في منطقة الخيسة الساحلية بمدينة عدن، جنوبي اليمن، ترسو قوارب قليلة لعدد من الصيادين الذين ينتظرون هدوء أمواج البحر ليتمكنوا من الصيد. فهم يواجهون تحديات جمة جراء تداعيات الحرب و التغيرات المناخية التي شهدتها البلاد مؤخراً
“عبدالله ناصر (23 عاماً)” واحد من بين الصيادين في منطقة الخيسة، يؤكد لـ “منصة ريف اليمن” أن الصيد البحري مصدر دخله الوحيد الذي يعتمد عليه في تأمين الغذاء لأفراد عائلته، على غرار مئات الآلاف من الصيادين في اليمن.
ألحقت الحرب، خلال السنوات الماضية، أضراراً بالغة بالقطاع السمكي في اليمن، حيث أدت إلى تراجع دور مؤسسات الدولة، إذ تُشير التقديرات الرسمية في اليمن إلى أن الإنتاج السمكي انخفض بعد الحرب من 200 ألف طن سنويًا إلى 70 ألف طن فقط.
مواضيع مقترحة
-
الاصطياد الجائر: هدر للثروة في مياه اليمن
-
إغلاق مصانع الأسماك.. إضرار بالصيادين أم حفاظ على الثروة؟
-
موسم الجمبري.. فرصة الصيادين المحفوفة بالتحديات
بين الحرب والمناخ
اضطر ناصر إلى استئجار قارب للصيد، كونه لا يملك قارباً، فيضطر لدفع نحو 10 آلاف ريال يوميا، موضحاً أن الوضع تغير جذرياً بعد ارتفاع سعر الصرف، مما دفع غالبية الصيادين إلى بيع قواربهم الكبيرة، وشراء قوارب صغيرة.
يشكو ناصر وغيره من الصيادين من غياب رصيف بحري أو كاسر أمواج يحمي القوارب الراسية من تقلبات البحر؛ مما يؤدي غالباً إلى سحب الأمواج لها نحو عمق البحر، ويقول “نحن بحاجة إلى إنشاء لسان بحري بطول يتراوح بين 40 و 50 متراً”.
وعن تأثير التغيرات المناخية في السنوات الأخيرة، يقول ناصر: “أثرت فيضانات شرق آسيا بشكل مباشر على سواحل عدن؛ جلبت ما يُعرف محلياً بـ “الزرو” وهو عبارة عن آثار ومخلفات للأشجار، إلى جانب النفايات البلاستيكية التي تلحق الضرر بالثروة السمكية.
تماماً مثل ناصر، يشكو الصياد “عبدالله علي” -المنحدر من منطقة الخوخة الساحلية بالحديدة- من تدهور الأوضاع المعيشية فهو يقيم في الخيسة منذ ثلاثين سنة، يشكو أيضاً من عدم إنصافه؛ إذ إن قاربه معطل ويحتاج إلى محرك جديد، مضيفاً بأنه يُسقط من كشوفات المستحقين للدعم من قبل المنظمات الدولية كلما تم قبوله، وهو ما ينعكس سلباً على عائلته.
وأكد علي لـ “منصة ريف اليمن” أن التغيرات المناخية كانت سبباً في حادثة اختفاء ثلاثة صيادين من منطقة البريقة العام الماضي، مشيراً إلى أن الصيادين خرجوا فجراً في أجواء مستقرة، غير أن الطقس لم يلبث أن تغير فجأة، ففُقدوا على إثره، ولم يتم العثور على جثثهم أو قواربهم حتى وقتنا الحاضر.

غياب التنظيم
يتفق الصيادان ناصر وعبدالله أن من أبرز أسباب تراجع القطاع السمكي في اليمن، هي حالة العشوائية التي تسيطر على العمل دون نظام، مؤكدَين أنه أصبح يعمل في البحر كل من هب ودب، وليس لديهم أي احترام لأعراف البحارة والصيادين.
وعن ارتفاع أسعار السمك، أكد عبدالله أن الصيادين يبيعون سمك التونة مثلاً بسعر لا يتجاوز 2000 ريال للكيلوغرام الواحد، بينما يرفعه المضاربون في سوق الحراج ليصل إلى 10 آلاف ريال، كي يبيعه التجّار للمواطن بسعر 15 ألف ريال. ويضيف: “يشتري البائعون سمك الحوت بمائة ألف من الحراج، ويبيعونه في سوق السمك بثلاثمائة ألف ريال، وهذا يشكل عبئاً وظلم على المواطن بدون أي معايير رقابة وتنظيم”.
يرى المرشد السياحي “صلاح عبدالواسع” أن هناك تأثيرات عدة طرأت على الصيد البحري منذ اندلاع الحرب عام 2015 منها: قلة الوعي لدى غالبية الصيادين بسبب استخدام الشباك المحرم، وكذلك استخدام الأضواء عند الاصطياد ليلا فالسمك يهرب منها إلى الأعماق؛ إذ يفتقر الصيادون الحديثون إلى دورات تأهيلية توضح حقوقه وواجباته وما يضر البيئة البحرية.
دينا سالم: النساء يشاركن فعليًا في جميع مراحل العمل، حيث يستقلن القوارب، ويُجهّزن الشباك، ويصطدنّ الأسماك، ثم يَبِعْنها لإعالة أسرهن
وأوضح عبدالواسع لـ “منصة ريف اليمن” أن العمل غير منظم، على العكس من حضرموت التي مازالت هناك تتفعل قوانين الاصطياد بشكل صارم، أما في عدن فيوجد ثلاث مدراء لسوق الحراج وهم: جمعية الخيسة، حراج عبادل، خليج عدن؛ مما يشكل عشوائية وعدم تنظيم في الأسعار. وأضاف: من بين المشاكل مشكلة الوكلاء المحليين لكبار شركات الاصطياد الأجنبية التي تستنزف السمك؛ مما يحرم المواطن من حقه في ثروة بلده السمكية.
المرأة حضور وتحديات
في حديثها لـ”ريف اليمن”، قالت “أم محمد”، إحدى الصيادات من منطقة خور عميرة الساحلية وعضوة في جمعية المرأة الساحلية، إن مهنة الصيد البحري تعد جزءا أصيلا من حياة النساء في منطقتها منذ أجيال.
وأضافت: “منذ زمن جداتنا والمرأة في منطقتنا تمتهن الصيد البحري، وليس فقط تمليح السمك أو تجفيفه كما في بعض المناطق الساحلية المجاورة بعدن، نحن ننزل البحر في ساعات الفجر الأولى، ونرمي الشباك معًا فوق القارب، حتى أن من تقود القارب تكون امرأة أحيانًا”.
وبيّنت أن النساء في خور عميرة يضطلعن بجميع مراحل الصيد من رمي الشباك وسحبها محملة بالأسماك والأحياء البحرية، إلى إنزالها وبيعها في السوق، فضلًا عن حياكة الشباك وأعمال الصيد الأخرى.
وقالت: “نضطر إلى هذا العمل الشاق لإعالة أسرنا ومساعدة أزواجنا؛ كي لا نحتاج لأحد أو نستسلم للظروف. النساء في مناطق الصبيحة عمومًا نساء قويات، لا يخفن، ويحملن المسؤولية بكل شجاعة”.
واختتمت أم محمد حديثها بالتعبير عن أملها في أن تتلقى الجمعية دعمًا عاجلًا من المنظمات العاملة في المجال التنموي، مؤكدة أن “النساء الصيادات بحاجة ماسة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى الدعم لضمان استمرارهن في العمل والحفاظ على هذا الموروث البحري العريق”.

بدورها أكدت “دينا سالم”، مديرة فرع هيئة المصائد والجمعيات للمرأة الساحلية في منطقة رأس العارة وخور عميرة بمحافظة لحج، أن المرأة الساحلية تعد عاملة ومنتجة بامتياز في القطاع البحري. وأوضحت في حديث لـ “منصة ريف اليمن”، أن النساء يشاركن فعليًا في جميع مراحل العمل، حيث يستقلن القوارب، ويُجهّزن الشباك، ويصطدنّ الأسماك، ثم يَبِعْنها لإعالة أسرهن.
وأضافت: “عملهن لا يقتصر على صيد الأسماك، بل يصطدن أيضًا الحبار في موسمه، ويجمعن “الظُّفْر” وهو نوع من المحار أو الرخويات التي تستخدمها النسوة، بالإضافة إلى مهارتهن في صناعة الشباك وحياكتها”.
الحاجة للمساندة
وعلى الرغم من ذلك، أشارت سالم إلى أن هؤلاء النسوة بأمس الحاجة إلى دعم ومساعدة المنظمات الدولية العاملة في الشأن البحري، مؤكدة أن المساعدات لا تصل إليهن، على عكس مناطق أخرى مثل فقم وعمران في محافظة عدن التي تحظى باهتمام المنظمات.
وضمن حديثها لـ “منصة ريف اليمن”، طالبت دينا سالم بإنشاء معمل نسوي كبير مخصص للصيادات في منطقتي خور عميرة ورأس العارة؛ بهدف ضمان تسويق وإنتاج أكبر، بالإضافة إلى تأهيل وتدريب أكبر عدد ممكن من النساء والفتيات في المنطقة للعمل في الصيد البحري.
وشددت على أهمية التدريب، سواء كان في الصيد المباشر، أو حياكة الشباك، أو تمليح الأسماك، مؤكدة ضرورة رفع الظلم عن المرأة الساحلية التي تمارس هذا العمل منذ عقود طويلة جنبًا إلى جنب مع شريكها الرجل الصياد لإعالة أسرتها.
يمتلك اليمن شريطا ساحليا يبلغ طوله أكثر من 2000 كيلومتر على امتداد البحر الأحمر وبحر العرب وخليج عدن، غني بالأسماك والثروة البحرية، وفق بيانات رسمية
في السياق ذاته، أكدت “سلمى عبدان”، رئيسة جمعية الساحل التنموية في منطقة عمران بعدن، أن الجمعيات النسوية الساحلية في محافظات مثل المهرة، وحضرموت، وشبوة، وأبين، وعدن، ولحج عملت على تطوير منتجات الأسماك، لا سيما في التطوير مثل التخفيف، والتجفيف، والتدخين، والتغليف، والتسويق، والمشاركة في إدارة مشاريع صغيرة تعود بالنفع على الأسرة والمجتمع الساحلي.
وأوضحت أن قطاع الصيد البحري في اليمن شهد تدهوراً كبيراً عقب اندلاع الحرب؛ الأمر الذي يتطلب تدخلاً عاجلاً لإنعاش هذا القطاع وإعادة تنظيمه، كونه يمثل مصدر دخل أساسي لملايين اليمنيين.
ويمتلك اليمن شريطا ساحليا يبلغ طوله أكثر من 2000 كيلومتر على امتداد البحر الأحمر وبحر العرب وخليج عدن، غني بالأسماك والثروة البحرية، وفق بيانات رسمية، ويعمل قطاع الاصطياد الساحلي التقليدي من خلال 129 تعاونية وجمعية سمكية، بإجمالي 23 ألفاً و582 قارباً، و83 ألفاً و157 صياداً، حتى عام 2012، حسب المركز الوطني للمعلومات.



