صهيب المياحي – موسى ناجي | ريف اليمن
خلفت السيول التي ضربت مناطق واسعة من محافظتي تعز وإب خلال أواخر أغسطس الماضي، دمارا واسعا في الأراضي الزراعية والبنية التحتية، في كارثة بيئية وإنسانية تهدد حياة آلاف الأسر الريفية التي تعتمد على الزراعة كمصدر رئيسي للدخل.
يكابد سكان مديرية شرعب الرونة بمحافظة تعز أوضاعا مأساوية قاسية، فعقب كارثة السيول وجد سكان القرى الريفية أنفسهم فجأة في مواجهة مباشرة وقاسية مع كارثة طبيعية ليس بمقدورهم مواجهتها، وذلك تزامنا مع غياب دور السلطات والجهات المختصة، وعدم وجود أي خطط وقائية.
خلفت الكارثة خسائر وأضراراً في قرى الهياجم، والملاوحة، ووادي الماء، وجُريَّة، وعزلة الأحطوب، لكن الخسائر الكبيرة تركزت في منطقة َحلْية، والزُراري، ووادي نخلة، حيث تعرضت لدمار واسع بفعل السيول التي جرفت المحاصيل الزراعية، وقطعت طرقًا رئيسية وفرعية.
مواضيع مقترحة
-
السدود والحواجز: استثمار لمياه الأمطار وتجنب للكوارث
-
كيف يحمي المزارعون التربة الزراعية من الانجراف؟
-
العواصف في عدن.. كيف تؤثر على الفئات الهشة؟
ودي نخلة في قلب الكارثة
تكبد مزارعو وادي نخلة -المعروف بموزه الناضج الطري- الجزء الأكبر من الكارثة، لا سيما وأن الوادي يمثل نقطة التقاء للسيول؛ مما شكل تهديداً على الزراعة، إذ اجتاحت السيول المحاصيل، ودمرت المزارع، وقضت على أحلام الكثير من المزارعين ومصادر دخلهم.
يقول المزارع “مالك دبوان”، بصوت يغمره الحزن: “عندما نزلت إلى الوادي لم أتعرف عليه، هذا الوادي الذي كان مصدر رزق لي ولأبي وأعمامي انتهى بالكامل. السيول جرفته بأكمله، ولم يتبق لنا شيء”.

أما المزارع “دبوان الشرعبي”، الذي فقد مزرعته بالكامل، فيقول: “كل أرضي ضاعت، خسرت كل محاصيلي الزراعية، ما حدث لنا كارثة اقتصادية واجتماعية كبيرة، فالمزارعون باتوا بلا مصادر دخل”.
يؤكد الشرعبي لـ” منصة ريف اليمن” بأن المزارعين الذين يعتمدون على محاصيلهم الزراعية كمصدر دخل وحيد، باتوا بلا مصادر دخل؛ إثر امتداد الأضرار إلى الطرق الرئيسية والفرعية التي صعبت حركة المواطنين، وأعاقت وصول المساعدات، وتسببت بتدمير مركبات نقل، وانهيار لبعض المحلات التجارية الصغيرة.
المدير التنفيذي لمشروع جسر نخلة “عبدالسلام طاهر” وصف السيول بأنها “غير مسبوقة”، قائلاً: “التقت السيول من عدة أودية، وجرفت مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، خصوصًا في وادي نخلة المعروف بإنتاج الموز عالي الجودة، الذي يعتمد عليه المزارعون لتوفير احتياجات أسرهم”.
المزارع “بشار أمين” يصف المشهد قائلًا: “تضررت حوالي 50% من أرضي، كما أن أراضي المزارعين الآخرين أصابها الضرر شبه الكلي، نحن بحاجة ماسة لإعادة تأهيل أراضينا التي أفنينا أعمارنا فيها”.

لم تتوقف الأضرار عند حدود الأرض، بل امتدت لتطال البنية التحتية الهشة، ففي قرى شرعب، تضررت منظومات الطاقة الشمسية، وانهارت جدران منازل طينية، وجرفت السيول خزانات المياه وشبكات الصرف الصحي، ما زاد من مخاطر تلوث المياه وانتشار الأوبئة.
كما طالَت الأضرار المساكن البسيطة؛ إذ انهارت جدران بعض المنازل، وجرفت السيول خزانات المياه التي يعتمد عليها السكان لتأمين احتياجاتهم اليومية، وشبكات الصرف الصحي؛ مما يزيد من احتمالية اختلاط مياه الأمطار بالمياه التي يستخدمها السكان للشرب.
تهديد الصحة العامة
يوضح “محمد علي”، أحد المتضررين من منطقة حلية: “منازل عديدة انهارت، وتضررت خزانات المياه، إضافة إلى إتلاف شبكات الصرف الصحي، وهذا يشكل تهديدًا مباشرًا بتلوث مصادر المياه وانتشار الأوبئة”.
تضع الأضرار البيئية السكان أمام مخاطر مضاعفة، لا تقتصر على خسارة الممتلكات، بل تمتد إلى تهديد الصحة العامة؛ إذ ترتفع احتمالية تفشي الأمراض المنقولة عبر المياه، كالكوليرا والتيفوئيد، في ظل غياب تدخلات عاجلة لاحتواء الوضع.
تركت السيول آثارًا اجتماعية ونفسية قاسية على السكان المتضررين، واضطرت عدد من الأسر إلى النزوح من منازلها واللجوء إلى مساكن مؤقتة. وعلى الرغم من حجم الكارثة، يشكو الأهالي من غياب دور الحكومة، وغياب أي خطط وقائية سابقة، الأمر الذي ضاعف من حجم الخسائر.
ويطالب المتضررون السلطات المحلية والمنظمات الإنسانية بالتدخل العاجل لتقديم الإغاثة العاجلة، وإعادة تأهيل شبكات المياه والصرف الصحي، بالإضافة إلى العمل على وضع خطط وقائية جادة تضمن حماية السكان من كوارث مماثلة في المستقبل.

في محافظة إب، المشهد لم يختلف كثيرا، فالمزارعون يكابدون الخسائر نفسها، ويقول المزارع “عبدالرؤوف مشعل الغاربي”، من مديرية فرع العدين: “لم نشهد مثل هذه الأضرار من قبل، جرفت السيول معظم الأراضي الزراعية، وخسرنا مصدر رزقنا الوحيد”.
وشهدت مناطق العدين، النادرة، والرضمة أضرارا واسعة في المحاصيل، خاصة في الأراضي الواقعة على السفوح الجبلية. ويضيف الغاربي: “فقدنا جزءًا كبيرا من مساحاتنا الزراعية هذا العام، وخسرنا الأموال التي كنا سنسدد بها التزاماتنا المالية. الآن نحن مديونون ولا نعرف كيف سنبدأ من جديد”.
إجراءات وقائية
رغم حجم الكارثة، لم يقف المزارعون مكتوفي الأيدي، ففي عزلة العاقبة بمديرية فرع العدين، لجأ بعضهم إلى حلول وقائية بسيطة، مثل حفر قنوات تصريف مؤقتة، واستخدام أكياس الرمل والحواجز الجدرانية لحماية أراضيهم.
المزارعة “أم محمد”، من منطقة عجيب بمديرية الرضمة، قالت لـ”ريف اليمن”: “وضعت كل أملي في مزرعتي لأنها مصدر دخلي الوحيد بعد وفاة زوجي. عملت ليل نهار، لكن السيول جرفت كل شيء. حاولنا حماية الأرض بالحواجز الترابية، لكن السيول كانت أقوى”.

الخبير الزراعي “عبدالغني الحميري” أوضح أن الأضرار لم تقتصر على المحاصيل، بل شملت الممتلكات والمنازل والمحلات التجارية وحتى الأرواح البشرية. وقال: “عزلة العاقبة بمديرية فرع العدين من أكثر المناطق تضررا، اجتمعت فيها سيول متعددة جرفت عشرات المنازل والأراضي الزراعية، ومئات الأسر فقدت مصادر دخلها الأساسية”.
وطالب الحميري بضرورة تدخل المنظمات الإنسانية لرفع الأضرار، ووضع برامج لحماية التربة وصيانة مجاري السيول والطرق الزراعية، خصوصًا أن أغلب السكان لا يملكون مصادر دخل أخرى.
بدوره، قال الدكتور “رشاد مفرح”، الأمين العام للمجلس المحلي بمديرية فرع العدين، في تصريح لـ”منصة ريف اليمن”: “قمنا بالنزول الميداني ورفع تقرير كامل حول الأضرار، والجهات المعنية بصدد إنزال مهندسين لإجراء الدراسات وإعادة الأراضي الزراعية إلى وضعها الطبيعي، لكن موارد المديرية محدودة جدًا”، وأشار إلى أن “المديرية بحاجة ماسة إلى دعم فني ومادي لتجاوز الكارثة”.
ويشكل قطاع الزراعة العمود الفقري لاقتصاد محافظة إب، التي تحتل المرتبة الرابعة على مستوى الجمهورية زراعياً، وتشتهر بزراعة الحبوب والفواكه والخضروات، وتساهم بحوالي 5.6% من إجمالي الإنتاج الزراعي لليمن، بحسب المركز الوطني للمعلومات.
ومنذ منتصف أغسطس شهدت عدة محافظات يمنية منخفضا جويا قويا تسبب بأمطار غزيرة وسيول جارفة أودت بحياة 16 شخصا على الأقل، وأصابت آخرين، وألحقت دمارا واسعا في الممتلكات والبنية التحتية.