كيف تهدد جزيئات البلاستيك الصغيرة الأمن الغذائي؟

كشف دراسة حديثة ان قطع البلاستيك الصغيرة تعيق نمو النباتات حول العالم

كيف تهدد جزيئات البلاستيك الصغيرة الأمن الغذائي؟

كشف دراسة حديثة ان قطع البلاستيك الصغيرة تعيق نمو النباتات حول العالم

تؤثر المواد البلاستيكية الصغيرة على إنتاجية المحاصيل التي يعتمد عليها البشر، أبرزها القمح، والذرة، والأرز وغيرها من المحاصيل الزراعية؛ مما يجعلها مهدِّدةً للأمن الغذائي وفق دراسة جديدة.

وتطفو جزيئات البلاستيك الدقيقة في الهواء من حولنا، وتتدفق عبر الأنهار والجداول، وتتوغل عميقًا في التربة، وتعيق نمو النباتات، وفق تقرير عن الدراسة نشرته صحيفة واشنطن بوست.

ووجدت دراسة نُشرت مؤخراً في دورية “الأكاديمية الأمريكية للعلوم” أن جزيئات البلاستيك الدقيقة قد تُخفّض معدلات التمثيل الضوئي عالميًا؛ حيث قدّر العلماء أن الجزيئات البلاستيكية الدقيقة مسؤولة عن انخفاض التمثيل الضوئي بنسبة تتراوح بين 7% و12% عالميًا في النباتات والطحالب.

انخفاض التمثيل الضوئي

حذّر الباحثون من أن هذا الانخفاض في التمثيل الضوئي قد يؤثر أيضًا على المحاصيل واسعة النطاق التي يعتمد عليها البشر، مثل القمح والذرة والأرز.

وقالت ماري بيث كيركهام، أستاذة الزراعة في جامعة ولاية كانساس: “إنه أمر مثير للقلق أن المواد البلاستيكية الدقيقة لها هذا التأثير الدراماتيكي على المحاصيل والإنتاجية”.

هذا ولا يزال العلماء يعملون على فهم كيفية تأثير الجسيمات البلاستيكية الدقيقة -وهي قطع بلاستيكية يقل حجمها عن 5 ملليمترات، أو بحجم ممحاة قلم رصاص تقريبًا- على النظم البيئية حول العالم. ومع ذلك، يقول الباحثون إن هذه القطع الصغيرة قد تجد طريقها إلى المحاصيل والأراضي الزراعية.

تجدر الإشارة إلى العثور على قطع بلاستيكية دقيقة في معظم المنتجات الغذائية، من البرجر إلى المأكولات البحرية، وقدّرت إحدى الدراسات أنه في أوروبا وحدها، من المرجح أن يُلوّث ما بين 63,000 و430,000 طن من البلاستيك الأراضي الزراعية من خلال رواسب الصرف الصحي المستخدمة في الأسمدة.

جزيئات البلاستيك تعيق نمو النباتات

وفي ورقة بحثية جديدة، أنشأ علماء من جامعة “نانجينغ” في الصين وباحثون آخرون حول العالم قاعدة بيانات لاستجابات النباتات للبلاستيك الدقيق من 157 دراسة. وجدت هذه الدراسات انخفاضًا “قويًا ومستمرًا” في إجمالي محتوى الكلوروفيل وفي الكلوروفيل وكلاهما مؤشران لعملية التمثيل الضوئي.

تم استخدام النمذجة والتعلم الآلي لاستقراء هذه النتائج على المحاصيل حول العالم. وقدّر العلماء أن البلاستيك الدقيق يُكلّف العالم حوالي 60 مليون طن من الأرز، و76 مليون طن من القمح، و109 ملايين طن من الذرة سنويًا، أي ما يُعادل حوالي 9.6% من غلة المحاصيل العالمية.

مع ذلك، يُحذّر مؤلفو البحث من أن هذه التقديرات أولية. وقد صرح باوشان شينغ، أستاذ الزراعة بجامعة ماساتشوستس قائلا: “لا داعي للقلق المبالغ فيه حاليًا”. وأشار إلى أن البحث الحالي يعتمد بشكل كبير على نتائج التجارب المعملية، وليس على الدراسات الميدانية.

وقال ويلي بينينبورغ، أستاذ علم السموم البيئية بجامعة لايدن في هولندا، إن معظم التجارب المعملية تستخدم جزيئات بلاستيكية كروية صغيرة، ولكن في الواقع، قد تأتي هذه الجزيئات بأشكال وأحجام متعددة. وأضاف: “في البيئة الحقيقية، يتأثر البلاستيك بالعوامل الجوية، وهذا بدوره يؤثر على سمية الجزيئات”.

وقالت كيمبرلي وايز وايت، نائبة رئيس الشؤون العلمية والتنظيمية في المجلس الأمريكي للكيمياء، في بيان إن مصنِّعي البلاستيك يدعمون إجراء أبحاث إضافية حول “ما إذا كانت المواد البلاستيكية الدقيقة تؤثر على صحة الإنسان والبيئة”، لكن منهجية الدراسة الجديدة “تحتوي على فجوات كبيرة لا تدعم استنتاجات المؤلفين”.

وأضافت: “الأهم من ذلك، أن المؤلفين لم يستخدموا معايير منشورة لتقييم دراسات البلاستيك الدقيق الأساسية المستخدمة في أبحاثهم”، مشيرةً إلى أنه بدون هذه العناصر، تكون استنتاجاتهم غير مناسبة.

وشهدت غلة المحاصيل ارتفاعًا ملحوظًا لسنوات عديدة. فعلى سبيل المثال، زادت غلة الذرة بنسبة 47% بين عامي 1981 و2010، وزادت غلة فول الصويا بنفس النسبة تقريبًا. وإذا كانت الجسيمات البلاستيكية الدقيقة تتداخل مع عملية التمثيل الضوئي للمحاصيل الرئيسية، فهذا يعني أن هذه الغلة ربما كانت ستكون أعلى في عالم خالٍ من الجسيمات البلاستيكية الدقيقة في التربة والماء والهواء.

وقالت كيركهام إنه على الرغم من أن النتائج مثيرة للقلق، إلا أنه من السابق لأوانه تقدير مدى تأثير الجسيمات البلاستيكية الدقيقة على المحاصيل العالمية.

وأضافت: “أحيانًا، أُجريت التجارب على أوراق النباتات وأجزاء منها، ولم نقم بقياس عملية التمثيل الضوئي في بيئة طبيعية”. وتابعت: “نحتاج إلى دراسة هذه التجارب بدقة، لنرى كيف أُجريت”.

ولفتت إلى أن الاختلافات في التربة وبين نوعين من التمثيل الضوئي – C3 و C4 – يمكن أن تؤثر أيضًا على كيفية استجابة النباتات للبلاستيك الدقيق.

النباتات وامتصاص المعادن السامة

وقد أظهرت دراساتٌ أُجريت على نطاقٍ ضيق أن النباتات تتغير عند تعرضها لقطع البلاستيك الصغيرة. ففي إحدى دراسات كيركهام، قارنت بين نباتات القمح المعرضة للكادميوم -وهو معدن ثقيل سام- وتلك المعرضة لكلٍّ من الكادميوم والبلاستيك الدقيق.

وقد امتصت النباتات المعرضة للبلاستيك الدقيق كميةً من الكادميوم تعادل ضعف ونصف كمية تلك غير المعرضة، مما يشير إلى أن البلاستيك الدقيق ربما كان يمتص الكادميوم وينقله إلى القمح. وقال إن “البلاستيك الدقيق هو ما نسميه ناقلات في التربة؛ حيث يرتبط الكادميوم بالبلاستيك الدقيق”.

وقد أظهرت أبحاث أخرى أن التعرض لقطع بلاستيكية دقيقة للغاية، أو ما يُعرف بـ”البلاستيك النانوي”، يُثبط نمو نوع من نباتات الخردل. ويمكن أن تؤثر هذه المواد البلاستيكية على كيفية امتصاص النباتات للمغذيات والماء من التربة، وكيفية امتصاصها لثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي.

وقال شينغ إنه على الرغم من أن بعض الدراسات تُظهر نتائج متباينة، إلا أن البحث وجد صلة واضحة. وأضاف: “لقد حددنا اتجاهًا ثابتًا في التجارب المصممة بدقة”، مضيفًا أن العلماء بحاجة إلى إجراء المزيد من الأبحاث حول كيفية تأثير البلاستيك الدقيق على النباتات.

وتقول كيركهام: “يُقال إن كل هذه المواد البلاستيكية الدقيقة هي مجرد مواد عضوية غير ضارة، لكننا لا نعرف ذلك”.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: