.
وتتشابه كذلك تعبيرات الثقافة المشتركة في اللغة المهرية القديمة والعادات والتقاليد وروابط القربى التي عزّزت علاقات اجتماعية متميزة، فشكّلت نموذجًا لتفاعل حضاري خلاّق وللتعايش في تلك البقعة الغنية بمواردها السياحية البيئية وبساطة أهلها.
وكانت المهرة جزءًا من تاريخ مملكة حضرموت، حتى بعد توحّد الأخيرة مع مملكة سبأ وذي ريدان في القرن الثالث الميلادي، وما أعقب ذلك حتى القرن السادس مع ظهور الإسلام حيث تغيّرت الأوضاع.
وخلال عصر الدول الإسلامية ظلت بلاد المهرة وحدة إدارية في إطارها، يتقاسم السلاطين حُكم جغرافيتها، حتى مطلع القرن السادس عشر الميلادي حين برزت أسرة آل عفرار، فأسّست سلطنة المهرة وسقطرى بعاصمتها الإدارية قشن، وبسطت نفوذها على المهرة وسقطرى.
وقد واصل سلاطين آل عفرار توارث الحُكم تحت الحماية البريطانية حتى عشية عيد الاستقلال الوطني في ٣٠ نوفمبر ١٩٦٧م، حيث أُلغي نظام سلطنة المهرة، وصارت المحافظة كيانًا إداريًّا تابعًا لجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية آنذاك تحت مسمّى “المحافظة السادسة”.
وفي عام ١٩٨١م صدر القرار الجمهوري بإعادة تسمية المحافظات الجنوبية والشرقية بأسمائها التاريخية، ومن ضمنها محافظة المهرة التي ما زالت تحتفظ باسمها التاريخي الممتد لأكثر من ٣٥٠٠ عام، وفي نطاقها الجغرافي الحالي، جرى تقسيمها إداريًّا بعد الوحدة اليمنية إلى تسع مديريات.
تضاريس متنوعة وجاذبة للسياحة
وتتميز المهرة بتضاريس متنوعة، ما يجعلها ثرية سياحياً، وفيها ثلاثة تضاريس مختلفة: السهل الساحلي الجنوبي، الهضبة الجبلية الوسطى، الصحراء الشمالية، وهذا يجعل هناك تعدداً لمقومات الجذب السياحي الطبيعي في كل منطقة من هذه التقسيمات التضاريسية.
ويسود في المحافظة مناخٌ مداريٌّ جاف، باستثناء مديرية حوف خلال موسم الخريف؛ حيث تبدو التأثيرات الجغرافية واضحة على أشكال التضاريس، ما ينعكس بدوره على نمط حياة المجتمع المهري، وتنوع نشاطه الاقتصادي، وتراثه الشعبي الفلكلوري.
- السهل الساحلي الجنوبي
يمتد السهل الساحلي الجنوبي من حدود مديرية المسيلة مع محافظة حضرموت غربًا، وصولًا إلى الحدود الدولية مع سلطنة عُمان في مديرية حوف شرقًا، بطولٍ يصل إلى نحو ٥٦٠ كيلومترًا، عبر طريق سياحي أسفلتي يُطلّ على سواحل وشواطئ ست مديريات.
وتبدو هذه المناطق في مشهد بانورامي بديع من جانبها الجنوبي على مياه البحر العربي، بدءًا من شواطئ مديرية المسيلة، مرورًا بسيحوت وقشن وحصوين والغيضة، وصولًا إلى سواحل غبة القمر في مديرية حوف.

وعلى امتداد هذا السهل الجنوبي يقطن غالبية سكان المحافظة؛ حيث تنتشر المراكز الحضرية، وفي مقدمتها مدينة الغيضة، إضافة إلى قرى الصيادين وموانئ صيد الأسماك، ويقع في هذا النطاق ميناء نشطون التجاري، ومنشآت الثروة السمكية.
ويتميز الشريط الساحلي أيضًا بوجود الرؤوس والخلجان الطبيعية، التي كانت قديمًا موانئ تاريخية لتصدير السلع المقدسة في تلك الفترات إلى ميناء قنا. وتزخر السواحل بالكثير من أماكن الجذب السياحي؛ إذ يمكن ممارسة شتى أنواع السياحة البحرية، والاستمتاع بالشواطئ النظيفة الآسرة للنظر في مختلف المديريات المطلة على البحر العربي.
- الهضبة الجبلية الوسطى
تشغل الأطراف الجغرافية الشمالية الداخلية للمديريات الواقعة في السهل الساحلي الجنوبي ما يُعرف بالهضبة الجبلية الوسطى، وتخترقها أودية تصل مياه بعضها نحو الصحراء الشمالية، في حين يتّجه بعضها الآخر إلى البحر العربي. وعلى ضفاف تلك الأودية تقع أراضٍ زراعية خصبة، حيث يعتمد السكان هناك في معيشتهم عمومًا على الزراعة وتربية الحيوانات.
وتبرز التأثيرات الجغرافية، واختلاف أنماط الحياة بشكل ملحوظ داخل المديرية الواحدة؛ سواءً في مناطقها الجنوبية المطلة على البحر، أم في أطرافها الشمالية الداخلية؛ إذ تظهر فروق في الأزياء الشعبية والمشغولات اليدوية، وكذلك في العادات والتقاليد المرتبطة بالمهن المحلية والفلكلور الشعبي المتمثل في الأهازيج الغنائية الخاصة بالعمل (مهاجل العمل). ويعود هذا التنوع في التراث اللامادي إلى عُمق الحضارة اليمنية وعراقتها، وهو ما يلفت أنظار الزوار والسياح القادمين إلى المهرة.
ومن أبرز جبال الهضبة الوسطى التي تحتفظ بسجلات حضارية، وتشكّل نقاط جذب سياحي هامة جبال حيطوم، ومرارة، وسلسلة جبال القمر. تقع جميعها ضمن الحدود الجغرافية لمحمية حوف الطبيعية، التي تحوي أروع أماكن سياحة المغامرات وتسلق الجبال، فضلًا عن استكشاف معالم أثرية تاريخية غامضة وغير معروفة في أرجاء تلك القمم الشاهقة، والتي ما تزال شواهدها حاضرة رغم مرور الزمن.
- الصحراء الشمالية
تتمثل الصحراء الشمالية في النطاق الجغرافي لمديريات شحن وحات ومنعر، التي تشكّل الجزء الجنوبي الشرقي من صحراء الربع الخالي الممتدة على مساحات شاسعة. وتصب في هذه الصحراء مياه أودية عديدة تنحدر من سلسلة جبال بني كشيت، لتكوّن بيئةً صحراويةً صالحةً لحياة الكائنات الحية، بما فيها الإنسان القاطن بتلك المناطق.
وتضم هذه الصحراء تكوينات رملية تحمل أسماءً عدة، مثل: عروق الموارد، ورملة غارب، وبني معارض، وخليف، وعروق الخراخير، وضحية، وابن حمودة، وصحراء أثوب وغيرها، وتستوطنها مجموعات من البدو الرُحَّل الذين يحتفظون بنمط حياة صحراوي متفرّد، وثقافة وتراث عريقين، ويرتكز نشاطهم الاقتصادي على الرعي وتربية الإبل.
وجميعهم ينتمون إلى قبائل مَهريّة ذات شهرة تاريخية، تربطها علاقات ثقافية واجتماعية واقتصادية متينة مع جماعات البدو الرحل في الدول المجاورة، ولا تزال تلك الروابط حاضرة حتى اليوم. وتتميّز الصحراء الشمالية بالمهرة بارتفاع كثبانها الرملية التي تتجاوز في بعض مواضعها ٢٠٠ متر، مما يجعلها مواقع مثالية لممارسة مختلف الأنشطة السياحية الصحراوية.
معالم سياحية
تُمثِّل مدينة الغيضة المركز الإداري لمحافظة المهرة، وهي مدينة حديثة تتميز بشوارع ومبانٍ عصرية، وتضم المؤسسات الحكومية، فضلًا عن المنشآت والخدمات السياحية المتنوِّعة، ويتوسط المدينة سوقٌ شعبيٌّ يحتلُّ جزءًا منه باعةُ المشغولات اليدوية، والمنتجات الحرفية المحلية.
أمّا معالم الغيضة القديمة، التي يعود تاريخها إلى بدايات العصر الإسلامي، فتقع عند أطراف المدينة الحديثة، ومن أبرزها المساجد والأضرحة الأثرية، ومقبرة الغيضة التي تحمل شواهد قبور فنية من الرخام المحفور بنقوش وزخارف وآيات قرآنية ترجع إلى القرن السابع الهجري.

أهم المعالم السياحية والتاريخية في الغيضة:
- متحف الغيضة للآثار
يُعَدّ من أبرز الوجهات السياحية والمعرفية في المهرة، ومرجعًا مهمًّا للباحثين والمهتمين بتاريخ المنطقة، وافتُتح المتحف عام 1987م، ويشبه في تخطيطه الهندسي متحف عتق؛ إذ يتكوّن من طابق واحد يحوي خمس قاعات عرض متخصصة، وتأتي كالتالي:
- الأولى: تضم وثائق ومخطوطات تاريخية، وقطعًا أثرية متنوعة تعود إلى عصور تاريخية مختلفة.
- الثانية: تحتوي على العديد من الأسلحة القديمة، بعضها صُنِع محليًّا، والبعض الآخر استُورِد من الخارج، إضافة إلى وثائق تُوثّق نضال أبناء المهرة في مواجهة الغزاة الأجانب، ومشاركتهم في الثورة اليمنية ضد الاستعمار البريطاني.
- الثالثة: تضم أدوات ومعدات تُجسّد التاريخ البحري لأبناء المهرة، إلى جانب مجسمات للأحياء البحرية التي تشتهر بها المحافظة.
- الرابعة: تعكس الموروث الشعبي، والأزياء التقليدية الرجالية والنسائية، وأدوات الزينة القديمة التي كانت النساء المهريات يستخدمنها.
- الخامسة: تعرض الوثائق السيادية الرسمية القديمة المتعلقة بسلطنة المهرة وسقطرى والحكومات المتعاقبة فيها، حتى عشية عيد الاستقلال الوطني، وإلغاء نظام سلطنة المهرة.
يُعدّ المتحف قبلةً للزوار والسياح، فضلًا عن الرحلات الجماعية لطلاب جامعة المهرة والمدارس التي تهدف للتعرف على تراث الأجداد وتاريخهم.
- شاطئ محيفيف السياحي
يقع على بُعد 6 كيلومترات جنوب مدينة الغيضة، ويمكن الوصول إليه عبر طريقٍ أسفلتي، ويعد من أجمل المتنفسات الشاطئية؛ إذ يتميز برماله الذهبية النظيفة، وبالقرب منه قرية محيفيف المُظلَّلة بمبانٍ يحيط بها نخيل وجوز الهند، ما يُضفي على المكان سحرًا إضافيًا.
وإلى الجهة الجنوبية من الشاطئ، توجد مستوطنة للسلاحف الخضراء العملاقة التي تضع بيضها في رماله خلال مواسم التكاثر، أمّا في الجهة الشمالية من شاطئ محيفيف، فيقع ميناء صيد الأسماك بأنواعها المختلفة، وهذا يتيح للزوار والسياح الاستمتاع بمشاهدة حيوية مزادات الأسماك وألوانها المتعددة، فضلًا عن فرصة شراء الأسماك الطازجة بأسعار مناسبة لأجود الأنواع، ومنها الشروخ والروبيان والجمبري.

ويوجد في الغيظة مدينة المارينا السياحية، والتي تُعَدّ من أهم وأضخم المشروعات الاستثمارية السياحية في مدينة الغيضة، وتحديدًا بمنطقة الدُّمُر. فُتِحَت المرحلة الأولى من المشروع عام 1924م، ثم دُشِّنَت المرحلة الثانية على مساحة مليون متر مربع، ليكون بذلك أول مشروع سياحي متكامل في محافظة المهرة.
ويجمع المشروع بين التخطيط الذكي، والتصاميم الهندسية المبتكرة، الأمر الذي يُرجَّح أن يُحدث نقلة نوعية في القطاع السياحي بالمحافظة، ويُسهم في زيادة مواردها وتشغيل أبنائها. يضم المشروع فللًا سكنيةً وشاليهات ومنتجعات شاطئية وفندقًا سياحيًّا، وحديقة مائية ومدينة ألعاب ومراكز تسوق.
- قرية ووادي ضبوت
تقع قرية ضبوت على بُعد 32 كيلومتراً جنوب مدينة الغيضة، ويمكن الوصول إليها عبر طريقٍ أسفلتي، وتُعَدّ من الوجهات السياحية المهمة، والمتنفسات الطبيعية الجميلة؛ إذ تتميز بمبانيها التقليدية وأنماطها المعمارية الأخّاذة، التي تُظلِّلها أشجار النخيل الكثيفة.
إلى الجهة الشرقية من القرية يقع وادي ضبوت؛ حيث توجد ينابيع المياه الحارة، وتتوزع في جنباته رمالٌ حارة تمتد إلى مسافات بعيدة من الينابيع؛ ما يجعلها مقصدًا للباحثين عن الاستجمام بالوسائل التقليدية. وتتدفق مياه الوادي جنوبًا لتصل إلى شاطئ ضبوت السياحي، وهو من الشواطئ الساحرة، حيث تنتشر فيه أشجار النخيل والجوز.
وبالإضافة إلى ذلك، توجد العديد من المواقع التاريخية باتجاه الجنوب من مدينة الغيضة، مثل بقايا ميناء حيروت وميناء خلفوت وميناء نشطون التجاري الحالي، الذي يبعد نحو 55 كيلومتراً عن مركز الغيضة، ويُعدّ شاهدًا حيًّا على الموانئ البحرية القديمة التي كانت تتحصّن طبيعيًّا بالمرتفعات الصخرية.
كما توجد مستوطنة “إيروب” في الشمال الشرقي من الغيضة على بُعد 30 كم، إذ عدّها الرحّالة بطليموس عام 203 قبل الميلاد موقعًا أثريًّا مهمًّا، ووصف خور جربون الذي كان ميناءً بارزًا لتصدير السلع المقدسة آنذاك إلى ميناء قنا. وتجاور بقايا أنقاض “إيروب” الشاطئ المعروف باسم شاطئ النوارس السياحي.
مديرية حوف
تقع مديرية حوف شرق مدينة الغيضة (120كم)، ويمكن الوصول إليها عبر الطريق السياحي الساحلي الأسفلتي، وتشمل نطاقًا بحريًّا وجزءًا من الحدود البرية مع سلطنة عمان، وتُعَدّ بمثابة الجذر الحضاري للمهرة تأريخاً منذ أكثر من 3500 عام. وكانت الموقع الرئيس لإنتاج السلع المقدسة كاللُّبان والمُرّ والصَّبر في مملكة حضرموت القديمة، ولا تزال بقايا أشجارها تنمو طبيعيًّا في براري جبال ووديان محمية حوف.
وتعد حوف الوجهة السياحية الأهم في محافظة المهرة؛ إذ يقصدها السياح والزوار سنويًّا من مختلف المحافظات اليمنية والدول المجاورة خلال موسم خريف حوف، الذي يبدأ في منتصف يونيو ويستمر حتى منتصف سبتمبر، في حركةٍ سياحية عفوية وغير منظمة، وبخدمات سياحية محدودة.
ورغم ما تتميز به من مقومات جذبٍ طبيعيٍّ متفردٍ وتنوعٍ حيويٍّ نادر، فإنها لا تزال تفتقر إلى التهيئة الإدارية والفنية والتشريعية والبنية الخدمية الملائمة لمعايير السياحة البيئية، خاصةً في المناطق الداخلية البعيدة عن الطريق الأسفلتي؛ ما يجعلها مجهولة لدى معظم السياح الذين تقتصر زيارتهم على جوانب الطريق القريبة.

وفي حال تهيئة المحمية لتكون مقصدًا صديقًا للبيئة؛ ستتوفر فرص عملٍ واسعةٍ لأبناء حوف، وسيُحقق ذلك عوائد مستدامة على المستويين المالي والاقتصادي، فضلًا عن الفوائد الثقافية والاجتماعية للمجتمع المحلي والدولة على حدٍّ سواء.
وفيما يلي أبرز المواقع السياحية والتاريخية في حوف:
- محمية حوف الطبيعية البرية والبحرية
تمثل محمية حوف لوحة فنية نادرة؛ إذ تمتزج فيها الشواطئ الجميلة بالجبال والغابات الكثيفة، والوديان العميقة الساحرة، والمياه الجارية، والشلالات والمغارات والكهوف الغامضة، والضباب الدائم، والأمطار المستمرة خلال موسم خريف حوف.
وتُعدّ المحمية موئلًا للطيور والكائنات الحية النادرة البرية والبحرية، وتدهش الزوار بالطبيعة الخلابة، وهي متربعة على عرش أشهر المحميات البرية والبحرية، في تناغمٍ بيولوجي وتنوعٍ حيويٍ لا نظير له.
السياحة البيئية والتراث الثقافي إمكانيات غير مستغلة في المهرة حيث تعد موطن السلاحف العملاقة
أُعلِن عنها محمية طبيعيةً بريةً وبحريةً عام 2005 بقرار حكومي بمساحة 90 كيلومتراً، ويوجد فيها 250 نوعًا من الأشجار والنباتات، وتنتمي إلى 65 عائلة نباتية و165 جنسًا مختلفًا، ومن أشهرها أشجار اللُّبان والمُرّ والصَّبر والسدر والحومر والعوسج، فضلًا عن النباتات العطرية والطبية.
- الحياة البرية المتنوعة
تزخر المحمية البرية بعددٍ من الثديات المميزة، مثل النمر العربي والضباع والقنافذ والذئاب والثعالب الحمراء، فضلًا عن الوعول والغزلان؛ ومنها غزال الريم والأوبار، وصولًا إلى القطط البرية، التي تجد في السلاسل الجبلية والوديان العميقة موطنًا مثاليًّا؛ بسبب وفرة المياه الجارية والشلالات والكهوف والمغارات التي تتيح لها بيئة مناسبة للنشاط والتكاثر.
كما تمثّل محمية حوف موطنًا للعديد من الطيور المستوطنة والمهاجرة التي تتكاثر فيها، حيث رُصد ما يزيد على 70 نوعًا من الطيور ضمن حدودها، وبينها ستة أنواع نادرة مهددة بالانقراض.
- جبل مرارة
يُعَدّ جبل مرارة من أبرز معالم السياحة البيئية ضمن محمية حوف الطبيعية، ويقع في منتصف المسافة بين مركز دمقوت ومدينة حوف، ويشتهر بعيون المياه العذبة النقية المتدفقة من قمته، والتي تلبي احتياجات التجمعات السكانية في مراكز المحمية ومدينة حوف على مدار العام.

ويتميّز الجبل بغطائه النباتي المتنوع في جنباته، ولاسيما أشجار اللُّبان والمُرّ والصَّبر التي تنمو هناك طبيعيًّا، ولا يزال مأهولًا بسكانٍ منحدرين من قبائل القمر، يعيشون حياتهم التقليدية، وينحتون منازلهم في الصخور على هيئة كهوفٍ مهيأة لتلبية احتياجاتهم المعيشية.
كما ينحت السكان في الجبل قنوات المياه والأحواض بهدف تجميع المياه واستعمالها يوميًّا في الشرب وسقي حيواناتهم، ويرتكز نشاطهم الاقتصادي على الرعي وتربية وبيع الحيوانات، بالإضافة إلى جمع أشجار اللُّبان والمُرّ والصَّبر وبيعها في الأسواق.
ويعتبر جبل مرارة أحد مراكز الاستيطان القديمة للإنسان اليمني؛ إذ ما تزال آثار النقوش والمخربشات بادية للعيان في أماكن متفرقة، إلى جانب أطرافه ووديانه الداخلية والكهوف والمغارات التي توفّر مأوى للحيوانات البرية والزواحف.
وتحتاج مناطق “جبل مرارة” إلى دراسات علمية واستكشافٍ ينير جوانبها المجهولة، وتهيئة هذه الموارد لقيام سياحة بيئية منظَّمة يمكن أن تخلق حالة تنمية يستفيد منها المجتمع المحلي، وينعش الآمال الاقتصادية.
ورغم اشتهار الجبل بالمياه العذبة المتدفقة من قمته، فإن قاعدته الشرقية المحاذية لشاطئ البحر العربي في منطقة “جاذب” تزخر بعيون مياه علاجية طبيعية شديدة الحرارة، يغلب عليها الطابع الكبريتي. ويُطلِق السكان المحليون عليها اسم “حمو حرق”، وهي لفظةٌ تعني “المياه الحارة” في اللغة المهرية واللغة اليمنية القديمة.
وتتأثر هذه العيون بحركة المد والجزر في البحر؛ ففي حالة المد تغمرها مياه البحر، وفي حالة الجزر تتدفق عيون المياه الحارة نحو رمال الشاطئ الأخّاذ، الذي يدمج مقومات سياحية نادرة تحتاج لدراساتٍ علمية، وتهيئة فنية تمكّن من استثمارها اقتصاديًّا.
- جبل حيطوم
يُعد جبل حيطوم من المواقع الأثرية البارزة ضمن نطاق محمية حوف؛ حيث يحتوي على بقايا مستوطنات للإنسان اليمني القديم، ونقوشٍ ورسومٍ صخرية ومخربشاتٍ منتشرة على جدران الكهوف والمغارات، وفي عمق سلسلة جبل حيطوم يبرز وادي ذغريوت المعروف بكثافة غطائه النباتي على جانبيه، وبقايا المستوطنات القديمة المنتشرة فيه.
وتتكرر هذه المظاهر في سلسلة جبال القمر ما يشير إلى أن هذه الجبال التاريخية مثّلت قديمًا المواقع الرئيسة لإنتاج السلع المقدسة في الحضارات اليمنية القديمة، ومع ذلك، فإن معظم أجزائها الجغرافية الداخلية لا تزال مجهولة، وبحاجة إلى مزيد من البحث والاستكشاف.
- المحمية البحرية
يمتد ساحل محمية حوف على طول 60 كم بمحاذاة البحر العربي، بدءًا من جبل رأس فرتك، وصولًا إلى منطقة صرفيت عند الحدود مع سلطنة عُمان، وعلى امتداد هذا الساحل تقع شواطئ غُبّة القمر، وهي موطن السلاحف العملاقة الخضراء.
وتُعدّ هذه السلاحف من الأنواع النادرة المُدرجة ضمن قائمة اتفاقية “سايتس” (CITES) الدولية، كما تحوي البيئة البحرية في محمية حوف مجموعات متنوعة من الشعاب المرجانية والكائنات البحرية الملوّنة، والطيور البحرية المستوطنة والمهاجرة، ما يُشكّل مقوّمات طبيعية أساسية لممارسة كافة الأنشطة البيئية والسياحية البحرية.
ثقافة السكان التقليدية
تضم محمية حوف تجمعات سكانية تشمل مدينة حوف ومناطق “رهن” و”جاذب”، إلى جانب تجمعات قبلية منتشرة في الأجزاء الداخلية للمحمية، لكلٍّ منها عاداتها ونمط حياتها التقليدي المميّز، وتمثل هذه الجوانب الثقافية التقليدية بُعدًا إضافيًا مهمًا يعزز مقومات السياحة البيئية بعنصريها الثقافي والطبيعي معًا.
ويُعد الحفاظ على استدامة الموارد السياحية البيئية مرهونًا بدرجة كبيرة بمشاركة المجتمع المحلي في حمايتها؛ عبر تدريب أفراد المجتمع وتوعيتهم، وضمان إدماجهم كشركاء في التنمية في الحفاظ على مواردهم من العبث.

- مركز دمقوت
ويكتسب مركز دمقوت أهمية تاريخية وأثرية كبيرة بفضل موقعه الجغرافي المميز، فقد كان قديمًا مركزًا رئيسًا لتجميع السلع المقدسة التي تصل من ميناء ومدينة سمهرم في الجانب العُماني حاليا، ومن الهضبة الجبلية الوسطى في الجانب اليمني، ثم تُصدَّر بحرًا إلى ميناء قنا، أو تُشحن برًّا عبر خطوط القوافل التجارية القديمة التابعة لمملكة حضرموت منذ ما قبل القرن العاشر قبل الميلاد.
وكانت الطريق البرية الأولى تبدأ من مدينة سمهرم العُمانية، ثم تمتد على طول الساحل المَهرِي من المنفذ التجاري الدولي الحالي في مديرية حوف حتى مديرية المسيلة، ومن هناك تتفرع عبر وادي المسيلة ووادي حضرموت، وصولًا إلى العاصمة المزدهرة لمملكة حضرموت، مدينة شبوة القديمة.
أمّا طريق القوافل التاريخية الصحراوية الثانية، فتنطلق من مناطق صناق وصيق حلول العُمانية، ثم حبروت اليمنية، مرورًا بالمنفذ التجاري الدولي الصحراوي الحالي في مديريتي شحن ومنعر، ثم ثمود وسيئون وصولًا إلى مدينة شبوة القديمة.
وتشير الطرق الحديثة المعبّدة اليوم إلى امتداد إرث تاريخي متجدد، وتراث إنساني مشترك ساهم في ازدهار حضارات العالم القديم، وعلى طول هذه المسارات القديمة في الجانبين العُماني واليمني، لا تزال بقايا محطات خدمات القوافل وأبراج الحماية قائمة رغم مرور الزمن، وتتطلب بحوثًا علمية ومشاريع ترميم مشتركة للحفاظ عليها كمعالم تاريخية تراثية إنسانية مشتركة.
أمّا الطريق التجاري البحري القديم، فما زالت شواهده ماثلة في بقايا ميناء سمهرم وخور روري على الجانب العُماني، وفي مركز دمقوت وخور دمقوت القديم على الجانب اليمني، الذي أُطلِق عليه في فترة لاحقة اسم “خور الأوزند” نسبةً إلى قبيلة الأَوزد التي نزحت من مأرب عقب انهيار السد عام 622م، وانتشرت في بلاد المهرة وعُمان مع حفاظها على اسمها التاريخي. ويشكّل أبناء هذه القبيلة جزءًا مهمًّا من البنية الاجتماعية في سلطنة عُمان، في إسهام واضح في ترسيخ الجذور الثقافية والتاريخية المشتركة بين الجانبين.
مهرجان المحالبة والمزاينة
يُعَدّ مهرجان المحالبة والمزاينة أبرز وأشهر فعالية ثقافية سياحية في محافظة المهرة، ويُقام سنويًّا في مديرية حات بصحراء أثوب، حيث تستمر فعالياته لمدة 10 خلال شهر فبراير من كل عام. ويشارك فيه بدو رحّل من محافظة المهرة وسلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية وسائر دول الخليج، ممن يختارون أجود وأجمل الإبل (النياق) لديهم للمشاركة في سباق المهرجان السنوي الذي يحمل اسم “مهرجان المحالبة والمزاينة”.
ويهدف المهرجان، من خلال أبعاده الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، إلى الحفاظ على التراث الشعبي البدوي الصحراوي العريق من الاندثار، وترسيخ هذا الموروث في أذهان الأجيال الشابة والقادمة، فضلًا عن إبراز الارتباط التاريخي الوثيق بين الإنسان الصحراوي والإبل باعتبارها عماد الاقتصاد في مرحلة القوافل التجارية القديمة.

تنقسم فعاليات المهرجان إلى شقّين؛ الأول هو “المحالبة”، وفيه يقوم كل شخصين بحلب النياق المشاركة التي تُقدَّر بالمئات، ثم تتولى اللجان المختصة وزن وتسجيل كمية الحليب الذي تنتجه كل ناقة، ليتم اختيار الناجحات الثلاث الأُوَل اللواتي يدررن أكبر كمية من الحليب.
أما الشق الثاني، والأكثر تعقيدًا، فيتضمن عرض كل ناقة مشاركة في السباق وهي في أبهى زينتها أمام لجنة التحكيم، التي تمنح درجات استنادًا إلى معايير جمالية دقيقة تتعلق بتفاصيل الرأس والعنق، وأطوال الأطراف، وحجم الجسد.
ومن ثم تُجمع النقاط لكل ناقة ويتم اختيار الفائزات الثلاث الأُوَل. وفي اليوم العاشر من المهرجان يُقام حفل ختامي مهيب يُعلن خلاله عن المراكز الثلاثة الأولى، بحضور جمهور كبير من المشاركين والمهتمين والمرافقين.
ويحرص منظّمو المهرجان والمشاركون على اقتناء نسل النوق المتميزة للحفاظ على صفاتها الوراثية، وخلال المزادات المالية المرافقة يجري بيع وشراء تلك النوق بأسعار عالية. وفي النسخة الـ13 من المهرجان، بلغ سعر الناقة الواحدة أكثر من مليون ريال سعودي، لتتدرج الأسعار بالنزول بحسب المواصفات.
كيفية الوصول إلى المهرة؟
ترتبط محافظة المهرة برًّا عبر الطريق الأسفلتي السياحي الساحلي المطلّ على شواطئ البحر العربي، مرورًا بالمكلا وصولًا إلى الغيضة، أو عبر الطريق الأسفلتي الصحراوي الذي يربط شحن وثمود وسيئون.
كما تتصل برًّا بسلطنة عُمان عبر منفذين حدوديين دوليين: الأول بين منطقة صرفيت العمانية وحوف اليمنية، والثاني بين مدينة المزيونة العمانية وشحن اليمنية، كما يُعَدّ مطار الغيضة الدولي الشريان الجوي لمحافظة المهرة، ويُستخدم للرحلات الداخلية والخارجية.
يُعَدّ ميناء نشطون شريان النقل البحري للمهرة، ويمثّل نموذجًا حيًّا للموانئ البحرية المحصّنة طبيعيًا.
المراجع:
– المهري، سالم ياسر. معجم اللغة المهرية. الجزء الأول، طبعة عام 2013م.
– التميمي، مراد صالح عوض. تاريخ المهرة وأنسابها. الطبعة الأولى، عام 2015م.
– وزارة السياحة والبيئة (سابقًا) – صنعاء، تقارير البرنامج الفرعي الخامس للأمم المتحدة لتطوير السياحة البيئية.
– الهيئة العامة للسياحة- صنعاء، تقرير نتائج المسح السياحي لمحافظة المهرة، 1997م.