ما علاقة أزمة المناخ وارتفاع الحرارة بالفيضانات الكارثية؟

التغيرات المناخية تسببت بإرتفاع درجة المحيطات ثلاثة أضعاف

ما علاقة أزمة المناخ وارتفاع الحرارة بالفيضانات الكارثية؟

التغيرات المناخية تسببت بإرتفاع درجة المحيطات ثلاثة أضعاف

شهدت اليمن وعدد من البلدان العربية فيضانات كارثية خلال السنوات الماضية فاقت المعتاد، وخلفت أضرارا جسيمة تفاوتت مستوياتها بناء على إمكانيات الاستجابة الحكومية، لكن ماهي العلاقة المشتركة بين هذه الفيضانات وموجات الحرارة الشديدة وأزمة التغير المناخي في العالم؟

كشفت أبحاث عن ارتباط وثيق لكارثة الفيضانات بعواقب التغيرات المناخية التي سببها البشر على هذا الكوكب، فقد توصلت دراسة بريطانية مؤخراً إلى أن أزمة المناخ أدت إلى ارتفاع موجات الحرارة  في المحيطات ثلاثة أضعاف؛ مما أدى إلى زيادة الأعاصير المميتة وتدمير النظم البيئية الحيوية مثل غابات عشب البحر والشعاب المرجانية.

ويتعرض نحو 50% من سكان اليمن لخطر مناخي كبير واحد على الأقل، مثل الارتفاع الشديد في درجة الحرارة، أو موجات الجفاف أو الفيضانات، وفق تقرير البنك الدولي، الذي حذر من عواقب هذه الأخطار على المجتمعات المحلية المهمشة بصورة خاصة، الأمر الذي يضاعف انعدام الأمن الغذائي ويوسع دائرة الفقر.


    مواضيع ذات صلة


الفيضانات في اليمن وليبيا

تشير إحصائيات دولية حديثة، إلى أن الأمطار الغزيرة والفيضانات التي شهدتها اليمن خلال الفترة السابقة ألحقت أضراراً مباشرة بأكثر من 420 ألف شخص، ودمّرت آلاف المنازل والملاجئ المؤقتة للنازحين والبنية التحتية.

ووفق الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب والهلال الأحمر (IFRC)، في تقرير موجز عن كارثة الفيضانات في اليمن: “تأثرت حوالى 63 ألفاً و195 أسرة تتألف من حوالى 424 ألفاً و123 شخصاً مباشرةً بالأمطار الغزيرة والفيضانات الشديدة التي ضربت 19 محافظة يمنية، خلال الفترة بين إبريل/نيسان وحتى أغسطس/آب 2024”.

أما ليبيا فكانت على موعد مع مأساة أخرى في العام 2023، حينما تسببت الأمطار الغزيرة بفيضانات كارثية أودت بحياة 11 ألف شخص، بالإضافة إلى أضرار مادية جسيمة تعرض لها هذا البلد الذي يقع على ضفاف المتوسط.

آثار الدمار نتيجة الفيضانات التي ضربت مدينة درنة الليبية في سبتمبر 2023 (رويترز)

تجدر الإشارة إلى أن خسارة الأرواح كانت السمة المشتركة في كلتا الحالتين، إلا أنه بدا للوهلة الأولى أن المتسبب الرئيسي لكلا الكارثتين مختلفا. ففي الأولى كانت المأساة من صنع الإنسان بوضوح، أي بفعل الصراع والحرب، في حين عزا الكثيرون كارثة الفيضانات إلى الطبيعة كما هو الحال في الغالب.

تأثير متفاوت لفيضانات العالم العربي

خلال الفيضانات التي شهدتها بعض الدول العربية بدا جلياً أن البنية التحتية المتطورة في دول مثل عمان والإمارات، قد حالت دون تعاظم الخسائر البشرية وتفاقم الأضرار المادية الناجمة عن تلك الفيضانات، لكن برزت التغيرات المناخية كعامل مشترك بين جميع البلدان العربية.

ولعل القاسم المشترك الذي يجمع بين اليمن وليبيا، هو مضاعفة الحرب والصراع للتحديات المرتبطة بخطر الفيضانات، نظرا لضعف البنية التحتية، وتدهور السدود والحواجز المائية، وغياب الاستجابة الحكومية الفاعلة بفعل استمرار الحرب والصراع، ومع ذلك ربما تحسن الوضع كثيرا في ليبيا مع تحول البلاد نحو مزيد من الاستقرار.

أما في اليمن، فإن المخاطر جمة ومرشحة للاستمرار؛ حيث تزيد فرص انهيار السدود تحت وطأة الأمطار الغزيرة التي شهدتها البلاد في الآونة الأخيرة وخصوصاً في المناطق الساحلية.

فعلى سبيل المثال؛ تسبب هطول الأمطار الغزيرة آب/أغسطس 2024 في حدوث فيضانات شديدة في جميع أنحاء محافظة الحديدة؛ مما أدى إلى وفاة وفقدان العشرات، إضافة لأضرار جسيمة في القرى في جميع أنحاء المحافظة، في حين أن هنالك قرى اجتاحتها الفيضانات بالكامل، بحسب منظمة الصحة العالمية.

الإنسان وتغيرات المناخ

ثبت مؤخراً أن هنالك علاقة كبيرة -وإن بدت خفية أو بصورة غير مباشرة- للإنسان في تلك الفيضانات؛ إذ تكشف أبحاث حديثة عن ارتباط وثيق لكارثة فيضانات ليبيا على وجه الخصوص بعواقب التغيرات المناخية التي سببها البشر على هذا الكوكب.

تشير دراسة نشرتها صحيفة الغارديان البريطانية، إلى أن أزمة المناخ أدت إلى تفاقم ارتفاع موجات الحر في المحيطات، مما أدى إلى زيادة الأعاصير البحرية المميتة، وتدمير النظم البيئية الحيوية؛ مثل غابات عشب البحر والشعاب المرجانية.

وبحسب الدراسة، فإن نصف موجات الحر البحرية منذ عام 2000 ما كانت لتقع لولا الاحتباس الحراري العالمي، الناتج عن حرق الوقود الأحفوري. كما لم تقتصر موجات الحر على ازدياد تواترها فحسب، بل ازدادت شدتها أيضاً؛ إذ ارتفعت درجة الحرارة بمقدار درجة مئوية واحدة في المتوسط، لكنها زادت بشكل ملحوظ في بعض المناطق، وفقًا للعلماء.

ويُعدّ هذا البحث أول تقييم شامل لتأثير أزمة المناخ على موجات الحر في محيطات العالم، ويكشف عن تغييرات جذرية، كما أن المحيطات الأكثر حرارة تمتص كميات أقل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي تُسبب ارتفاع درجات الحرارة.

وقالت الدكتورة مارتا ماركوس، من معهد البحر المتوسط ​​للدراسات المتقدمة في مايوركا بإسبانيا، التي قادت فريق الدراسة: “هنا في البحر الأبيض المتوسط، نشهد موجات حر بحرية تزيد درجة حرارتها بخمس درجات مئوية، ويصبح الأمر مروعًا عند السباحة، يبدو الماء كالحساء”.

خلال السنوات الماضية تأثرت كثير من المناطق الزراعية في اليمن بسبب الفيضانات

وبالإضافة إلى تدمير النظم البيئية تحت الماء، مثل مروج الأعشاب البحرية، قالت ماركوس: “توفر المحيطات الدافئة المزيد من الطاقة للأعاصير القوية التي تؤثر على الناس في المناطق الساحلية: الساحل وفي الداخل”. من الأمثلة الكارثية لذلك -وفق الدراسة- هطول الأمطار الغزيرة التي تسببت في فيضانات كارثية في ليبيا عام 2023.

وزاد احتمال حدوث الأعاصير البحرية القوية، بما يصل إلى 50 ضعفًا بسبب الاحتباس الحراري، الذي رفع درجات الحرارة في البحر الأبيض المتوسط ​​بما يصل إلى 5.5 درجة مئوية، وقد أدى ذلك إلى زيادة بخار الماء، وبالتالي إلى زيادة هطول الأمطار.

وترى الباحثة ماركوس أن “الحل الوحيد هو الحد من حرق الوقود الأحفوري”، وأضافت: “أكثر من 90% من الحرارة الزائدة [الناجمة عن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري] تُخزَّن في المحيط، إذا توقفنا عن تسخين الغلاف الجوي، سنتوقف عن تسخين المحيط”.

وتشمل موجات الحر البحرية الكبرى الأخيرة موجةً طويلةً للغاية في المحيط الهادئ بين عامي 2014 و2015، تسببت في نفوق أعداد كبيرة من الكائنات البحرية. كما ضربت حرارة شديدة بحر تسمان بين عامي 2015 و2016، وسجلت درجات حرارة قياسية في مياه البحر حول المملكة المتحدة وفي البحر الأبيض المتوسط ​​عام 2023.

وكان العلماء قد حذروا عام 2019 من تزايد موجات الحر في المحيطات بشكل حاد؛ مما أدى إلى نفوق أعداد كبيرة من الكائنات البحرية، كما لو كانت “حرائق غابات تجتاح مساحات شاسعة من الغابات”.

وقالت الدكتورة زوي جاكوبس، من المركز الوطني لعلوم المحيطات في المملكة المتحدة، والتي لم تكن جزءًا من فريق الدراسة: “تُشكل موجات الحرّ المحيطية مخاطر جسيمة على المجتمع؛ حيث تُسبب بعض الأحداث الفردية خسائر بملايين الدولارات نتيجةً لتأثيراتها على قطاعات الصيد وتربية الأحياء المائية والسياحة. كما وُجد أنها تُفاقم موجات الحرّ على اليابسة، وتُفاقم الظواهر الجوية المتطرفة مثل الأعاصير والعواصف”.

الدراسة المنشورة في وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم، وضعت نموذجًا لدرجات حرارة سطح البحر منذ عام 1940 خفف من أثر ارتفاع درجة الحرارة الناجم عن أزمة المناخ. ثم قارنوا ذلك بقياسات فعلية من المحيطات لإظهار كيف أدى الاحتباس الحراري العالمي إلى ارتفاع درجات الحرارة. وركزوا على موجات الحر الصيفية، لأنها تصل إلى أعلى درجات الحرارة، وبالتالي فهي الأكثر ضررًا.

حماية البيئة البحرية

وكشف تحليل بيانات الدراسة البريطانية، عن وجود حوالي 15 يومًا من الحرارة الشديدة سنويًا على سطح المحيط في أربعينيات القرن الماضي، لكن هذا الرقم قفز إلى متوسط ​​عالمي يقارب 50 يومًا سنويًا. تشهد بعض المناطق، بما في ذلك المحيط الهندي والمحيط الأطلسي الاستوائي وغرب المحيط الهادئ، 80 يومًا من موجات الحر سنويًا، أي يوم واحد من كل خمسة أيام.

وبحسب الدراسة ، فالبحار في المناطق الاستوائية دافئة بالفعل، لذا فإن الحرارة الزائدة تميل إلى إطالة مدة موجات الحر، وفي البحار الباردة، يمكن للحرارة الزائدة أيضًا أن تزيد من شدتها، كما هو الحال في البحر الأبيض المتوسط ​​وبحر الشمال.

وقال الدكتور شيانغبو فنغ من جامعة ريدينغ، والذي شارك في فريق الدراسة: “مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة العالمية، ستصبح موجات الحر البحرية أكثر شيوعًا وشدة. حيث تُحدث الأنشطة البشرية تغييرًا جذريًا في محيطاتنا. لذا، لا بد من اتخاذ إجراءات مناخية عاجلة لحماية البيئات البحرية”.

وبالمقارنة بما يحدث في اليمن؛ فإن مناطق شرقي اليمن المتصلة سواحلها في المحيط الهندي وبحر العرب، تتعرض لأعاصير بحرية سنوياً وتضرب سواحل محافظات حضرموت وأرخبيل سقطرى والمهرة، وتعد من أكثر المناطق الساحلية عرضة لموجات العواصف البحرية، التي في عادة تكون مصحوبة بأمطار غزيرة ورياح شديدة.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: