تحقيق: خديجة خالد – عبد الرقيب اليعيسي
في أعماق جبال الضالع جنوبي اليمن، يتسلل خطر صامت إلى أجساد الأطفال من ماء الشرب لا يُرى بالعين المجردة لكنه يترك بصماته القاسية على صحة الأسنان والعظام، ويتمثل ذلك بـ”التسمم بالفلوريد” في ظل شحة المياه التي يعاني منها السكان.
يكشف تحقيق منصة “ريف اليمن” عن كارثة ارتفاع نسبة الفلوريد بمصادر المياه وتأثيرها على تفشي تصبغات الأسنان وهشاشة وتقوس العظام، واستند التحقيق على شهادات متضررين من المواطنين ومسوحات ميدانية رسمية تقارير طبية، وأجرى مقابلات مع الضحايا وأطباء ومسؤولين في السلطة المحلية.
والفلوريد هو معدن معروف بفوائده في حماية الأسنان من التسوس وتقويتها، إلا أن ارتفاع نسبة تركيزه في مصادر المياه يتحول إلى مادة سامة، ويسبب مشاكل صحية وخاصة للأطفال؛ حيث يصابون بتصبغ الأسنان أو تشوه العظام الذي يتسبب إعاقة جسدية.
مواضيع مقترحة
-
تلوث التربة الزراعية بالسموم.. ما علاقة المبيدات؟
-
الجفاف في الضالع.. ظاهرة مناخية تهدد البيئة والإنسان
-
قرى الضالع.. سفر مرهق لأجل أساسيات الحياة
شهادات عن الكارثة
“فيصل محسن” من قرية المرفد بمديرية الحصين، من المواطنين الذين يعانون من آثار هذه الكارثة الصحية، حيث يواصل علاج اثنين من أولاده “عارف” (21 سنة) و”محسن” (19 سنة) منذ سنوات بعد أن ظهرت عليهم صعوبات في المشي، وتقوس واضح في الساقين في وقت مبكر من أعمارهم.
وقال في حديث لمنصة ريف اليمن: “بدأت أعراض التسمم تظهر عليهما منذ سنوات الدراسة الابتدائية، وفي العام 2012 نقلتهم إلى مدينة عدن للعلاج في مستشفيات مختلفة، واستمرت الرحلة العلاجية نحو ثماني سنوات”.
وأظهرت الفحوصات أنهم يعانون من مضاعفات واضحة تتمثل في نقص حاد في عنصري المغنيسيوم والكالسيوم في الدم -وفق ما تحدث والدهم- وهو ما أدى إلى انحناء الأطراف السفلية، وتسبب لهم بإعاقة دائمة في الحركة.
حصلت منصة “ريف اليمن” على تشخيص طبي لنحو 65 حالة، غالبيتهم من الأطفال يعانون من مشكلة في الاسنان أو مشاكل تقوس أو إعاقة في العظام
وفي النصف الأول من العام الجاري، أظهرت آخر نتائج الفحص الميداني لبئر المياه في قرية “مرفد” في مديرية الحصين، نسبة تركيز معدن الفلوريد 12 ملغ/ لتر، وهذا يعني أن التركيز مضاعف، ووصل إلى مرحلة سامة وخطيرة جدًا، وأصبح مصدر المياه مهدداً لصحة جميع السكان الذين يستخدمونه.
ووفق التقرير الطبي -حصلت عليه منصة “ريف اليمن”- من المستشفى يوضح أن الشقيقين “فيصل” و”عارف” يعانيان من حالات متقدمة من آثار ارتفاع تركيز الفلوريد؛ ما يؤكد أن مياه الشرب الملوثة هي السبب الرئيسي في ظهور هذه الحالات المرضية.
معاناة طويلة عاشها عارف ومحسن؛ فرغم إنهاء مرحلة العلاج في العام 2020 إلا أن التشوّهات في الساقين ماتزال قائمة، وترافقهما في تفاصيل حياتهما اليومية.
أما المواطن “عمار عبد الله علي” (37عاماً) من مديرية قعطبة، كانت مشكلته مختلفة، إذ بدأت بمعاناة في الأسنان فقط، وبعد التشخيص الطبي، أكد الأطباء أن سبب تآكل أسنانه يعود أيضًا إلى تركيز الفلوريد المرتفع في مياه الآبار.
الحصين الأكثر تضرراً
لم تكن هذه الحالات فردية بل متفشية، وحصلت منصة ريف اليمن، على تشخيص طبي لنحو 65 حالة، غالبيتهم من الأطفال يعانون من مشكلة في الأسنان أو مشاكل تقوس أو إعاقة في العظام، وتؤكد وجود علاقة مباشرة بين هذه الحالات المرضية وتلوث مياه الشرب بعنصر الفلوريد.
تلك الحالات التي تم توثيقها العام 2018 من قبل الدكتور “أحمد عباس” إخصائي جراحة الفم والأسنان، كلها من قرى مديرية الحصين، والتي يبلغ عدد سكانها أكثر من 57 ألف نسمة وفق إحصاءات الاحتياج الإنساني لمنظمة تنسيق الشؤون الإنسانية (اوتشا) 2021.
وقال عباس، الذي يدير مركزاً صحياً بمحافظة الضالع إن “معظم أنباء قرى مديرية الحصين يعانون من تلون الأسنان وتآكلها، وهذا منتشر منذ عام 2004، ويصيب الأطفال من عمر ثماني سنوات، وتسجّل قريتا خوبر ومرفد أعراضًا أكثر حدة بهشاشة وليونة والعظام”.
وقال “محمد عبد الله مثنى” مدير مكتب الصحة في مديرية الحصين إن “السكان يعانون من ظاهرة صحية خطيرة، تتمثل في تلون الأسنان وكُساح العظام، وتم اكتشاف هذا التفشي في العام 2016، وخلال عامي 2017 و2018، نفّذنا مسحًا ميدانيًا شمل 20 قرية وكانت قريتا مرفد وخوبر الأكثر تضرراً”.
وأضاف في تصريح لمنصة ريف اليمن أن “نتائج المسح سجّلت 301 حالة إصابة بمرض الكساح، و1027 حالة تآكل في الأسنان، رغم أن كثيرًا من المصابين لم تظهر عليهم أعراض واضحة”.
وبسبب شح الأمطار وندرة المياه السطحية، اضطر السكان إلى حفر آبار جوفية بعمق أكثر من 1100 متر، وهذا ضاعف نسبة الفلوريد، وفق دراسة مركز “سوث24” والتي كشفت أن الجفاف زاد أمتار الحفر للوصول إلى المياه خلال السنوات الماضية، ويبرز ذلك من خلال الجدول التالي:
آثار صحية واجتماعية
ورغم خطورة الوضع الذي يحتاج إلى حلول جذرية، يشعر مدير مكتب الصحة “مثنى” بخيبة أمل، وقال إنه أبلغ السلطة المحلية ومنظمات عدة عاملة في مجال الإصحاح البيئي، وشرح لها حجم الكارثة، لكن جميع المحاولات باءت بالفشل.
وأوضح لـ”ريف اليمن”، أنه تم حفر بئر بعمق 400 متر في قرية مرفد بتمويل منظمة محلية، التي تشجعت عندما وجدت أن مياهها منخفضة الفلوريد، لكن في قرى أخرى مثل خوبر ولكمة الأشعوب، لم تنجح المحاولات؛ إذ أظهرت الفحوصات أن نسبة الفلوريد بقيت مرتفعة؛ مما دفع المنظمات إلى التراجع عن تنفيذ المشاريع المائية فيها.
وقال إن آخر مسح صحي أجري للمنطقة كان عام 2017، ومنذ ذلك الوقت لم تُحدّث البيانات، رغم أن المؤشرات الميدانية تشير إلى تفاقم الحالة، وزيادة الأعراض والأمراض الناتجة عن استمرار استهلاك المياه الملوثة.
مدير مكتب الصحة مثنى: تشوهات الأسنان والعظام جعل العديد من الفتيات يشعرن أنهن عبء على أسرهن ومجتمعهن في ظل العجز عن ممارسة حياة طبيعية أو حتى الاندماج في المحيط الاجتماعي
وأوضح أنه تواصل مع السلطات الحكومية والصندوق الاجتماعي في العاصمة المؤقتة عدن، لكنه لم يتلق أي استجابة، بينما تتهرب المنظمات المعنية من التدخل بحجة التكاليف الباهظة التي تتطلبها مشاريع تحلية المياه.
ولم تقتصر الكارثة على الآثار الجسدية، بل امتدت لتشمل الجوانب النفسية والاجتماعية، خصوصًا لدى الفتيات المصابات، اللواتي حُرمن من الزواج بسبب تشوهات الأسنان والعظام. وقال مدير مكتب الصحة إن “العديد من الفتيات يشعرن أنهن عبء على أسرهن ومجتمعهن، في ظل العجز عن ممارسة حياة طبيعية أو حتى الاندماج في المحيط الاجتماعي”.
تزايد نسبة تسمم المياه
يعتمد الأهالي بشكل شبه كامل على المياه الجوفية، لكن التحاليل كشفت عن نسب فلورايد تفوق الحد المسموح به صحياً ما بين 0.7 و1.5 ملم/ لتر، وفق التقديرات العالمية، ما أدى إلى انتشار أمراض خطيرة أبرزها تسمم الأسنان والعظام، خصوصًا في المناطق الريفية كمديرية الحصين.
وأظهر مسح ميداني لهيئة مياه الريف في الضالع في 2021 -حصلت عليه منصة ريف اليمن- شمل 96 مصدراً لمياه الشرب في أربع مديريات في الضالع وجود 18 بئراً تركيز الفلورايد سام جدا تراوح بين 7,1 إلى 13 ملغ/ لتر وهي النسبة الأعلى الموجودة من بين عينات الفحص للآبار.
وشمل المسح مصادر مياه في مديريات الضالع، الحصين، الأزارق، قعطبة، وتعد هذه المديريات ذات كثافة سكانية عالية حيث يمثلون نحو 75 بالمئة من سكان المحافظة التي يقدر عدد سكانها 818 ألف نسمة، وفق إحصاء مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية 2021.
الفحص الميداني للآبار نسبة ارتفاع كبيرة للفلورايد في المياه الجوفية، حيث تراوحت ما بين 1.56 و13.33 ملغم/لتر وهذا يعني أن جميع تلك الآبار خطرة وليست آمنة/ لأنها أعلى من المعدل الطبيعي، وكانت مديرية الحصين الأكثر تضرراً، وفق المسح الذي أجرته الهيئة العامة لمشاريع مياه الريف في الضالع بدعم من اليونيسف ومنظمة الصحة العالمية.
لكنها تضاعفت مؤخراً حيث أظهرت آخر عملية فحص ميداني نفذت في الربع الأول من العام الجاري 2025 ارتفاعاً قياسياً، وكشف مدير مختبر مراقبة جودة المياه في الضالع ماهر العقيلي، لـ”منصة ريف اليمن”، أن آخر عملية فحص العام الجاري سجلت النسبة الأعلى من الفلوريد في قرية حبيل الجلب، حيث بلغت 17 ملغم/لتر”.
وقال إن الفحص أُجري عدة مرات، ووجد أن النسبة مرتفعة مقارنة بما كانت عليه في المسح الميداني عام 2021، وقال إن “القرى الأخرى في مديرية الحصين كانت نسبها كالتالي: في خوبر وصلت إلى 13 ملغم/لتر، ومرفد إلى 12 ملغم/لتر، ولكمة الأشعوب إلى 9 ملغم/لتر”، ولفت إلى أن منطقة سناح 6 ملغرام/ليتر، وسناح 5 ملغرام/ لتر وهذه تقع ضمن مديريتي الضالع وقطعبة”.
وشدد على أهمية رفع الوعي لدى السكان بخطورة استهلاك هذه المياه، مع ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة المشكلة صحياً وبيئياً، بما في ذلك البحث عن بدائل صالحة للشرب وتطبيق حلول تقنية للحد من التلوث وتحسين جودة المياه.
كل آبار مياه الضالع ملوثة
وقال الدكتور “جمال باوزير” أستاذ الجغرافيا في جامعة عدن إن “التحاليل المخبرية الأخيرة، المستندة إلى دراسات ميدانية سابقة، كشفت أن معظم مياه الآبار في الضالع غير صالحة للشرب، نتيجة تجاوز تراكيز العناصر الكيميائية والفيزيائية الحد الأقصى المسموح به وفقًا لمعايير منظمة الصحة العالمية”.
وأضاف في حديث خاص لمنصة ريف اليمن أن “الفلوريد هو الأكثر خطورة، وأن الحد الأقصى المسموح به في مياه الشرب هو 1.5 ملغم/لتر، إلا أن التحاليل أظهرت تجاوزًا كبيرًا لهذا الرقم في العديد من المواقع في الضالع”.
وعن سبب تضاعف تركيز مصدر الفلورايد في الضالع. أوضح باوزير أن ذلك يعود في الغالب إلى التكوين الجيولوجي للمنطقة، حيث تتفاعل المياه الجوفية مع صخور تحتوي على معادن غنية بأيونات الفلورايد، وهذا يفسر التركيزات العالية المكتشفة في المياه.
وفي المناطق التي تعتمد كليًا على مياه الآبار، كمديرية الأزارق، لوحظ انتشار ظاهر لتآكل الأسنان عند الأهالي وحتى المواشي، وفق الدكتور باوزير، الذي لفت إلى أن “تلوث المياه لا يقتصر فقط على الفلورايد، بل يتفاقم بفعل عوامل بشرية، مثل مياه الصرف الصحي المنزلية، واستخدام المبيدات والأسمدة النيتروجينية”.
وتؤدي هذه الملوثات إلى حمل العديد من المركّبات العضوية وغير العضوية عبر مياه الأمطار والسيول؛ ما يزيد من تدهور نوعية المياه الجوفية، ويساهم في ارتفاع عدد الآبار غير الصالحة للاستخدام البشري، وفق أستاذ الجغرافيا بجامعة عدن.
تصبغات الأسنان والكساح
ويؤكد المختصون أن الحل لا يقتصر فقط على المعالجة الطبية للمرضى المتضررين، بل يستوجب تنفيذ حملات توعية واسعة، وتوفير محطات تحلية أو فلاتر متخصصة، إلى جانب فحص شامل لجميع مصادر المياه.
وناشد السكان -الذين تحدثت إليهم منصة “ريف اليمن”- الجهات الرسمية والمنظمات الدولية بسرعة التدخل لتأمين مياه شرب نظيفة، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، قبل أن تتحوّل مشكلة التلوث إلى أزمة مستعصية تهدد مستقبل جيل من الأطفال في هذه المناطق المنسية.
وحذّر “حسين المشبعي”، طبيب وجراح الفم والفكين في المستشفى الأمريكي بعدن، من المخاطر الصحية الناتجة عن ارتفاع تركيز الفلوريد في مياه الشرب، خاصة على الأطفال، أبرزها تصبغات الأسنان، ومشاكل بالعظام وحتى الكساح.
وقال في حديث لمنصة ريف اليمن: “سبق لنا أن نزلنا ميدانيًا إلى بعض المدارس لمعاينة أسنان الطلاب، ووجدنا نسبة مهولة من حالات التصبغ، المعروفة طبيًا بـ “تسمم الفلورايد”، خصوصًا في مديريات مثل الأزارق، جحاف، الجليلة، وغيرها من المناطق التي تعتمد بشكل كلي على المياه الجوفية”.

ووفق توصيات منظمة الصحة العالمية، فإن التركيز المقبول للفلورايد في مياه الشرب يتراوح بين 0.5 إلى 1.5 ملغ/لتر، بينما تُعد نسبة 0.7 ملغ/لتر الأفضل لصحة الأسنان، وهو المستوى المعتمد في كثير من الدول الغربية، وفق الدكتور المشعبي الذي أستدرك بالقول “لكن ما نشهده اليوم في الضالع وبعض المناطق اليمنية يتجاوز هذا الحد، ويهدد الصحة العامة”.
وعن الحلول؛ يشير الدكتور المشبعي إلى أن “الدول المتقدمة لا تترك مستويات الفلورايد في مياه الشرب للصدفة، بل تعمل على تعديل الفلورايد صناعيًا، ففي حال كان تركيز الفلورايد أقل من 0.7 ملغ/لتر، تُضيف البلديات مركبات مثل فلوريد الصوديوم أو حمض هكسافلوسيليسيك لتعزيز وقاية الأسنان”.
وأضاف “أما إذا زاد التركيز عن 1.5 ملغ/لتر، فيتم إزالته باستخدام تقنيات متقدمة مثل الفحم المنشّط، الألومينا النشطة (Activated Alumina)، أو أنظمة التناضح العكسي (Reverse Osmosis)”.
وأشار إلى أن وزارة الصحة الأمريكية كانت قد خفّضت في عام 2015 المستوى المستهدف للفلورايد في مياه الشرب من 1.0 إلى 0.7 ملغ/لتر، بعد مراجعات علمية طويلة لتقييم التوازن بين الفوائد والمخاطر الصحية.
السلطات بلا دور حقيقي
رغم التقارير والتحذيرات الطبية التي تكشف تجاوزات خطيرة في نسب الفلوريد والعناصر الكيميائية الأخرى، لم تتخذ السلطات حتى الآن خطوات فعلية تضمن رقابة صارمة على مصادر المياه، أو تقدم حلولًا مستدامة للأهالي، وهذا يُفاقم من حجم الكارثة، ويترك السكان في مواجهة مباشرة مع مرض لا تسببه الطبيعة القاسية وشحة المياه فقط؛ بل التجاهل من قبل السلطات التي تفتقر لأي إجراءات أو خطط واضحة لتأمين مياه آمنة وصالحة للشرب.
طرحنا السؤال على مدير هيئة الموارد المائية في محافظة الضالع، المهندس بدر محسن عن دور السلطة، وقال “نعمل حاليًا على توفير فلاتر تنقية لإزالة الفلوريد من المياه، وقد قدمت منظمة الفاو تقنية فعّالة وسهلة التطبيق، وذات تكلفة منخفضة تقوم على التخلص من الفلورايد باستخدام الحجر الجيري، كما ندرس استخدام مياه الأمطار لتغذية المياه الجوفية وتعديل تركيز الفلوريد”.
وأضاف لمنصة “ريف اليمن” أن “الهيئة لا تقوم بمتابعة جميع مصادر المياه على مستوى المحافظة، وإنما يقتصر عملها على معامل المياه ومحطات التحلية فقط، في حين تعود مشاريع مياه الريف إلى اختصاص الهيئة العامة لمشاريع مياه الريف”.
وقال محسن “لا يوجد أي دعم حكومي في هذا الجانب، وكل الجهود المبذولة تعتمد على تدخلات منظمات دولية، قامت بعضها بتركيب محطات تحلية في بعض المناطق لتحسين جودة المياه”، وأشار إلى أن “أكبر التحديات هي إيجاد مصادر مياه آمنة منخفضة الفلوريد”.
الحق في ماء نظيف
يُعدّ الحصول على مياه شرب نظيفة وآمنة من أبسط الحقوق الإنسانية، إلا أن هذا الحق يتحوّل في كثير من المناطق في محافظة الضالع، إلى رفاهية مفقودة؛ إذ يجد المواطن نفسه محاصرًا بين خطر العطش، ومخاطر التسمم بمياه ملوثة بالفلوريد.
وبينما يكافح العالم من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ما يزال آلاف المواطنين في الضالع يضطرون على شرب مياه ملوثة قد تفتك بصحتهم، وسط غياب الحلول الفعّالة والتدخلات الكافية من الجهات المعنية، رغم أنها ممكنة.
المحامية “ولاء الفقيه” قالت لمنصة ريف اليمن: “القانون اليمني يؤكد على أن الوصول إلى مياه نظيفة وآمنة هو حق من حقوق الإنسان، وتتحمّل الدولة مسؤولية توفير هذا المورد الحيوي لكافة المواطنين”.
يُلزم القانون اليمني للمياه رقم (33) لسنة 2002، الجهات المختصة بمراقبة جودة المياه ومنع تلوثها، واتخاذ التدابير اللازمة لمعالجة أي مصادر تهدد سلامتها. وقالت الفقيه إن هذه النصوص تتوافق مع الميثاق الدولي الذي ينص على أن “لكل شخص الحق في الحصول على ما يكفي من الماء المأمون والصالح للشرب، باعتباره جزءًا لا يتجزأ من التمتع الكامل بالحق في مستوى معيشي لائق”.
ورغم هذا الإطار القانوني الواضح، إلا أن أداء الجهات الحكومية المعنية، من هيئات المياه إلى إدارات مشاريع الريف، لا يرقى لمستوى التحدي ولا يعكس حجم الأزمة، خصوصًا في مناطق مثل محافظة الضالع، التي تعاني من تلوث مزمن في مصادر مياه الشرب بسبب ارتفاع نسبة الفلورايد والمعادن الثقيلة، دون تدخل فعّال أو إجراءات وقائية ملموسة.
ويُلاحظ أن ضعف الرقابة، وغياب المتابعة الدورية لمصادر المياه، وعدم التنسيق بين الجهات الرسمية، زاد من حجم الكارثة، بينما تكتفي بعض المؤسسات بإلقاء المسؤولية على غيرها، ما يُعد إخلالاً مباشرًا بمسؤولياتها القانونية، وفي ظل هذا الإخفاق المؤسسي، يجد المواطن اليمني نفسه بين مطرقة العطش وسندان التلوث.
أمام هذا الواقع المأساوي الذي يهدد صحة جيل كامل في محافظة الضالع، تحتاج هذه الكارثة تدخلاً حكومياً وإنسانياً عاجلاً، فاستمرار اعتماد السكان على مياه ملوثة بالفلوريد دون وجود بدائل آمنة؛ يُنذر بكارثة صحية تتفاقم يومًا بعد يوم.
وتعد “المياه المأمونة ضرورية لصحة الإنسان ورفاهيته، وهي عنصر أساسي لتحقيق التنمية المستدامة” وفقًا لمنظمة الصحة العالمية. وترى الأمم المتحدة أن “الحق في مياه الشرب المأمونة والكافية والميسورة التكلفة هو حق من حقوق الإنسان المعترف بها”.