التغيرات المناخية: تحديات قاسية تواجه نساء الأرياف

تتكيد المرأة الريفية معاناة يومية شاقة وتزداد مع تقلبات ظروف المناخ

التغيرات المناخية: تحديات قاسية تواجه نساء الأرياف

تتكيد المرأة الريفية معاناة يومية شاقة وتزداد مع تقلبات ظروف المناخ

دفعت موجات الحر الشديدة العديد من النساء اليمنيات في الأرياف إلى إعادة تنظيم جداول أعمالهن اليومية؛ تفاديًا للأمراض المرتبطة بارتفاع درجات الحرارة، لاسيما في المهام الأساسية كجمع الحطب وجلب المياه، وهي أعمال شاقة تؤديها يوميًا مئات الآلاف من النساء في القرى اليمنية.

“هيفاء حسين” (27 عامًا) واحدة من النساء اللاتي أجبرتهن حرارة الصيف القاسية على تعديل أوقات عملهن اليومية، فباتت تخرج لجمع الحطب في ساعات المساء بدلًا من الصباح، على خلاف ما اعتادت عليه هي وأمهاتها وجداتها.

تقول هيفاء لـ”منصة ريف اليمن”، إن ارتفاع درجات الحرارة وتغير المناخ غيّرا ملامح حياتها وحياة نساء قريتها الواقعة بمديرية صعفان غرب صنعاء. وتضيف: “أذهب لجمع الحطب عند الخامسة عصرًا حين يكون الجو ألطف، فلم أعد أحتمل حرارة الصباح التي ترهقني وتتسبب لي بإجهاد شديد”.


          مواضيع ذات صلة

مؤخراً كانت درجات الحرارة أعلى من المعدل الطبيعي في اليمن؛ إذ سجلت الحرارة العظمي 44 درجة مئوية خلال شهر مايو في المناطق الصحراوية الشرقية، مثل: حضرموت، المهرة، مأرب، وفي المناطق الساحلية والمنخفضة وصلت 42 درجة، مثل: لحج، تعز، عدن، الحديدة، وفق نشرة الفاو.

وكان المعهد النرويجي قد أوصى السلطات اليمنية والأمم المتحدة بإجراء تقييم شامل لمخاطر السلام والأمن، المتعلقة بالمناخ والبيئة، مع مراعاة المخاطر التي تتعرّض لها الفئات الضعيفة بشكل خاص، مثل النساء والفتيات والشباب والمهاجرين والأقليات.

التغيرات المناخية: تحديات قاسية تواجه نساء الأرياف
تتحمل النساء في الريف أعباء يومية قاسية للمساعدة في تأمين سبل العيش للمنزل (ريف اليمن)

وقال إنه يمكن أن يسترشد التقييم بأنظمة الإنذار المبكر، والحدّ من مخاطر الكوارث، والاستجابات؛ للتخفيف من المخاطر المتعلقة بالمناخ، والمساعدة بتعزيز النظم والآليات المحلية.

تغير نمط الحياة

لا يختلف حال هيفاء كثيرًا عن “وفاء علي 19 عامًا”، من قرية السبعة في الحديدة، التي تروي لمنصة “ريف اليمن” كيف أثّر الحر الشديد على نمط حياتها، فتقول: “نمارس نشاطاتنا اليومية كجلب الماء وجمع الحطب بعد المغرب، وأحيانًا قبل الفجر، برفقة بنات عمي”.

وتضيف: “على الرغم من الخوف من الطريق والمخاطر التي قد تصادفنا، لكننا مُجبرات بسبب الحرارة الشديدة التي لا نستطيع تحملها، نشعر بالخمول والتعب، فلا نتمكن من المقاومة، لذلك ننتظر حتى يهدأ الجو ونتحرك”.


الفاو: خلال مايو الماضي سجلت الحرارة العظمي 44 درجة مئوية  في المناطق الصحراوية الشرقية مثل: حضرموت، المهرة، مأرب، وفي المناطق الساحلية والمنخفضة وصلت 42 درجة


تشير التوقعات إلى أن اليمن يشهد ارتفاعًا في درجات الحرارة أسرع من المتوسط العالمي، ما يُنذر بمستقبل مناخي قاسٍ. ويتوقع خبراء المناخ أن تواجه البلاد فترات جفاف أطول، وموجات حرّ أشد خلال العقود القادمة.

تغير يتجاوز التوقعات

وأظهر تقرير صادر عن وزارة التخطيط والتعاون الدولي اليمنية أن البلاد تواجه تحديات مناخية متزايدة، في ظل ارتفاع درجات الحرارة وعدم انتظام الظواهر الطبيعية. ووفقًا للتقرير يتراوح متوسط درجات الحرارة السنوية في اليمن بين أقل من 15 درجة مئوية في المناطق الجبلية المرتفعة، و30 درجة مئوية في السهول الساحلية.

ويرجع هذا التفاوت الكبير إلى الاختلافات الحادة في الارتفاع الجغرافي؛ ما ينعكس على تنوع المناخ في مختلف المناطق.

واستند التقرير إلى دراسة للبنك الدولي (2010) وضعت ثلاثة سيناريوهات محتملة لتغير المناخ في اليمن حتى عام 2100، ضمن نطاقات مختلفة من التأثيرات المناخية، تشمل ازدياد درجات الحرارة، وتزايد الفترات الجافة، وتواتر الظواهر الطبيعية بشكل غير منتظم، وسط ضعف واضح في قدرة اليمن على التكيف مع هذه التغيرات.

يقول مدير عام الغابات والتصحر في محافظة عدن، المهندس “فاروق طالب”، إن “المؤشرات المناخية المرصودة في جميع أنحاء اليمن تُظهر بوضوح تأثر البلاد بشكل متزايد بتغير المناخ، مع استمرار الظواهر المناخية القاسية في التفاقم”.

وأوضح طالب لمنصة ريف اليمن أن “الجمع بين ارتفاع درجات الحرارة السنوية (القصوى والدنيا) وبين الاختلال الواضح في نمط هطول الأمطار، يشكل تهديدًا خطيرًا على النظم البيئية، ويؤثر بشكل مباشر عليها”.

وبحلول عام 2060، من المرجّح أن ترتفع درجات الحرارة في اليمن بمقدار 3.3 درجات مئوية، مع احتمالية استمرار هذا الارتفاع حتى نهاية القرن، ما يُنذر بآثار بيئية واقتصادية واجتماعية عميقة، إذا لم تُتخذ إجراءات تكيفية فاعلة.

تداعيات صحية

وحول المضاعفات الصحية، قالت الطبيبة “نهال ظافر” إن “الإجهاد الحراري الناتج عن ارتفاع درجات الحرارة يُعد من أكثر الأعراض الصحية شيوعًا، خصوصًا في المناطق المتأثرة بالمناخ القاسي في اليمن”.

وأضافت ظافر لمنصة ريف اليمن: “هذا النوع من الإجهاد لا يُسبب أمراضًا خطيرة مباشرة، لكنه يؤدي إلى ضربة شمس، وهي الأثر الصحي الأبرز في هذه الحالات. الإجهاد الحراري يؤدي إلى الهبوط العام في الجسم، وضربة الشمس هي النتيجة المتعارف عليها، ولا توجد تأثيرات أخرى خطيرة في معظم الحالات”.

وتشير إلى أن ضربة الشمس قد تُسبب توسّع الأوعية الدموية، مما يؤدي أحيانًا إلى الرعاف، خاصة لدى الأشخاص الذين يعانون من أمراض مسبقة في الأوعية أو ضغط الدم. وفي ظل تصاعد درجات الحرارة في اليمن وتزايد فترات الجفاف؛ بدأت تظهر أعراض صحية مرتبطة بما يُعرف بـ”الإجهاد الحراري”، لا سيما في المناطق الريفية والمناطق التي تعاني من ضعف الخدمات الصحية.


ارتفاع درجات الحرارة السنوية والاختلال الواضح في نمط هطول الأمطار، يشكل تهديدًا خطيرًا على النظم البيئية، ويؤثر بشكل مباشر عليها


أما الدكتورة “نهى العريقي”، فأكدت أن “الإجهاد الحراري يؤدي إلى فقدان كميات كبيرة من سوائل الجسم عبر العرق؛ ما قد يسبب الجفاف، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على وظائف الكلى وغيرها، وقد يفاقم الحالة الصحية لمن يعانون من أمراض مزمنة”.

وتشير العريقي إلى أن الأعراض الأولية للإجهاد الحراري قد تكون بسيطة ولكنها مزعجة ومنها “الصداع، والدوخة، والشعور بالتعب العام، كلها علامات تحذيرية تدل على أن الجسم غير قادر على التكيف مع الحرارة المرتفعة”.

يشهد اليمن تحولات مناخية متسارعة، تتجلى في ارتفاع درجات الحرارة، وعدم انتظام هطول الأمطار؛ مما يفاقم الأعباء على البيئة وسبل العيش، خاصة في المجتمعات الريفية التي تعاني أصلًا من تداعيات النزاع المستمر وندرة الموارد. كما يتعرض نحو 50% من سكان اليمن لخطر مناخي كبير واحد على الأقل، مثل الارتفاع الشديد في درجة الحرارة، أو موجات الجفاف أو الفيضانات.

وتعد اليمن واحدة من أكثر بلدان العالم عرضة لتأثير أزمة المناخ، لكنها الأقل استعدادا لمواجهتها أو التكيف معها، كما تُصنف اليمن كإحدى أكبر أزمات النزوح في العالم.

وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن متوسط درجة حرارة سطح الأرض حوالي 1.1 درجة مئوية، أي أنها أكثر دفئا مما كانت عليه أواخر القرن التاسع عشر (قبل الثورة الصناعية).

ومثّل العقد الماضي (2011-2020م) الأكثر دفئا من أي عقد سابق منذ عام 1850م، ووفقا للمسار الحالي لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون، فمن المتوقع أن ترتفع درجة الحرارة إلى 4.4 درجة مئوية بحلول نهاية القرن، وفقاً لذات المصدر.

شارك الموضوع عبر:

الكاتب

    مواضيع مقترحة: