كيف تُضاعف التغيرات المناخية معاناة النازحين؟

يتكرر سنويا النزوح المناخي بموسم الأمطار جراء تهدم المأوي وتضرر سبل العيش

كيف تُضاعف التغيرات المناخية معاناة النازحين؟

يتكرر سنويا النزوح المناخي بموسم الأمطار جراء تهدم المأوي وتضرر سبل العيش

أثرت التغيرات المناخية على حياة النازحين في اليمن، وهددت استقرارهم، وتسببت بتضرر المأوى وسبل العيش؛ إذ قلصت الظواهر المناخية المتطرفة من توفير الخدمات الأساسية، وضاعفت معاناة النازحين المتفاقمة جراء تداعيات الحرب التي تشهدها البلاد منذُ عشر سنوات.

وتعد اليمن واحدة من أكثر بلدان العالم عرضة لتأثير أزمة المناخ، لكنها الأقل استعدادا لمواجهتها أو التكيف معها، كما تُصنف كإحدى أكبر أزمات النزوح في العالم، وهناك نحو 4.8 مليون شخص نازح في اليمن، ويعيش كثيرون منهم في مآوي مؤقتة تفتقر للحماية والخدمات الأساسية، حسب منظمة الهجرة الدولية.

ومطلع مايو/ أيار الجاري حذر برنامج الغذاء العالمي من نقص الغذاء في اليمن وقال إن “معدلات نقص الغذاء بين النازحين ارتفعت إلى مستويات مقلقة؛ حيث يعاني 61٪ منهم من عدم كفاية الاستهلاك الغذائي، فيما يواجه 35٪ ظروفًا غذائية متدهورة، ترتفع إلى 40٪ بين النازحين في المخيمات”.

النزوح المناخي في اليمن

أكدت دراسة جديدة نشرها “حلم أخضر للدراسات البيئية” بأنه “تتكرر سنوياً في مواسم الأمطار خلال الفترة بين (مارس/آذار – أغسطس /آب)، حوادث النزوح المناخي والانتقال من موقع لآخر؛ جراء تهدم المآوي وتضرر سبل العيش، في ظل ضعف الاستعداد المبكر والاستجابة الشاملة، وضعف القدرة على التكيف، والصمود أمام المخاطر المناخية”.

وأجبرت الحرب والصراع الدائر في البلاد منذ العام 2015 ملايين اليمنيين على النزوح الداخلي، بينهم حوالي 1.6 مليون شخص يعيشون حاليا في 2.284 موقعاً من مواقع النزوح والاستضافة في 22 محافظة يمنية، أبرزها: الحديدة، وحجة، ومأرب، وتعز.

وفي العام 2023 وصل النزوح المناخي إلى أعلى مستوى له، وحسب بيانات مركز رصد النزوح الداخلي بلغ عدد النازحين اليمنيين جراء الكوارث الطبيعية 240 ألف نازح، وفي الوقت الراهن لا يوجد الكثير مما يمكن لليمن أن يفعله لمواجهة تغيرات المناخ بمفرده وفق الدراسة التي نشرها حلم أخضر حول تأثير المناخ على النازحين في اليمن.

مأوى نازحين تعرض للدمار جراء الفيضانات في مأرب في 2024 (إياد البريهي)

غياب الخدمات الأساسية

يتعرض النازحون في مأرب وحجة والمهرة وسقطرى لمجموعة واسعة من المخاطر جراء تغيرات المناخ؛ إذ يعيش أكثر من 40 بالمئة منهم في مواقع نزوح غير رسمية، ولا يحصلون على الخدمات الأساسية بشكل كاف وفق الدراسة.

في كثير من الأحيان تكون الخدمات غير متاحة، أو غير متوفرة، ويعيش النازحون في خيام رديئة من مواد خفيفة الوزن، مثل: القماش أو القش أو من الصفيح الذي يزداد حرارة خلال فصل الصيف، كما تفتقر الغالبية العظمى من النازحين بالمخيمات إلى مصدر منتظم للدخل وشبكات الأمان الاجتماعي التي تمكنهم من الوصول إلى سكن أفضل وأكثر أماناً.

وقد عانى معظم النازحين في هذه المواقع من النزوح لفترات طويلة متكررة، وفي الجلسات النقاشية التي أجراها حلم أخضر، وصف المشاركون من قادة وأعضاء مجتمع النزوح مجموعة من الأسباب التي تسهم في زيادة الحوادث المناخية على مجتمعاتهم، منها: عدم وجود خطة طوارئ مناخية في كافة المخيمات، وعدم وجود أنظمة إنذار مبكر في المخيمات والمجتمعات المضيفة.

وتطرقت الدراسة إلى ضعف التوعية، والاستعداد للكوارث قبل وأثناء وقوعها. بالإضافة إلى جانب عدم وجود موازنات لدى الجهات الفاعلة مخصصة للطوارئ وإدارة الكوارث، أو موازنات للسلطات المحلية للحد من تأثير التغيرات المناخية على مجتمعاتهم المؤقتة.

كما أن غالبية المخيمات -بحسب النازحين- لا يوجد بها نظام صرف صحي، أو دورات مياه نظيفة، بالإضافة إلى أن عدداً كبيراً من المخيمات لا توجد بها مشاريع صرف صحي ودورات مياه.

تفشي الأوبئة

تبدو العلاقة متشابكة ومركبة بين تغير المناخ وتفشي الأوبئة وحركة النزوح الداخلي في اليمن، على الرغم من أن موجات الحر تشكل مخاطر كبيرة على الصحة العامة في بلدان عدة، إلا أن اليمن شهد خلاف ذلك.

بحسب الدراسة، فإنه خلال العام 2020 كانت التقلبات الشديدة للمناخ والأمطار الغزيرة والفيضانات المفاجئة السبب في ارتفاع معدلات الإصابة بأمراض الحميات شمال وجنوب البلاد؛ إذ تجاوز عدد المصابين في المحافظات الشمالية أكثر من 50 ألفاً و747 حالة إصابة وبلغت الوفيات أكثر من 100 حالة وفاة، وكان النازحون في محافظة حجة والحديدة وعدن ولحج وعدن من أكثر الضحايا بهذه الأوبئة.

وخلال الفترة (2020 – 2024)، أضرت الأمطار والفيضانات بمخيمات النزوح في جميع أرجاء البلاد. وفي محافظة حجة سُجلت 120 ألفاً و619 حالة إصابة بأوبئة الحميات والإسهالات والأمراض الجلدية في مخيمات النزوح.

كما تأثر الوضع الصحي في حجة، خاصة بعد انسحاب المنظمات التي كانت تقدم الخدمات الصحية مما فاقم الأوبئة. وفي محافظة مأرب أفاد مندوبو النازحين عن تسجيل 2000 حالة إصابة في الحميات خلال العام 2023.

وفي العام 2020 تعرض مخيم الجفينة (أكبر مخيمات النزوح في مأرب) لأضرار جسيمة جراء الأمطار الغزيرة التي أعقبها سيول وفيضانات غمرت المخيم، وأغرقت الكثير من الخيام.

وذكر أحد ممثلي المخيم أن مياه الفيضانات شقت طريقها داخل المخيم، ومرت السيول من وسط المخيم، واختلطت مياه الأمطار مع مياه المجاري، وسببت التلوث وتفشي الأوبئة، وكان الأمر أكثر ضرراً على كبار السن والأطفال، خصوصاً الذين يسكنون في خيام ممزقة وطرابيل خفيفة، وقد تسبب ذلك بتعرض الكثيرين في المخيم للإصابة بالحميات والاسهالات والكوليرا.

وبالرغم من أن السكان المحليين والنازحين خاصة يعانون من وطأة هذه الأوبئة سنوياً خلال مواسم الأمطار إلا أن البلاد ما تزال تفتقر لمراكز طبية لعلاج الحميات؛ فحتى منتصف 2022 لم يكن يوجد مستشفى طبي متخصص بعلاج أوبئة الحميات في البلاد، وفي أغسطس / آب 2022 تم افتتاح أول مركز يمني لعلاج الحميات في الحديدة بدعم من الوكالات الأممية والصندوق الاجتماعي للتنمية، غير أن ذلك لا يكفي لبقية مناطق ومحافظات البلاد.

السيول والفيضانات في اليمن تتسبب موسمياً في وفيات وأضرار مادية وبيئية كبيرة وتسببت العام الماضي بوفاة 240 شخصاً (EPA)

دور الحكومة

على الرغم من ضعف التوعية المجتمعية، وقلة المعلومات المنقذة للأرواح لمجتمعات النزوح من قبل السلطات والمنظمات الإنسانية الفاعلة، إلا أن النتائج تشير إلى أن وعي مجتمعات النازحين بخطر المناخ المتغير لا بأس به. ويرجع ذلك إلى اهتمامهم بمتابعة وسائل الإعلام، ومنصات التواصل الاجتماعي، بحسب الدراسة.

وتؤكد الدراسة أن حوالي 93.5 بالمئة من النازحين في المحافظات المستهدفة قد سمعوا بطريقة ما عن التغيرات المناخية المحيطة بهم، وإن كان هناك بعض التباينات من مخيم لآخر، ومن محافظة لأخرى؛ حيث تصل نسبة سماع النازحين بمخاطر المناخ إلى 99.2 بالمئة في محافظة مأرب، مقارنة بحوالي 87.5 بالمئة في حجة وحوالي 84.9 بالمئة في سقطرى والمهرة.

وأظهرت النتائج أن مستوى وعي النساء النازحات وسماعهنّ عن تغير المناخ أعلى من الرجال في مخيمات النزوح؛ حيث بلغت نسبة سماع النساء 98 بالمئة مقابل نسبة 90.3 بالمئة لدى الرجال، ويمكن إرجاع ذلك إلى زيادة مهام النساء، وتعرضهن لمخاطر المناخ أكثر من الرجال، عند جلب الماء أو الحطب.

كما تبين أن مستوى سماع الفئات العمرية من النازحين عن التغيرات المناخية تقل مع التقدم في العمر؛ حيث بلغت نسبة من سمعوا عن التغيرات المناخية من الفئات العمرية الشابة (18 – 25 سنة) حوالي 98.1 بالمئة وتقل نسبة السماع لتصل في الفئة العمرية (60 عاماً فما فوق) إلى حوالي 63.6 بالمئة فقط، ويمكن إرجاع ذلك إلى اهتمام الفئات الشابة بالتواصل عبر منصات الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي.

ومع استمرار أزمة النزوح في اليمن، تحتاج الحكومة وسلطاتها المحلية ومعها المنظمات الإنسانية غير الحكومية إلى فهم تطور احتياجات مجتمعات النزوح المتضررة من الكوارث، ومعرفة الثغرات في إدارة النزوح المناخي. مع وضع التركيز على تطبيق الممارسات المثلى والمستدامة، وبناء ودعم المبادرات الإبداعية التي تساهم في تقديم معالجات لأزمة النزوح المناخي المتكررة في البلاد.

وكانت مفوضية شؤون اللاجئين قد حذرت، في أغسطس/ آب عام 2024، من أن ملايين النازحين اليمنيين يواجهون ظروفا متدهورة؛ بسبب الفيضانات الكارثية، خصوصاً في ظل تفاقم الأزمة المطولة في اليمن.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: