في محاولة لإيقاف انجراف التربة الزراعية بسبب سيول الأمطار، اتجه العديد من المزارعين في مديرية بني سعد بمحافظة المحويت، نحو زراعة نبات القصب على أطراف الحقول وفي المناطق الرطبة والوديان لتقليل فقدان التربة الخصبة وتعزيز من ثبات الأرض الزراعية.
والقصب نبات ينمو بكثافة ويتميز بسيقانه الطويلة والمتينة التي تشكل حاجزاً طبيعياً يمنع تدفق المياه بسرعة كبيرة عبر الأراضي الزراعية خلال موسم الأمطار، ويعمل كشبكة مرنة تمتص وتبطئ من سرعة تدفق المياه مما يحد من انجراف التربة.
ويؤكد المزارع ناجي أحمد (77 عامًا)، وهو من أوائل من تبنوا زراعة القصب أنه قبل زراعتها كان يخسر طبقات من أرضيه كل موسم، ويقول:” منذ أن بدأت بزراعة القصب قبل خمس سنوات، صارت أراضي أكثر تماسكا، واستفادت منه كعلف للماشية وأبيع الفائض في السوق المحلي”.
مواضيع مقترحة
-
مصدات الرياح في الأراضي الزراعية
-
التُربة الزراعية.. مصدر غذاء اليمنيين بمواجهة الخطر
-
تأثير الفيضانات على الزراعة
حماية التربة
ويضيف:” كنت ألاحظ كل موسم كيف تفقد الأراضي الكثير من التربة بسبب السيول التي تتدفق من وادي سارع أو سردد وكيف كانت تقلل من محصولي لكن منذ أن بدأت أزرع القصب على أطراف الحقل لاحظت تحسناً كبيراً في تماسك الأرض وتقليل انجراف التربة”. ويشير إلى أن زراعة القصب لم تتطلب منه نفقات كبيرة حيث يعتمد على أشواك وأعواد القصب المنتشرة برفق في حواشي الحقول ليعمل كحاجز.
أما المزارع علي الراشدي (50 عاماً) بدوره يقول:” قمت بزراعة القصب قبل ثلاث سنوات على حدود مزرعتي وكانت النتيجة ممتازة حيث لفت انتباهي أن جذوره تمسك التربة بقوة والسيقان الطويلة تحجب الرياح القوية عن المحاصيل”.
ويضيف لمنصة ريف اليمن: ” بالإضافة الى وظيفة في حماية التربة، فهو أيضا يجذب الطيور والنحل وهذا ساعد في زيادة التلقيح للمحاصيل الأخرى، لافتا أن القصب نبات يتميز بتحمل الجفاف ويناسب المناخ الحار”.
فوائد القصب لا تقتصر على الحماية من السيول، بل يحمل مجموعة من الفوائد البيئية المهمة التي تنعكس على صحة الأرض والمجتمع ويساعد في تحسين جودة التربة
رأي الخبراء
المهندس الزراعي علي المقطري يوضح أن القصب “حاجز طبيعي يحمي التربة من الانجراف، وأحد الحلول البسيطة والفعالة مقارنة بالأساليب المكلفة لحماية الأراضي”.
ويضيف لمنصة ريف اليمن أن”: القصب يعزز من ثبات الأرض الزراعية وهذا ينعكس إيجابياً على إنتاجية المحاصيل وعلى الرغم من بساطة هذا الحل إلا أن زراعة القصب ونشره في المناطق المعرضة للسيول يعتبر من الطرق الفعالة اقتصادياً وبيئياً مقارنة بأساليب الحماية المكلفة”.
بينما يشير الخبير البيئي الدكتور طارق حسان إلى أن فوائد القصب لا تقتصر على الحماية من السيول، بل يحمل مجموعة من الفوائد البيئية المهمة التي تنعكس على صحة الأرض والمجتمع ويساعد في تحسين جودة التربة عن طريق منع انجراف الطبقات العلوية التي تحتوي على المواد العضوية والمواد المغذية الضرورية لنمو المحاصيل”.
كما يساهم في تحسين التنوع البيولوجي في المناطق الزراعية حيث يشكل موطناً طبيعياً للعديد من الطيور والحشرات النافعة لافتا أن تشجيع زراعة القصب يمكن أن يشكل ركيزة أساسية في تبني أنظمة الزراعة المستدامة التي تحترم الطبيعة وتقلل من استخدام الأساليب المدمرة.
مورد اقتصادي
لا تقتصر قيمة القصب على كونه حارساً طبيعياً لأطراف الحقول، ودرعاً واقياً يحمي الأرض فهو أيضا يشكل مورداً اقتصادياً متجدداً يعزز دخل الأسر الريفية من خلال استخدامه في صناعة الأعلاف ومواد البناء التقليدية المعروفة محلياً بـ”العُشش”. وتعتبر صناعة العُشش من استخدامات القصب التقليدية التي حافظ عليها السكان المحليون عبر الأجيال حيث توفر بيوتاً مؤقتة بسيطة تحمي من حرارة الشمس وتوفر تهوية جيدة.
لا تقتصر قيمة القصب على كونه حارساً طبيعياً لأطراف الحقول، ودرعاً واقياً يحمي الأرض فهو أيضا يشكل مورداً اقتصادياً متجدداً يعزز دخل الأسر الريفية
ويقول المزارع نبيل الجليحي 54 عاماً :”نبيع القصب بعد حصاده في الأسواق المحلية حيث يستخدمه الناس في بناء العُشش خاصة في فصل الصيف لما له من خصائص عزل حرارية جيدة”.ويضيف:” بيع القصب يساعدني على زيادة دخلي خصوصاً في الفترات التي لا يكون فيها نشاط زراعي”. كما يُستخدم القصب في صناعات محلية مثل الحصير، السلال، الأسمدة العضوية، الورق، وحتى صناعة آلة “الناي” الموسيقية.
تجارب عالمية وتحديات
رغم مزاياه، يشير مسؤول مكتب الزراعة في المحويت أحمد السعدي إلى أن “ضعف الوعي بأهمية القصب وغياب الدعم المؤسسي يشكلان تحديًا رئيسيًا”، مؤكدًا الحاجة إلى سياسات تشجع المزارعين على تبنيه وحمايته وربطه بحلول هندسية وممارسات زراعية مستدامة حتى يصبح أكثر فعالية.
الباحث في الزراعة المستدامة الدكتور عبد الله عمر قال إن القصب من النباتات التي تظهر فاعلية عالية في تقليل انجراف التربة وتحسين بنية التربة، مستشهدا بأن دراسات في الهند وإثيوبيا أثبتت أن زرع القصب على حواف الأراضي يعزز من مقاومة السيول ويحسن من إنتاجية الأراضي الزراعية
كما أن هناك العديد من الدول تستخدم القصب العملاق منها مصر على ضفاف نهر النيل وأثيوبيا والسودان وليس اليمن فقط مما يبرهن أهميته في الترميم البيئي والحفاظ على الأراضي الزراعية، كما يستخدم القصب العملاق في الولايات المتحدة (كاليفورنيا وتكساس) في مشاريع استعادة الأنهار وحماية ضفافها من التآكل.
ويشدد المهندس الزراعي عارف ناصر خلال حديثه لمنصة ريف اليمن، على أهمية دمج القصب مع تقنيات حديثة مثل حصاد مياه الأمطار كونه يشكل منظومة متكاملة تحافظ على البيئة الزراعية في ظل التغيرات المناخية.
مؤكدا أن استخدام القصب في أطراف الحقول ينسجم مع مبادئ الزراعة المستدامة حيث يقلل من فقدان المياه ويحافظ على التربة ويوفر موارد طبيعية منخفضة التكلفة للاستفادة منها وهذا يعزز استدامة الأراضي الزراعية.