الزراعة والأمن الغذائي: تحذيرات من انهيار سبل العيش

يعيق الجفاف وارتفاع درجات الحرارة إنتاج الحبوب والمحاصيل الزراعية الأخرى

الزراعة والأمن الغذائي: تحذيرات من انهيار سبل العيش

يعيق الجفاف وارتفاع درجات الحرارة إنتاج الحبوب والمحاصيل الزراعية الأخرى

مع بدء الموسم الزراعي في اليمن، يواجه المزارعون سلسلة من التحديات، في الإنتاج الزراعي بفعل العوامل الطبيعية والاقتصادية، والتي تنعكس على الأمن الغذائي في ظل تراجع سبل العيش لدى غالبية اليمنيين، وخاصة في المناطق الريفية.

وللعام العاشر على التوالي من الأزمة الإنسانية في اليمن، ونتيجة للحرب؛ ظلت الاحتياجات الإنسانية كبيرة على نطاق واسع، كما أن انهيار البنية التحتية المجتمعية والخدمات الأساسية، جعل السكان في اليمن في حالة ضعف شديد أمام الأزمات.

ويواجه اليمنيون تحديات كبيرة مع استمرار توسع سوء التغذية الحاد؛ حيث تواجه الأسر اليمنية انهياراً مأساوياً لمعظم جوانب الحياة، في ظل حالة عدم الاستقرار الاقتصادي، وسط تحذيرات من تفاقم الوضع الإنساني جراء انهيار سبل العيش.


       مواضيع ذات صلة

سوء التغذية

“أمير طاهر” في عُمر خمسة أشهر يعاني أكثر مما ينبغي لأي طفل رضيع أن يتحمله، وبعد أن وُلد في منطقة صلاح الدين بعدن (جنوبي اليمن)، واجه سوء تغذية حادًا، وعدوى صدرية، وإسهالًا مستمرًا، وفتقًا سريًا يحتاج إلى جراحة.

وتتذكر والدته الشعور بالعجز أثناء تدهور حالته الصحية قائلةً: “كان مريضًا جدًا، ولم يكن هناك شيء أفعله ليريحه، جفّ حليبي بسبب التوتر، وشعرت بالعجز التام”. وتضيف: “على الأقل الآن يتلقى الرعاية، كل ما أريده هو أن يكون بصحة جيدة مجددًا”.

يتلقى أمير العلاج حاليا في مركز التغذية العلاجية المدعوم من منظمة الصحة العالمية. ورغم المعاناة، ترفض والدة أمير أن تفقد الأمل. وتقول: “كل ما أريده هو أن آخذه إلى المنزل وهو بصحة جيدة، فهذا هو حلم كل أم”.

وحياة أسرة أمير ليست سهلة؛ فوالده عامل يومي، بالكاد يكسب ما يكفي لشراء الطعام، وفي بعض الأيام لا يعمل، وبالتالي لا تجد أسرته أحياناً قوت يومها. تقول والدته بهدوء: “عندما يحدث ذلك، نصوم”. وتضيف: “أعطانا فاعل خير ملابس للرضع عندما وُلد أمير، لطالما اعتمدنا على مساعدة الآخرين”.

تحديات الزراعة والأمن الغذائي في اليمن
الطفل “أمير” في حضن أمه يتلقى العلاج في مركز التغذية العلاجية بمدينة عدن جنوبي اليمن (الصحة العالمية)

ويُعد أمير واحدًا من 2.3 مليون طفل يعانون من سوء التغذية في اليمن، نصف مليون منهم يواجهون سوء تغذية حاد وخطير، و69 ألفاً بحاجة إلى رعاية طبية عاجلة، وفق منظمة الصحة العالمية التي قالت إنه “بدون علاج، يصبح الأطفال عرضة للأمراض المعدية مثل الالتهاب الرئوي والإسهال، وهما من الأسباب الرئيسية لوفيات الأطفال في اليمن”.

وانتقل الوضع في اليمن من حالة الطوارئ الإنسانية الناجمة عن الصراع وما صاحبه من نزوح إلى أزمة طويلة الأمد؛ حيث أدت الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، وانهيار الخدمات إلى استنزاف مصادر دخل الأسر، وسُبل عيشها وقدرتها على الصمود، وفي الوقت ذاته أثرت التغيرات المناخية على الزراعة وخلقت تحديات كبيرة.

تحديات الموسم الزراعي

ويواجه القطاع الزراعي في اليمن تحديات متزايدة تهدد الأمن الغذائي، في ظل تفاقم التغيرات المناخية، ومنها تراجع معدلات هطول الأمطار، وازدياد موجات الجفاف، وارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي.

ووفق منظمة الأغذية والزراعية (الفاو): “بدأت زراعة الحبوب لعام 2025 في ظل جفاف مستمر، وانخفاض في رطوبة التربة والمياه الجوفية، وهو ما سيؤثر سلبًا على زراعة الذرة الرفيعة ونمو المحاصيل”.

ومن المتوقع أن يؤدي الجفاف وارتفاع درجات الحرارة بين أبريل ويونيو إلى انخفاض رطوبة التربة بشكل أكبر -وفق الإنذار المبكر للمنظمة الدولية- مما يُقلل من فرص إنتاج المحاصيل. إضافةً إلى أن ارتفاع تكاليف الوقود والمدخلات الأنشطة الزراعية قد يُعيق إنتاج الحبوب المحلي.

ويُقدَّر حصاد الحبوب للعام 2024 -والذي اكتمل في أواخر نوفمبر- بنحو 416 ألف طن، أي أقل بنحو 13% عن المتوسط، وذلك نتيجةً لظروف الجفاف التي شهدتها المحافظات الرئيسية المنتجة للمحاصيل خلال شهري مايو ويونيو 2024، وفق الفاو.

تحديات الزراعة والأمن الغذائي في اليمن
غالبية المزارعين يعملون في الحقول طوال اليوم لإعالة أسرهم وتأمين معيشتهم (الفاو)

واعتبرت المنظمة الدولية، أن من ضمن أسباب تراجع الحبوب “الفيضانات الغزيرة في أغسطس وسبتمبر، والتي ألحقت أضرارًا بالأراضي الزراعية، وقنوات الري، ومرافق تخزين المياه”.

وتوفي 240 شخصاً، وأصيب 635 آخرون جراء الأمطار الغزيرة والفيضانات في اليمن 2024 خلال موسم الأمطار، وتأثرت حوالي 99 ألف هكتار من الأراضي الزراعية بالفيضانات، وحوالي 279 ألف رأس من الأغنام والماعز.

كما حدَّ ارتفاع الأسعار من قدرة المزارعين على الحصول على المدخلات الأساسية، بما في ذلك الوقود والمبيدات الحشرية، وفق منظمة الفاو، حيث يعاني المزارعون من تكلفة مضاعفة في إنتاج المحاصيل.

ووفق بيانات الطوارئ أكتوبر 2024 (DIEM): “أفادت الأسر التي تعتمد بشكل رئيسي على الأجور اليومية داخل المزرعة وخارجها، والأسر التي لا تملك مصادر دخل، بفقدان أعمالهم بمعدل أعلى من فئات سبل العيش الأخرى”.

وبالنسبة لمنتجي المحاصيل، ظل نقص المياه أكثر الصعوبات المبلغ عنها، أما بالنسبة لمنتجي الثروة الحيوانية، فقد ظل شراء الأعلاف هو الصعوبة الأبرز، بحسب بيانات (DIEM). وكانت محافظتا عمران وحجة (شمالي اليمن) أكثر المحافظات معاناة من انعدام الأمن الغذائي، كما شهد سكانها مستويات أعلى من فقدان أعمالهم، وانخفاض مصادر الدخل الرئيسية.

الأمن الغذائي في اليمن

لم تتمكن 57 بالمئة من الأسر اليمنية من تلبية الحد الأدنى من الاحتياجات الغذائية الأساسية في مارس/ آذار الماضي؛ حيث ارتفعت معدلات الحرمان الغذائي بشكل ملحوظ مقارنة بالعام السابق، وفق برنامج الغذاء العالمي.

ويعد التدهور الاقتصادي المستمر، ونقص التمويل الإنساني، ومحدودية فرص العمل، والجفاف الذي أثر سلبًا على الإنتاج الزراعي، من العوامل التي عمّقت الأزمة في اليمن، بحسب الغذاء العالمي الذي أشار إلى أن “محدودية سبل العيش والظروف الشبيهة بالجفاف تؤثر “سلبا” على القطاع الزراعي، وتسهم في تفاقم الأزمة”.


57 بالمئة من الأسر اليمنية لم تتمكن من تلبية الحد الأدنى من احتياجاتها الغذائية خلال شهر مارس/آذار الماضي؛ حيث ارتفعت معدلات الحرمان الغذائي مقارنة بالعام السابق


وكشف التحديث الذي أصدره البرنامج حول الأمن الغذائي أن “أزمة سوء التغذية تزداد تفاقمًا؛ حيث يعاني ما يقرب من نصف الأطفال اليمنيين دون سن الخامسة من سوء التغذية، بينما تواجه 3.5 مليون امرأة وطفل سوء تغذية حاد”.

الزراعة والأمن الغذائي في اليمن
تراجع إنتاج الحبوب الموسم الماضي بنسبة 13% عن المتوسط السنوي (ريف اليمن)

وارتفعت معدلات نقص الغذاء بين النازحين إلى مستويات مقلقة، حيث يعاني 61٪ منهم من عدم كفاية الاستهلاك الغذائي، فيما يواجه 35٪ ظروفًا غذائية متدهورة، ترتفع إلى 40٪ بين النازحين في المخيمات.

وفي مواجهة هذه الأزمة، قال برنامج الغذاء العالمي إن “النازحين يعتمدون على استراتيجيات قاسية للتكيف مع الظروف الصعبة، وتشمل الاستغناء عن بعض الوجبات اليومية، واللجوء إلى التسول لتأمينها” مما يعكس حجم المعاناة التي يعيشها هؤلاء في ظل أوضاع إنسانية متفاقمة.

وارتفعت تكلفة السلة الغذائية الأساسية بنسبة 28% مقارنة بالعام الماضي، في حين يعاني النشاط الاقتصادي من ضعف القدرة الشرائية، في الوقت الذي تعاني خطة الاستجابة الإنسانية للعام 2025 من نقص التمويل؛ إذ لم يتم تأمين سوى 8%؛ مما يهدد بتفاقم الوضع الغذائي والإنساني في البلاد.

ومن المتوقع أن تصل واردات القمح في اليمن خلال السنة التسويقية 2024-2025 إلى مستوى قريب من المتوسط، وهو يمثل النسبة الأكبر من إجمالي الواردات بحوالي 3,8 ملايين طن، وفق منظمة الأغذية والزراعة (الفاو).

وتشكل الصراعات الداخلية، والركود الاقتصادي، ومحدودية توافر العملات الأجنبية، بسبب ضعف أنشطة تصدير النفط، تحدياتٍ أمام البلاد لاستيراد الحبوب في عام 2025. بحسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في حين أن “17.1 مليون شخص (ما يقرب من نصف السكان) يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد”.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: