الاختناق داخل آبار المياه: موت صامت في الأرياف

تم تسجيل 43 حالة وفاة جراء الاختناق خلال 8 أشهر منذ مطلع العام 2025

الاختناق داخل آبار المياه: موت صامت في الأرياف

تم تسجيل 43 حالة وفاة جراء الاختناق خلال 8 أشهر منذ مطلع العام 2025

في قرى الريف اليمني، لم تعد حوادث الاختناق داخل الآبار مجرد أرقام عابرة؛ بل قصصاً مأساوية تعيد نفسها بين الحين والآخر، لتخطف أرواح شباب ورجال لم يقترفوا ذنباً سوى أن فقرهم ساقهم إلى أعماق تلك الحفر، إما لصيانتها أو لشفط مياهها، في رحلة تنتهي بالموت جراء الغازات السامات الناتجة عن عوادم المولدات الكهربائية.

خلال السنوات الماضية شهدت بعض المناطق الريفية، تزايدا مقلقا في حوادث الاختناق داخل الآبار، وما إن ينزل أحدهم إلى البئر، حتى يبدأ باستنشاق غازٍ قاتل بلا لون ولا رائحة، ثم تتحول محاولات الإنقاذ إلى فواجع متسلسلة؛ ما يؤكد الحاجة الملحة لزيادة الوعي بإجراءات السلامة، لدى العمال وملاك الآبار.


   مواضيع مقترحة

حوادث مأساوية

تتصدر محافظتي إب وتعز قائمة المحافظات اليمنية التي تشهد الحوادث، نظرا لكثرة الآبار التقليدية فيهما، فخلال أقل من شهرين، توفي 11 شخصًا في هذه المحافظات بحسب ما نشرته وسائل إعلام رسمية ومحلية.

أحدث تلك المآسي وقعت في منتصف يوليو الماضي، إذ توفى شخصان تتراوح أعمارهما بين (28 و65) وأصيب 7 آخرون في حادثة اختناق داخل بئر سطحية في قرية صهبة بعزلة الشراجة التابعة لمديرية جبل حبشي الواقعة في الجهة الغربية لمدينة تعز.

في إب، لم يكن المشهد مختلفاً، وامتدت سلسلة الحكايات المأساوية إلى حجة، والحديدة، وصنعاء وغيرها من المحافظات، وكلها ناتجة عن استنشاق غاز أول أكسيد الكربون، وهو غاز سام عديم اللون والرائحة، يتولد داخل الآبار نتيجة تشغيل المضخات أو المولدات.

ويفتقر سكان القرى إلى الوعي بمخاطر الغازات السامة وإجراءات السلامة الضرورية التي قد تحميهم من الموت المحقق؛ وذلك يعود بدرجة أساسية إلى قلة التوعية ونقص وسائل الحماية؛ مما يجعل هذه الحوادث تتكرر بشكل مفجع.


يفتقر سكان الريف للوعي بمخاطر الغازات السامة وإجراءات السلامة الضرورية التي قد تحميهم من الموت اختناقا؛ مما يجعل هذه الحوادث تتكرر


غازات سامة وإهمال

المهندس “صالح غيلان”، مدير صحة البيئة بمحافظة صنعاء، قال إن المحركات تستهلك الأوكسجين الموجود في البئر وتطلق غاز ثاني أكسيد الكربون، وعندما ينفد الأكسجين، تبدأ المحركات بامتصاص ثاني أكسيد الكربون وتحويله إلى أول أكسيد الكربون القاتل، يستنشقه العامل فيغيب عن الوعي ويموت خلال دقائق.

ويؤكد غيلان خلال حديثه لـ”منصة ريف اليمن”، على أهمية استخدام أدوات السلامة التالية أثناء العمل في الآبار، وهي: الحبال وأحزمة الأمان لرفع وخفض العمال وتثبيتهم بأمان، بالإضافة إلى خوذات الرأس والنظارات الواقية، لحماية الرأس والعينين من الأجسام المتساقطة والغبار.

ويشير إلى ضرورة استخدام أقنعة الغبار لمنع استنشاق الأتربة الضارة، وأحذية السلامة لحماية القدمين من الإصابات، والسلالم لتسهيل النزول إلى قاع البئر والخروج منه بأمان. كما تطرق إلى أهمية معدات التهوية لضمان وجود الأكسجين ومكافحة الغازات السامة، وخطة طوارئ واضحة للإخلاء والإنقاذ في حال وقوع حادث.

 رغم التحذيرات المستمرة، ما زال كثير من مالكي الآبار يعتمدون على وسائل بدائية، فأحمد الخولاني، مالك بئر في صنعاء لا يملك أدوات السلامة، ويعتمد على طرق بدائية وخطيرة لإنزال العمال.

ويقول الخولاني لـ “منصة ريف اليمن”: “ننزل العمال إلى العمق مربوطين بحبال، ولم نواجه أي حادث حتى الآن”. لكن اعترافه بعدم معرفته حتى بأبسط أدوات السلامة يكشف حجم الفجوة الخطيرة. وأوضح أن الآبار الريفية، وخاصة التقليدية، تُحفر بطرق عشوائية لا تلتزم بالمواصفات القياسية؛ مما يزيد من خطورة العمل فيها.


الدفاع المدني سجل 43 حالة وفاة جراء الاختناق داخل الآبار منذ مطلع العام الجاري؛ ما يعكس خطورة الظاهرة، وضرورة تكثيف حملات التوعية والتدابير الوقائية


43 وفاة خلال 8 أشهر

مدير عام العلاقات العامة والإعلام بمصلحة الدفاع المدني العقيد “خالد الشراحي”، كشف أنه منذ بداية العام الجاري، تم تسجيل 43 حالة وفاة جراء الاختناق داخل الآبار، وهو ما يعكس خطورة الظاهرة، وضرورة تكثيف حملات التوعية، واتخاذ التدابير الوقائية بشكل عاجل.

وأضاف خلال حديثه لـ”منصة ريف اليمن”، أن دور المصلحة يتركز على الإرشاد والتوعية من خلال إعداد فلاشات توعوية عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، بهدف الحد من حوادث الغرق والاختناق في الآبار.

ولفت إلى أن المصلحة تنفذ على مدار العام دورات تدريبية في مجال الأمن والسلامة العامة تستهدف مختلف شرائح المجتمع، بما في ذلك المرافق العامة والخاصة، مشيرًا إلى أن نحو 62 ألف مواطن استفادوا من هذه الدورات خلال الأعوام الخمسة الماضية.

وأوضح أن غالبية المناطق تقع في أماكن نائية بعيدة عن مراكز الخدمة الرئيسية، وهو ما يجعل الوصول إليها أمرا بالغ الصعوبة، فضلا عن صعوبة متابعة مدى مطابقة الآبار هناك للمواصفات والمقاييس المعتمدة، لافتا إلى أن المصلحة تركز جهودها على توعية السلطات المحلية في المحافظات لمتابعة هذه القضايا، والحد من المخاطر.

وبيّن العقيد الشراحي أن فرق الدفاع المدني تباشر النزول الميداني في حال تلقي بلاغات عن وقوع حوادث غرق أو اختناق، حيث يتم تنفيذ عمليات الإنقاذ أو انتشال الجثث عبر فرق الغوص والإنقاذ المائي.

وبحسب إحصائيات غير رسمية بلغ عدد الآبار في اليمن أكثر من 11 ألفاً في عام 2019، ورغم أن قانون المياه يشدد على أن الآبار يجب أن تُحفر بعد موافقة الحكومة، إلا أن أغلبها تم حفرها دون طلب موافقات رسمية، خصوصاً في الأعوام الأخيرة.

تجدر الإشارة إلى أنه في الغالب، يتم حفر الآبار بطرق بدائية، وبجهود ذاتية من قبل الأهالي، لكنها تفتقر إلى كافة وسائل السلامة؛ مما يعرض العاملين للخطر بالإضافة إلى أن غالبيتها يتم تركُها من دون حواجز حماية؛ إذ يتم رفع الماء منها يدوياً باستخدام الدلو؛ مما يعرض حياة الكثيرين للخطر.

شارك الموضوع عبر:

الكاتب

    مواضيع مقترحة: