نساء الضالع يتحملن عبئاً يومياً للحصول على الماء

توفير المياه أصبح كابوس يلاحق السكان وتتحمل أعباؤه النساء والأطفال

نساء الضالع يتحملن عبئاً يومياً للحصول على الماء

توفير المياه أصبح كابوس يلاحق السكان وتتحمل أعباؤه النساء والأطفال

على ضوء القمر الباهت، تصطف نساء وفتيات في طابور طويل أمام بئر ضحلة في إحدى قرى العدنة والحيفة وجبل الشامي بمحافظة الضالع، ويتردد صدى صوت أوعية المياه وهي تُنزل إلى العمق، فيما تتناوب الأيادي على رفعها بحذر، وكأن كل لتر ماء هو كنز لا يقدَّر بثمن.

ويواجه سكان الضالع مواجهة الجفاف جعلت من الحصول على الماء مهمة شاقة ومعركة يومية تتحملها النساء بصمت وصمود، فيما تتزايد آثار التغير المناخي وتثقل كاهل المجتمع بأعباء لا ترحم، فالأمطار لم تعد كما كانت، والجداول الصغيرة جفت، تاركة خلفها تشققات قاسية في الأرض ووجوهاً أنهكها التعب.

ترسم عفراء أحمد، شابة في العشرينيات، بكلماتها صورة قاسية لحياة النساء في القرى التي ينهشها الجفاف قائلةً: “نحن نساء جبل الشامي والحيفة والعدنة لا نعرف طعم النوم، نقضي أكثر ليلنا أمام بئر المياه”.


      مواضيع مقترحة

مشقة وعناء

تقول عفراء لـ”منصة ريف اليمن”: “بالكاد نغمض أعيننا لساعات محدودة في الليل، ثم نستيقظ في ظلام دامس ونسير إلى الآبار في الشعاب البعيدة ، نحمل معنا الأوعية الكبيرة (أوعية الماء) ونسابق الوقت قبل أن يشتد الزحام. وتضيف:” أحياناً نمكث لساعات بانتظار الماء ثم نملأها ونعود إلى بيوتنا قبل صلاة الفجر، نصلي، ولا نكاد نلتقط أنفاسنا حتى نمضي في رحلة شاقة أخرى”.

مدير مكتب الإعلام بمحافظة الضالع عبدالكريم قاسم أكد أن المحافظة بكافة مديرياتها، وخصوصًا المديريات الجبلية مثل جباح والأزارق، تعاني من شح المياه بسبب غياب المشاريع الاستراتيجية كالآبار العميقة والحواجز المائية والسدود.

وأوضح قاسم لـ “منصة ريف اليمن” أن مصادر المياه الحالية تقتصر على آبار سطحية لا تكفي لتغطية احتياجات السكان على مدار العام، هناك تهديدًا مناخيًا ينذر بنضوب الأحواض المائية وتراجع منسوبها، الأمر الذي قد يخلق أزمة مائية في المستقبل.

الضالع .. نساء الريف بين العطش والتغير المناخي
تواجه النساء الريفيات في قرى العدنة، والحيفة، وجبل الشامي بمحافظة الضالع معاناة يومية قاسية (ريف اليمن)

وأشار إلى أن السلطة المحلية تفتقر إلى الإيرادات نتيجة غياب البنية التحتية، لكنها رغم ذلك تعمل وفق الإمكانيات المتاحة على إيجاد معالجات بالحد الأدنى، من خلال إقامة سدود صغيرة وتشجيع بناء خزانات فردية بالتعاون مع الجهات والمنظمات الدولية المانحة.

تراجع هطول الأمطار 

المُسن محمد علي الذي ينحدر من مديرية الأزارق: يقول: “قبل أكثر من عشرين سنة لم تكن الأزارق تعاني الجفاف إلا نادرًا، وكنا نحفظ مياه الأمطار في البرك والسدود والخزانات الصخرية، ونصون الآبار السطحية، فَتُغطي حاجتنا طوال فترة انقطاع الأمطار”.

لكن الحياة اليوم تغيرت وفق حديث علي لـ “منصة ريف اليمن”، فإن الأمطار نادرة والآبار جفت، والحلول القديمة لم تعد مجدية نحن بحاجة الآن إلى حواجز مائية كبيرة وحفر آبار ارتوازية لمواجهة الطلب المتزايد على الماء”.


دفعت مشكلة شح المياه في محافظة الضالع النساء إلى تحمل العبء الأكبر في مواجهة الأزمة، إذ تحولت حياتهن إلى رحلة بحث يومي عن المياه


ويؤكد الدكتور فضل المحرابي أحد سكان قرية قفلة المحراب في الضالع أن أهالي المنطقة كانوا يعتمدون سابقًا على حفر الآبار وحفظ مياه الأمطار في البرك والخزانات، بالإضافة إلى إقامة المدرجات الزراعية لحماية التربة.

وأوضح لـ” منصة ريف اليمن”: “هذه الحلول كانت فعّالة في الماضي، لكن مع قلة الأمطار وارتفاع عدد السكان وانخفاض منسوب المياه، لم تعد كافية، مما يستدعي البحث عن حلول جديدة مثل حفر آبار ارتوازية وبناء حواجز مائية أكبر لضمان تلبية الحاجة المتزايدة للماء”.

أما الصحافي بسام القاضي فأكد أن “السكان يعانون من نقص حاد في مياه الشرب، حيث تجف الآبار والينابيع بسبب قلة الأمطار، مما يجبرهم على البحث عن مصادر بديلة غالبًا ما تكون غير نظيفة، أو شراء المياه بأسعار باهظة”.

وأضاف القاضي لـ”منصة ريف اليمن”: “شح المياه يدفع العديد من السكان إلى الهجرة القسرية بحثًا عن الماء وسبل العيش، النساء والفتيات هن الأكثر تضررًا، حيث تقع عليهنّْ مسؤولية جلب المياه، مما يعرضهن لمخاطر صحية ويدفعهن إلى التسرب من المدارس والزواج المبكر”.

آثار صحية واجتماعية

في ظل تفاقم أزمة المياه، تواجه النساء صعوبات جمة في الحصول على المياه الصالحة للشرب، مما يضطرهنّ لجلب مياه ملوثة من الآبار السطحية، ينعكس هذا الوضع سلبًا على صحة السكان، و يعرضهم لأمراض خطيرة مثل الكوليرا.

وفقًا للدكتور مجيد الضحياني، اختصاصي المسالك البولية، فإن المياه الملوثة التي تحتوي على بكتيريا وفيروسات وطفيليات ومواد كيميائية ضارة تُعدّ مصدرًا لأمراض خطيرة، أبرزها: الإسهال الحاد، الكوليرا، التيفوئيد، التسمم بالمعادن الثقيلة، وأمراض الكبد الفيروسي، إضافة إلى مشاكل جلدية وعينية عند استخدامها في النظافة الشخصية.

ويؤكد الدكتور الضحياني لـ”منصة ريف اليمن” أن تداعيات المياه الملوثة لا تقتصر على الجهاز الهضمي فحسب، بل تمتد لتشمل مشاكل في الكلى، قد تتسبب في تكوّن الحصوات وتؤدي في بعض الحالات إلى الفشل الكلوي المزمن. وتابع: يفاقم شح المياه من المخاطر الصحية على الأطفال، حيث يسبب لهم الجفاف، وسوء التغذية، وضعف المناعة، إلى جانب مشاكل في النمو الجسدي والعقلي.

يرى الباحث الاجتماعي الدكتور صلاح الحقب أن سكان محافظة الضالع يعانون من آثار اجتماعية جسيمة نتيجة الجفاف ونقص المياه، تضطر النساء والفتيات لجلب المياه لمسافات طويلة، مما يزيد من إرهاقهن ويحد من فرص التعليم والعمل.

وفي حديثه لـ”منصة ريف اليمن”، أوضح الحقب أن هذه الأوضاع تفاقم من سوء التغذية وتزيد من الضغوط النفسية على الأسر، مما يجعل الجفاف أزمة متعددة الأبعاد تهدد استقرار المجتمع.


أدى شح المياه في القرى الريفية بمحافظة الضالع إلى تفشي أمراض مثل الكوليرا، وذلك بسبب استخدام السكان للمياه الملوثة


حلول مقترحة

لمواجهة أزمة الجفاف في القرى الريفية بمحافظة الضالع، يمكن التركيز على حلول قصيرة وطويلة الأمد على المستوى المحلي. يمكن حفر آبار أعمق وتجهيز خزانات لتخزين مياه الأمطار.

على المستويين الحكومي والمجتمعي، تحتاج القرى الريفية في الضالع إلى برامج للتوعية بأهمية ترشيد استهلاك المياه، واستثمارات في البنية التحتية للمياه والطاقة المتجددة لضمان استدامة الموارد المائية والحد من آثار التغير المناخي.

وعن دور الحكومة أوضح قاسم بأن قيادة المحافظة وضعت خططًا ومعالجات لمواجهة التغيرات المناخية وأزمة المياه، من أبرزها إيقاف الحفر الجائر والعشوائي للآبار، والالتزام بالأسس والمعايير والشروط المعتمدة من قبل وزارة المياه والبيئة والهيئة العامة للموارد المائية، لافتا أنه تم إعداد مصفوفة من المشاريع الاستراتيجية في قطاع المياه، تشمل إنشاء السدود والخزانات والحواجز المائية، إلى جانب الاستفادة من مياه الأمطار الموسمية وغيرها من المصادر المتاحة”.

شارك الموضوع عبر:

الكاتب

    مواضيع مقترحة: