كيف تتأثر اليمن بزيادة مستوى سطح البحر العالمي؟

شهدت عدن والساحل الغربي خلال الأيام الماضية إرتفاع لمنسوب مياه البحر

كيف تتأثر اليمن بزيادة مستوى سطح البحر العالمي؟

شهدت عدن والساحل الغربي خلال الأيام الماضية إرتفاع لمنسوب مياه البحر

بلغت المحيطات العام الماضي أعلى مستوياتها منذ ثلاثة عقود، مع ارتفاع معدل مستوى سطح البحر العالمي بنحو 35% وهو أعلى من المتوقع، وفقًا لتحليل أجرته وكالة ناسا. وهذا يجعل اليمن من ضمن الدول التي قد تتأثر بذلك، ويبرز ذلك في ارتفاع منسوب المياه في السواحل خلال الأيام الماضية.

وبحسب صحيفة واشنطن بوست «Washington Post» الأمريكية، يُثير هذا الارتفاع غير المتوقع في المستويات العالمية القلق، لا سيما كمؤشر على ما يمكن توقُّعه حول المدن الساحلية، التي يشهد الكثير منها بالفعل فيضانات أكثر تدميرًا.

ورأى جوش ويليس، الباحث بمستوى سطح البحر في مختبر الدفع النفاث التابع لوكالة ناسا أنه “نظرًا لأن المحيطات تغطي أكثر من ثلثي الكوكب؛ فإن ارتفاع مستوى سطح البحر العالمي يعد مقياسًا مهمًا للمناخ العام للأرض”.

البحر في اليمن

تمتد اليمن على شريط ساحلي طويل في البحر الأحمر والبحر العربي وخليج عدن، وتوجد عشرات الجزر اليمنية، ويزيد طول الشريط الساحلي اليمني بحسب خارطة الثروة السمكية عن 2000 كم.

كما تمتلك اليمن 182 جزيرة أهمها تقع في أرخبيل سقطرى في البحر العربي، وجزيرة كمران وزقر وحنيش الكبرى وحنيش الصغرى في البحر الأحمر، وفق المركز الوطني للمعلومات اليمني. وهذا يجعل اليمن عرضة لأخطار ارتفاع منسوب البحر العالمي.

قارب في ساحل مدينة عدن جنوب اليمن، يوليو/ تموز 2024 (نادر هاشم)

وشهد الساحل الغربي اليمني مداً بحرياً غير معتاد، مساء الأحد 30 مارس/ آذار، حيث ارتفع منسوب المد البحري بشكل مفاجئ ليغمر منازل المواطنين في ساحل مركز مديرية “ذو باب” القريبة من مضيق باب المندب جنوب البحر الأحمر.


للمزيد إقر أ.. مد بحري يضرب سواحل “ذو باب” في البحر الأحمر


كما تحدث سكان في عدن (جنوب اليمن) أن منسوب مياه البحر في سواحل عدن ارتفع لأول مرة منذ عقود خلال الأيام الماضية، وارتفعت مياه البحر بمنطقة رأس عمران غربي المدينة ووصلت الى السوق القريب من الساحل، كما شهد ساحل الحسوة ارتفاعا كبيرا؛ حيث وصلت مياه البحر إلى قرب الخط العام.

وحذر مسؤول محلي في الحكومة اليمنية، الثلاثاء 1 إبريل/ نيسان الجاري، من ارتفاع منسوب مياه البحر الأحمر، والتي تمتد من سواحل الحديدة جنوبا حتى عدن، لافتا إلى أنه “يشكل خطرا على السلامة العامة”.

وقال مدير عام البيئة فتحي عطا -في تصريح صحافي- “نتابع عن كثب التغيرات في مستوى المياه، والفِرَق البيئية ترصد تأثيرات ارتفاع المنسوب على البيئة البحرية والمناطق الساحلية”، لافتا إلى أن “الظروف الحالية تستدعي اتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر”.

وأُطلقت تحذيرات للمواطنين والصيادين بتجنب السباحة والصيد في المناطق الساحلية خلال الأيام المقبلة. وحذر مركز الأرصاد في النشرة البحرية الأربعاء، السكان في “السواحل الجنوبية والغربية في المياه الإقليمية اليمنية من شدة الرياح وارتفاع منسوب مياه البحر المصاحب للتيارات التمددية”.

منسوب سطح البحر في عدن

وتوقع التقرير التقييمي الرابع للفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ ارتفاع معدل منسوب سطح البحر على الصعيد العالمي 18-59 سم في نهاية هذا القرن، وفق ورقة بحثية بعنوان “عدن مهددة بارتفاع مستوى سطح البحر” 2019، للباحثة ندى السيد من جامعة عدن.

وعلى الصعيد الإقليمي أظهر الباحثان اونكرشيان وشانكار، واللذان يرصدان الزيادة من خلال محطة رصد شمال المحيط الهندي، في بحث لهما عام 2007، بأن مستوى سطح البحر في عدن يرتفع بحوالي 2 مليمتر/ سنة، وهو ما يشبه مستوى سطح البحر العالمي.

كما أن الباحث وودورث وآخرين قد أشاروا عام 2009 إلى ذات الحقيقة، بأن مستوى سطح البحر في عدن يرتفع بنفس الوتيرة، وهو ما أكدته جميع الدراسات بأن مستوى سطح البحر آخذ في الارتفاع في عدن، وسيستمر في المستقبل، وفق الورقة البحثية.

بالنسبة للمدى الأعلى لارتفاع سطح البحر -وفق الورقة البحثية- من المتوقع أن يكون تآكل السواحل مرتبطاً بزيادة طاقة الأمواج، فقد حددت التوقعات تقلص الشواطئ بنحو 23 متراً على طول الجزء الشرقي من منطقة خور مكسر وحتى منطقة العلم.

وبالنسبة للجزء الغربي فإن الساحل سوف يتقلص من التآكل الذي ستشكله الأمواج إلى حوالي 18 متراً. كما توقعت الدراسة جملة من التأثيرات المباشرة على مجمل المرافق والخدمات والأساسية بدءاً من المياه الصالحة للشرب في تسرب المياه المالحة إليها.

صورة تداولها ناشطون لارتفاع مستوى سطح البحر في عدن، 1 إبريل/ نيسان 2025 (فيسبوك)

ارتفاع مستوى سطح البحر أعلى من المتوقع

وقالت وكالة ناسا في بيان صحفي إن معدل ارتفاع مستوى سطح البحر العالمي في العام الماضي بلغ 0.23 بوصة (0.59 سنتيمتر) سنويا، وهو أعلى من المتوقع وهو 0.17 بوصة (0.43 سنتيمتر) سنويا.

ويتبع معدل ارتفاع مستوى سطح البحر العالمي اتجاهًا تصاعديًا سريعًا على مدار الثلاثين عامًا الماضية؛ فقد أظهرت دراسة أخرى أجرتها وكالة ناسا أن معدل ارتفاع مستوى سطح البحر العالمي تضاعف من عام ١٩٩٣ إلى عام ٢٠٢٣، من ٠.٠٨ بوصة سنويًا إلى ٠.١٨ بوصة. وبشكل عام، ارتفع مستوى سطح البحر العالمي بمقدار ١٠ سنتيمترات (٤ بوصات) منذ عام ١٩٩٣.

ومع توقُّع ارتفاع معدلات الحرارة، قال ويليس إن المعدل “المتوقع” يعتمد على هذا الارتفاع طويل الأمد وسرعة تسارعه. ولكن في أي عام، يلاحظ هو وفريقه ارتفاعًا أو انخفاضًا طفيفًا في درجات الحرارة بسبب الدورات الطبيعية، كما في العام الماضي؛ حيث تسمح هذه الدورات الطبيعية بوصول كميات إضافية من المياه إلى المحيط، أو امتصاص كميات إضافية من الحرارة.

ويتأثر مستوى سطح البحر العالمي بعوامل معينة، ففي السنوات الأخيرة، ساهم ذوبان الصفائح الجليدية والأنهار الجليدية في حوالي ثلثي ارتفاع مستوى سطح البحر. أما الثلث الآخر، فقد نتج عن ارتفاع درجة حرارة المحيطات، وزيادة حجمها.

درجة حرارة المحيطات

كان العام 2024 مختلفًا في ارتفاع حرارة المحيطات؛ مما أدى إلى مزيد من التوسع في مستوى سطح البحر، وفقاً لفريق ناسا.

وقال كريس بيكوتش، عالم المحيطات الفيزيائي في معهد وودز هول لعلوم المحيطات: “هذا ليس مفاجئًا على الإطلاق” مضيفًا أن “ارتفاع درجة حرارة المحيطات وتوسعها غالبًا ما يؤثران على التغيرات السنوية في مستوى سطح البحر العالمي”.

وأكد بيكوتش أن “العامل الرئيسي الذي يحدد ما إذا كان ارتفاع درجة حرارة المحيط أو ذوبان الجليد سيؤدي إلى ارتفاع مستوى سطح البحر العالمي في ذلك العام هو موقع الاحترار”، موضحاً أن “سطح الأرض لا يسخن بشكل موحد أو بنفس المعدل”.

ففي العام الماضي، شهدت أجزاء من شمال المحيط الأطلسي وشمال المحيط الهادئ درجات حرارة أعلى من المتوسط، بينما شهد جنوب شرق جرينلاند وشبه الجزيرة القطبية الجنوبية الغربية درجات حرارة أقل من المتوسط.

وقال بيكوتش، الذي لم يشارك في التحليل، ولكنه عضو في فريق ناسا المعني بتغير مستوى سطح البحر: “ربما لعبت أنماط درجات حرارة السطح هذه دورًا مهمًا، إلى جانب عمليات أخرى”.

ومن المرجح أن عوامل أخرى، مثل اختلاف أوقات استجابة المحيطات والصفائح الجليدية، ساهمت أيضًا في تحديد التوزيع الدقيق بين مساهمات ارتفاع درجة حرارة المحيطات وذوبان الجليد.

وقال: “في حين يؤثر ارتفاع درجة حرارة المحيطات على التغيرات السنوية، فإن ذوبان الجليد الأرضي هو عادة عامل مهيمن في مستوى سطح البحر العالمي على مدى عقود من الزمن”.

وقد فاجأت درجات حرارة المحيطات المرتفعة العلماء في السنوات الأخيرة،؛ فقد ظلت حرارة محيطات العالم في ارتفاع مستمر منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي، لكن المعدلات ارتفعت بشكل كبير إلى مستويات غير مسبوقة خلال العامين الماضيين.

ودفعت موجة غير مسبوقة من حرارة المحيطات منذ عام 2023 بعض العلماء إلى الاعتقاد بأن هذا الجزء من نظام الأرض قد تغير جذريًا بطريقة لا يمكن عكسها على نطاق زمني بشري.

ويمكن أن تُلحِق درجات حرارة المحيطات الدافئة ضررًا بالنظم البيئية البحرية، بما في ذلك زعزعة استقرار الشعاب المرجانية على كوكبنا. كما أنها تُسهم في تفاقم الأعاصير بسرعة، مثل إعصار ميلتون عام 2024، في الولايات المتحدة.

درجات الحرارة العالمية أعلى مستوى

ويأتي ارتفاع حرارة المحيطات الشديد مع وصول درجات الحرارة العالمية على الأرض إلى أعلى مستوياتها المسجلة في عام 2023، ثم مرة أخرى في عام 2024. ففي عام 2024، كانت درجات الحرارة أعلى بنحو 2.3 درجة فهرنهايت من متوسط القرن العشرين.

وقال ويليس إن معدلات ارتفاع مستوى سطح البحر العالمية مهمة، لأنها تُبين لنا إجمالي كمية المياه أو الحرارة المضافة إلى المحيطات. وأضاف أن “معدل الارتفاع العالمي يُخبرنا بما يمكن توقعه في معظم السواحل حول العالم”.

وبينما ترتفع مستويات سطح البحر عالميًا بوتيرة أسرع من المتوقع، تشهد العديد من المدن الساحلية زيادات أكبر على المستوى المحلي. ويتأثر ارتفاع مستوى سطح البحر محليًا بعوامل أخرى، مثل غرق اليابسة، والتيارات المحيطية، واختلاف ارتفاع اليابسة.

وقد أظهر أكثر من 12 مقياسًا للمد والجزر من ولايات أمريكية أن مستوى سطح البحر أعلى بما لا يقل عن 15 بوصة مما كان عليه قبل نحو 15 عامًا؛ ففي بعض هذه المناطق، أصبحت فيضانات الطرق والأراضي أكثر احتمالًا وخطورة.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: